ما هو العصاب و ما هي تصنيفاته

يشير “كاتل” Cattle، أن النزعات استعداد أو تهيؤ الفرد لأن يكتسب أنماط معينة بسهولة أكبر من اكتساب أنماط أخرى (Cattell,1961:108).
وإذا كان العصاب اضطراب وظيفي يؤثر على الاتزان الانفعالي للفرد وبسعادته ومدى رضاه عن حياته بشكل عام. إلا أن البعض يصفه على أنه حالة تقع بين السوية من جهة والشخصية الذهانية من جهة أخرى أي أن التدرج يبدأ بالسواء ثم العصاب ومن ثم الذهان ولا توجد حدود فاصلة أو حادة بين المستويات الثلاث (السواء، العصاب، الذهان) فالعصاب مثلاً يمثل أعراض موجودة عند الأسوياء تزداد شدتها عند الذهانيين وتشير إلى مدى تصدع وبعدها عن الواقع بينما يرى آخرون أن العصاب والذهان يقعان على بعدين متعامدين (زهران،1978: 392).
والفارق المهم بين (العصابي والذهاني) هو أن الأول يكون أكثر اتصالاً بالواقع وأكثر استبصاراً وإدراكاً بمشكلته ساعياً في الأغلب إلى العلاج بنفسه، عكس الذهاني الذي يبتعد عن الواقع كثيراً ويضطرب لديه الانفعال والقدرات العقلية (حقي،1957، 32).
وقد قدم مصطلح العصابي من قبل وليم كولين “William Cullen” عام 1781 أما الحالة التي نعرفها الأن طبياً، فقد اهتم بها أنطون ميزمر “Anton Mesmer” (1733-1815) (Forrest el. at,1981:283).
وعد “شاركوت” Charcot (1825-1893) أول من درس الحالات العصابية في أواخر القرن التاسع عشر حيث أفترض أن العصاب سببه فكرة مرضية في العقل ولم يرى في الأسباب النفسية أسباب أساسية في هذا المرض (جلال، 1956: 147).
في حين يرى “زهران” (1978) “أن العصاب ليس له علاقة بالأعصاب وهو لا يتضمن أي نوع من الاضطراب التشريحي أو الفسيولوجي في الجهاز العصبي وكل ما في الأمر أنه اضطراب وظيفي دينامي انفعالي نفسي المنشأ يظهر في الأعراض العصابية” (زهران،1978: 392).
والعصاب عادة يوحي بوجود صراعات داخلية وتصدع في العلاقات الشخصية وظهور بعض الأعراض مثل القلق والاكتئاب والوساوس والأفعال القهرية، وسهولة الاستثارة والحساسية الزائدة واضطراب النوم والطعام وأيضاً بعض الأعراض الهستيرية، إذ يحدث هذا من دون مساس بترابط الشخصية وتكاملها إذ يتحمل العصابي المسؤولية كاملة ويقوم بواجباته الحياتية بشكل مقبول ويتجاوب مع الآخرين من دون احتكاك واضح مع سلامة الإدراك والاستبصار بالمرض، والتحكم بالذات، مما يميز هذه الاستجابات العصابية عن الذهان الذي تضطرب فيه هذه الصفات (عكاشة،1969: 20).
“ولقد استخدمت المدارس الإنكليزية والأمريكية مصطلح Pychoneurosis وتعني به الانفعالات العاطفية التي تنجم عن الصراع بين التوترات الداخلية الموجودة في شخصية تعاني من الضعف أو بين محيط ضاغط بصورة غير اعتيادية مما يؤدي إلى نشوء أعراض مرضية تحدد من فاعلية الفرد النفسية والبدنية بصورة ظاهرة وتجعله أقل سعادة من الآخرين بينما ترفض المدارس الألمانية استخدام هذا المصطلح بحجة أنه ينطوي على الإشارة إلى وجود خلل في الجهاز العصبي وعلى هذا الأساس فإنهم يلحقون العصاب إلى المصطلح العام علم الأمراض النفسي (السايكوباثولوجي) Psycho-Pathology ” (العوادي،1992: 38).
وتشير الأدبيات النفسية أن العصاب يشمل جزءاً من الوظيفة العقلية دون أن يؤدي إلى اضطرابات حادة كالهلوسة في الإدراك أو الأوهام الأضطهادية في التفكير أو في القدرة العقلية الأساسية للتمييز بين الواقع والخيال، إذ أن هذه الأعراض يراها المختصون أعراض تفاضلية وتمييز الذهان عن غيره (جلال،1985: 585).
ولقد وجد أن الباحثين في ميدان يتفقون على أن العصاب هو أحد الاضطرابات النفسية التي تدخل ضمن حدود اللاسواء، وأن مفاهيم مثل السواء واللاسواء هي مفاهيم ليست مطلقة بل هي مفاهيم نسبية تتأثر بثقافة الشخص وطبقته الاجتماعية، فالسلوك الطبيعي في مجتمع ما قد يكون غير سوي في مجتمع أخر والشخص السوي في إحدى طبقات قد لا يكون سوياً في طبقة أخرى تبعاً للقيم والمعايير الاجتماعية (الجادري،1990: 57-54) “وفي هذا السياق تقلل “هورني” من خطورة المشاكل والشدائد النفسية الشخصية في إحداث القلق والعصاب وتلقي اللوم على المحيط والثقافة التي تقولب السلوك البشري وتقول أن المرض النفسي هو “مفهوم ثقافي” أي أن كل بيئة تفسره حسب معتقداتها” (الدباغ،1983: 30-31) “وأن الاضطرابات العصابية هي أكثر الاضطرابات النفسية حدوثاً ويلاحظ أن هناك عدداً من الناس لديهم اضطرابات عصابية ويعيشون فيها طوال حياتهم ولا يفكرون في استشارة معالجاً نفسياً” (زهران،1978: 393).
وقد جرت محاولات عديدة لتصنيف الاضطرابات أو الأمراض العصابية على الرغم من عدم وجود حواجز حادة وواضحة بين هذه الاضطرابات، حيث من الممكن لأي من الأعراض الظهور بأكثر من اضطراب حيث تشير رابطة الأمريكية (A.P.A) إلى أن الصور التصنيفية ليست ثابتة بالضرورة عبر الزمن وهي تتباين من حيث العلاج واختلاف الاضطراب (إسماعيل،1984: 240).
وقد حاول “فرويد” أول الأمر تقسيم العصاب النفسي إلى:-
1-العصاب الحقيقي True Neurosis: الذي ينتج عن السموم الجنسية التي تخلفها الطاقة الجنسية المكبوتة.
2-العصاب النفسي Psycho Neurosis: وله أصل نفسي أو هو نفسي المنشأ (زهران، 1978: 393).
وقد صنفه “دافيشون ونيل” Davison & Neale 1974 إلى عشرة أنواع وهي الفوبيا، القلق العصابي، الهستريا التحويلية، الهستريا التفكيكية، الوساس القهري، النحول العصبي، عصاب الوجود، فقدان الهوية، الكآبة، توهم المرض (Davison & Neal,1974:122).
بينما يصنفه العوادي (1992) إلى أربعة عشر نوعاً (القلق النفسي، الرهاب، الكآبة العصابية، عصاب الحزن، الوساس التسلطي القهري، الهستريا، توهم المرض، النحول (الوهن) العصبي، القهم عصاب أباء الطعام)، عصاب الحرب، وأمراض عصابية أخرى مثل عصاب الحوادث وعصاب السجن وعصاب القدر (العوادي،1992: 38).
ومن جانب أخر فقد توصلت منظمة الصحة العالمية (ICD-10) إلى تصنيف الأمراض العصابية إلى:-
1.اضطراب الرهاب بأنواعه.
2.الرهاب الاجتماعي.
3. اضطراب القلق.
4.اضطراب الوساس القهري.
5. الاضطرابات العصابية الناتجة عن التعرض للشدائد أو الكوارث الاجتماعية
6. الاضطرابات الرحامية.
7. اضطرابات جسمية (القريشي،1996: 14).

بينما يصنفه الشاذلي (2001) إلى:
“القلق، الهستريا، عصاب الوساس والقهر، توهم المرض، الخواف (الفوبيا)، الاكتئاب التفاعلي، الضعف العصبي (النيوراستينا)، الهبوط أو الضعف النفسي (سيكاثينيا)، عصاب الحرب، عصاب الحادث، عصاب السجن، عصاب القدر، والعصاب المختلط” (الشاذلي،2001: 112).
وقد حاول تفسير العصاب وأسبابه الكثير من النفس والنظريات النفسية، ويرى “فرويد” وهو من أشهر التحليل النفسي أن العصاب ذو منشأ نفسي بصورة رئيسية فضلاً عن ذلك أن العصاب هو نتيجة الصراع بين الهو والأنا (الدباغ،1983: 28). وإن الجهاز النفسي لابد أن يكون متوازياً حتى تسير الحياة مسيراً سوياً ولذلك يحاول الأنا حل الصراع بين الهو والأنا الأعلى فإذا نجح كان سوياً وإذا أخفق ظهرت أعراض العصاب (الزبادي والخطيب، 2001: 66). وقد جعل من القلق لب العصاب ومحوره ومن عقدة أو ديب نواته ومنشأة ويرى أنه لا يوجد عصاب نفسي بدون استعداد عصابي أي بدون عصاب طفولي (زهران،1978: 231).
بينما يرى أدلر أن العصاب ينشأ من خطأ الفرد في إدراك وتفسير بيئته وحينما يصعب على الفرد أن يتخذ أسلوباً في الحياة يستطيع أن يعوض ما يشعر به من نقص فيخاف من الفشل في تحقيق أهداف الحياة فيلجأ إلى حيل الدفاع النفسي التي تكون الأمراض العصابية ويرى أن أسباب العصاب ترجع إلى خبرات الطفولة وخاصة تلك التي تتعلق بالعلاقات المضطربة داخل الأسرة (زهران،1978: 232).

في حين ترى “هورني” أن القلق لب العصاب ومحوره وأن القلق أساس العصاب (الزيادي والخطيب، 2001: 37) وهو من وجهة نظرها بمثابة اضطراب للعلاقات الانسانية (هورني،1988: 12).
ويرى “فروم” بأن الأعصية بمجملها تعبيراً عن الصراع الأساس والقائم بين سعي الإنسان المشروع للتمتع بالحرية وتحقيق الذات والسعادة والاستقلال وبين النظم المختلفة والقائمة في مجتمعه التي تعارض وتحبط هذاالسعي وتحقيقه (كمال،1983: 131).
ويعتقد “سوليفان” أن القلق أساس كل من العصاب والذهان وقد أكد على أهمية التفاعلات مع الوالدين خلال عملية التنشئة الاجتماعية أو التطبيع الاجتماعي في تشكيل السلوك المقبول أو المنحرف منذ الطفولة (دافيدوف،1988: 589).
ويرى “يونج” أن العصاب هو محاولة غير ناضجة للتوافق مع الواقع وأن الذكريات المكبوتة في اللاشعور لها دور مهم في تكوين العصاب (العوادي،1992: 44) وأن الأعراض العصابية تزداد بواسطة عوامل ثانوية مثل التدليل والتوتر الناتج عن ضغوط أحداث الحياة وتكرار العصاب يمكن إرجاعه إلى سوء الإدراك وفساد العلاقات الشخصية بين الفرد ونفسه وأن أسلوب التربية الذي ينشأ عليه الفرد يختلف عن ميوله الفطرية وهنا يحدث الصراع بين الشعور واللاشعور وهذا الانقسام الداخلي قد يصبح عنيف ينتج عنه العصاب (عبدالرحمن،1998: 145).
في حين يرى “أوتورانك” أن الشخصية العصابية هي تلك الشخصية التي وقفت في نموها، عند ما أسماه بدور الشخص العصابي، فيشعر الشخص العصابي أنه مبعد عن الأكثرية، لا يقبل معاييرها ولا يتقبل نفسه ولا يتقبل المثل التي يوحدها بإرادته الخاصة ويكافح ضد أي خطر خارجي ويعيش في حرب دائمة مع نفسه ومع المجتمع وتسيطر عليه مشاعر الخوف من الحياة، الانفصال عن الآخرين، والموت وفقدان الفردية، ويكون لديه استعداد لقبول ما يملي عليه وتبني وجهات النظر الآخرين (زهران،1978: 232).
وقد أعتبر “أيزنك” أن العصاب هو مجرد عادة خاطئة تعلمها الفرد نتيجة تجارب وظروف تركزت عن طريق المنعكسات الشرطية المتعددة، وأن لا علاقة للعصاب باللاشعور والكبت ولذلك فإن المريض العصابي يمكن معالجته بإطفاء العادة المريضة (وتأسيس) عادة جديدة صحيحة أو بناء سلوك طبيعي جديد في محل السلوك الخاطئ (الدباغ، 1983: 92).
وقد أعتبر “بافلوف” أن العصاب اضطراب بين استجابة الكف والاستثارة وهي استجابات تعتمد على تكوين الفرد وقد أعتبر الهستريا والإعياء النفسي كأبرز أمراض العصاب (الدباغ، 1983: 92).
ويربط “روجرز” بين العصاب ومفهوم الذات فيقول أنه نتيجة عدم تطابق السلوك مع الذات حيث يشبع الفرد حاجة لاشعورية بوسائل سلوكية تتفق مع مفهوم الذات لديه (زهران،1978: 395).
ويفسر “دولارد وميللر” العصاب على أنه نتيجة للخبرة أكثر من ذلك الذي يقع نتيجة للحاجات الفطرية ونتيجة للإصابة العضوية وأن الصراعات العصابية متعلمة وتعد مرحلة الطفولة المبكرة مهمة في نشأة العصاب (باترسون، 1981: 299).
أما المدرسة السلوكية فإنها تنظر إلى أعراض العصاب بأنه العصاب نفسه وأن العصاب سلوك يتم تعلمه تبعاً لمبادئ التعلم العامة التي تحكم أي سلوك وان الاضطرابات العصابية مجرد عادات تم تعلمها (أراجايل، 1982: 114) والتي تم اكتسابها من خلال التعزيز لمثيرات معينة في مرحلة الطفولة (دافيدوف،1988: 676).