أصبح مفهوم التطوير من المفاهيم المهمة والشائعة الاستعمال في شتى مجالات الحياة, وتتناقله كافة وسائل الإعلام والدوائر الرسمية أو غير الرسمية،فنحن نقرأها في كتابات رجال الفكر التربوي أو الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي,ونسمعها أيضاً في تصريحات العلماء والباحثين عن الخطط التنموية لمؤسسات الدولة ومنشئاتها المهمة.
فالتطوير هو عملية يتم من خلالها تدعيم جوانب القوة في إي برنامج كان لمعالجة جوانب الضعف في كل عناصره(تصميماً وتنفيذاً وتقويماً)في ضوء أسس ومعايير محددة ،ولهذا يعد عملية أساسية وشاملة يتم من خلالها الارتقاء بجميع عناصر العملية التعليمية بدأً من الأهداف حتى الانتهاء بأساليب التقويم،فضلا عن العوامل الأخرى التي تتصل بالعملية التعليمية وتؤثر فيها كالمناهج الدراسية والإدارة المدرسية ومدرسيها والأبنية المدرسية والإشراف التربوي.
وتكمن أهمية عملية التطوير في كون السنوات الأخيرة شهدت الكثير من الدعوات المنادية بضرورة تطوير المناهج الدراسية وطرائق وأساليب تدريسها,مما استوجب أيضا إجراء تطويراً وتحديثاً لبرامج إعداد المدرسين وبرامج تأهيلهم في إثناء الخدمة،فاحتياجات المجتمع المتغيرة استلزمت تطويراً مستمراً لعناصر العملية التعليمية, مما يترتب عليه تغير في مهام ومسؤوليات هذه العناصر، ومنها المدرسين لأهمية أدوارهم المختلفة على المستوى التخطيطي والتنفيذي للعملية التعليمية أو لتأثيرهم في شخصية المتعلمين،وعمل المدرس يتم في إطار عدد من العوامل المهمة المؤثرة على مستوى أدائه في مهنته،وبما إن هذه العوامل المؤثرة دائمة التغير بسبب حركة تطور المجتمع,فإن أدواره دائمة التغير أيضاً وبالتالي هو بحاجة إلى التنمية المستمرة.
فالتطوير عملية تستهدف دائماً الوصول بالشيء المراد تطويره إلى أحسن وأفضل صورة،حتى يحقق الأهداف المنشودة منه على أتم وجه وبشكل اقتصادي في الوقت والجهد والمال،الأمر الذي يتطلب إجراء تغيير شامل في شكل ومضمون الشيء المراد تطويره,وهو بذلك عملية تغيير في الاتجاه الإيجابي دائماً,وهو يختلف عن مفهوم التغيير في عدة جوانب منها إن التغيير قد يكون تحولاً نحو الأفضل أو تحولاً نحو الأسوأ إما التطوير عملية نحو الأحسن دائما ,ويتم التطوير بشكل عام بإرادة الإنسان وتصميمه إذ يتوافر شرط القصد والإصرار، بينما يكون التغيير إما عن قصد أو بدونه, كما إن التطوير يكون مستنداً إلى الإعداد والتخطيط المسبق على العكس من التغيير المستند إلى الارتجال.
ومع حركة التقدم السريع في شتى فروع العلم والمعرفة والقفزة الهائلة في ميدان التكنولوجيا , تزداد الحاجة إلى التأهيل والتطوير لمدرسينا لكي يستطيعوا مواكبه هذا التقدم السريع،ولهذا أصبح من الضروري العمل على توفير كل ما من شأنه أن يسهل للمدرسين من زيادة تحصيلهم المعرفي وتنمية مهاراتهم المهنية مما يؤدي بدوره إلى تحسين أدائهم التدريسي, فالمدرس الذي لا ينمو في مهنته ولا يطور نفسه يعد مثلاً سيئاً وعبئاً ثقيلاً يعطي فكرة سيئة عن التعليم،بينما المدرس الذي ينمو في مهنته ويتحسس المشكلات والعقبات التي تعترضه طريقه ويحاول دراستها والتغلب عليها ويجرب أساليب جديدة يعطي فكرة حسنة عن التعليم ويعتبر قدوة صالحة لغيره.
وارى أن عملية تطوير الواقع المهني لمدرسين تعني تحديثاً لأساليب وبرامج الإعداد والتأهيل والتدريب وفقا لاحتياجات المجتمع المتطورة والمتغيرة، فالمتغيرات المتجددة التي يشهدها المجتمع في مجالاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية والتقنية،تتطلب دراسة معمقة لبرامج التنمية المهنية وتحليلها وإعادة النظر فيها بشكل مستمر،ولابد لعملية التطوير أن تستجيب لهذه التغيرات لكونها تعد من ابرز مبرراته,فالمدرس بحاجة إلى التطوير لكونه الأقدر على مواجهة التحديات الخارجية والمتمثلة (بالغزو الثقافي والعولمة)وحماية النش الجديد من أثارها,فالحاجة متزايدة في النظام التعليمي في العراق إلى مدرسين يمتلكون مهارات وخبرات وكفاءة عالية من اجل الارتقاء بمستوى نظامه التعليمي وبالتالي النهوض بالمجتمع,فالكثير من المدرسين العاملين في الميدان التربوي حاليا يحتاجون إلى المزيد والمزيد من التطوير المهني ورفع مستوى أدائهم المهني.
أسس عملية التطوير .
يرى العديد من المختصين في ميدان التطوير ضرورة توافر مجموعة من الأسس أو الشروط التي لابد منها لإنجاح عملية التطوير،ومنها اعتماد عملية التطوير على تخطيط علمي دقيق ومدروس,غير خاضعاً للعشوائية أو الارتجال, واستناد عملية التطوير إلى قاعدة واسعة من البيانات الواقعية التي تمتاز بالشمول والتنوع والتكامل،بمعنى إن تكون عملية شاملة لجميع الجهات المشتركة بعملية التنمية المهنية(مؤسسات الإعداد والتأهيل والتدريب للمدرسين, الإشراف التربوي, مدراء المدارس,المدرس ذاته)ولا تقتصر على جانب واحد من جوانب برنامج التطوير, فضلا عن استناد عملية التطوير إلى نتائج دراسات علمية دقيقة تناولت احتياجات المدرسين وخصائصهم واتجاهاتهم واستناد عملية التطوير أيضا إلى نتائج دراسة المجتمع وحاجاته ومتغيراته والعوامل المؤثرة فيه،والتعرف على أهم التطورات والاتجاهات العالمية الحديثة ومراعاتها للحداثة والتجديد في برامج التنمية المهنية للمدرسين إثناء الخدمة,كما يجب استناد عملية التطوير إلى الهوية الثقافية للمجتمع, بمعنى إن تحرص على الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع الذي ينتمي إليه المدرسون, مع مراعاة عملية التطوير الموازنة بين الكم والكيف وتميز العملية التطويرية بالاستمرارية,إي إن تكون عملية مستمرة لكي يتمكن البرنامج من الاستجابة للتغيرات والتطورات في المجال العلمي والتربوي والتقني بمعنى إن التطوير عملية مستمرة ليس لها نهاية ولا تتوقف في وقت معين.
مبررات عملية التطوير .
يرى التربويون إن هنالك جملة من المبررات التي تدفع الجهات التربوية المسئولة إلى القيام بعملية تطوير المدرس بصورة شاملة ومستمرة ، ومن هذه المبررات التي أدت إلى تطويره وهي إن النمو المهني للمدرس أصبح عنصراً بالغ الأهمية في تنفيذ كل برامج الإصلاح والتطوير التعليمية, وان التطورات التي لحقت بادوار ومسؤوليات المدرس بفعل التغيرات المتسارعة في التعليم كل هذا أدى إلى توسيع نطاق مسؤوليات المدرس ليصبح منتجا للمعلومات أكثر من كونه ناقلا لها, كما ان الحاجة لتطوير قدرات وإمكانيات المدرس لمواجهة تحديات العولمة نتيجة لتزايد التحديات المرتبطة بعصر المعلوماتية في مطلع الألفية الثالثة للقرن الحادي والعشرون فتشعب عملية التدريس نتيجةً لكثرة متغيراتها المؤثرة في فاعليتها,فمنها ما يعزى للعملية التعليمية(مدرس،طالب،بيئة تعليمية)أو ما يعزى للمجتمع وما يعتريه من متغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية, وما يرافقه من تفاعل بين كل هذه المتغيرات،مما أدى إلى تعقد عملية التدريس، وهذا يفرض على المؤسسات التربوية المسؤولة عن التدريب والإشراف التربوي وإدارات المدارس ضرورة تطوير المدرس في إثناء الخدمة بصورة مستمرة ليتسنى له مواجهة هذه المتغيرات وتحدياتها العالمية, كما ان الإعداد الذي يتلقاه المدرس قبل الخدمة مهما كانت جودته غير كاف لتمكينه من الاستمرار في أداء أدواره المتغيرة في ضوء التطورات التي تفرض نفسها على مكونات منظومة التعليم والسبب في ذلك إن المستوى الكمي لأعداد المدرسين المتخرجين أدى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تدني المستوى النوعي لهم بشكل عام .
فوائد عملية التطوير.
وتحقق عملية التطوير جملة من الفوائد الأساسية والمهمة ومنها الأتي:
تمكن المدرس من مواجهة المتغيرات المهنية والقدرة على التكيف معها.
زيادة الإنتاجية العلمية للمدرس في الميدان التربوي والتخصصي.
تزويد المدرس بالخبرات والمهارات حول إعداد المناهج الدراسية وصياغتها.
تعزيز الإحساس لدى المدرس بالمسؤولية الوطنية لأهمية هذه المهنة.
التأكيد على القيمة المهنية لمهنة التدريس وأثرها في الارتقاء بالأمم.
تطوير خبرات ومهارات المدرس في استعمال تقنيات التعليم والاتصال الحديثة.
تحقق النمو المستمر للمدرس ويرفع مستواه المهني وتعمل على تحسين اتجاهاته وصقل مهاراته التدريسية وزيادة معارفه.
تزيد من قدرة المدرس على الإبداع والتجديد, ومن ثم الارتقاء بمستواه العلمي والمهني والثقافي بما يحقق طموحه واستقراره النفسي, ورضاه المهني اتجاه عمله وإخلاصه في أداء رسالته النبيلة