نظرية كارين هورني (سنة 1952)

تعد كارين هورني من الفرويديين الجدد والتي تنتمي إلى مدرسة التحليل النفسي ومن منظري الشخصية الذين تأثروا كثيراً بفرويد غير أنها خالفته في بعض أفكاره الرئيسية ولاسيما تحليله للإناث وتأكيده على الغرائز الجنسية فقد استوحت من عملها كمعالجة نفسية إن العوامل البيئية والاجتماعية هي أكثر المؤثرات في تشكيل الشخصية وأن الأكثر حيوية من بين هذه العوامل هي العلاقات الإنسانية التي يعيشها الفرد في طفولته وخاصة إذا شعر أن حاجته إلى استمرار الأمن والحماية من والديه غير مضمونة تماماً، مما يسرب إلى نفسه الشعور بالقلق الذي تراه هورني أهم من الدافع الجنسي في تقرير السلوك (الوقفي،1998: 584).
وقد اتفقت هورني مع فرويد من حيث المبدأ، عن الأهمية الأساسية للسنوات الأولى للطفولة في قولبت شخصية الكبير، ومع ذلك فقد اختلفا على تفاصيل كيفية تكون الشخصية. حيث اعتقدت هورني أن القوى الاجتماعية في الطفولة ليست القوى البايلوجية، هي التي تؤثر في نمو الشخصية، فليس هناك مراحل عالمية للنمو ولا صراعات طفولية لا يمكن تجنبها فالعلاقات الاجتماعية بين الطفل ووالديه هي بالأحرى العامل الأساس (شلتز،1983: 96).

وقد أكدت هورني على خبرات الطفولة الأولى واعتقدت أن حاجة الآمان وحاجة الرضا أكثر أهمية من الجنس (Karen,2002:1).
وإن حاجة الآمان تحتل في نظرية هورني أهمية أكبر بكثير مما تمثله حاجة الرضى، فحاجة الرضى حاجة أبسط تمثل بعض حاجاتنا النفسية فالإنسان يحتاج إلى كمية معينة من الماء والطعام والنشاط الجنسي والنوم وما إلى ذلك بحيث لا يستطيع الرضيع والكبير الاستغناء عنها لفترة طويلة بدون الحد الأدنى من الإشباع لأغلب هذه المتطلبات لكنها ليست أساسية في تكوين الشخصية وأن العامل الحاسم في الشخصية هو حاجة السلامة وعنت بهذا التعبير الآمان والتحرر من الخوف سواء استشعر الرضيع ذلك أم لم يستشعر وأن ذلك سيحدد في أي مدى في المستقبل نمو شخصيته نمواً سوياً (شلتز،1983: 96).
وترى هورني أن الطفل بحاجة إلى بيئة صحيحة تشبع حاجاته للرضا والآمان وتمكنه من تحقيق إمكاناته الشخصية وتتمثل هذه البيئة بعلاقة الطفل بوالديه (صالح،1988: 71).
وإن أمان الطفل يعتمد على المعاملة التي يتلقاها من والديه وأن الوالدين يستطيعان أن يضعفان أو يمنعان الآمان كلياً بأن يظهرا نقصاً في الحنان والحب للطفل، وأنهم يستطيعان تقويض الآمن بطرق مختلفة وبذلك يغرسون الكراهية في الطفل ويشمل بعض سلوك الوالدين مثل تفضيل الأخ الواضح، العقوبة غير المنصفة، السلوك الشاذ، الحنث بالوعود، الاستهزاء، التحقير، عزل الطفل عن الآخرين، وأن الطفل يعرف حب الوالدين له إذا كان أصيل أو غير أصيل ولا يمكن خداعه بالتظاهر الكاذب والحب الزائف، ولأسباب عديدة تشمل الشعور بالضعف، الخوف من الوالدين، الحاجة للإفصاح عن الحب وأن هناك ثلاثة عوامل هي العجز-الخوف-الحب تجعل الطفل يكبت عداءه من أجل أن يتجنب تدمير علاقته مع والديه، فالطفل أما أن يحتاجهم أو أن يخافهم أو أن يخسر ما يقدمانه له من الحب. وان هذا الامتعاض المكبوت يظهر نفسه في الحالة التي أطلقت عليها هورني اسم القلق الأساسي (Basic Anxienty).
وأن القلق الأساسي هو المفهوم الرئيسي في نظرية هورني وتعتقد بأن القلق الأساسي ناجم عن الشعور بالعجز تجاه دنيا مشحونة بالعداء وشعور بفقدان الضمان مما يولد أنواع العصاب (الدباغ،1983: 30).
وتعتبر أن خبرات الطفولة العنيفة الشديدة شرط لازم وضروري لتكون العصاب وان هذه الخبرات تشكل تربة خصبة لنمو مختلف أنواع العصاب (زهران،1978: 331).
وترجع القلق الأساسي إلى ثلاثة عوامل:-
1- الشعور بالعجز.
2- الشعور بالعدوان.
3- الشعور بالعزلة.
وهذه العوامل تنشأ عن الأسباب الآتية:
1- انعدام الدفء العاطفي في الأسرة وشعور الطفل بأنه منبوذ ومحروم من حبها وعطفها وحنانها وأنه مخلوق ضعيف ويعيش في وسط عالم عدائي.
2- تلقي الطفل أنواع المعاملة الأسرية السيئة كالسيطرة المباشرة وغير المباشرة وعدم المساواة بين الأبناء وعدم الإيفاء بالوعود وعدم احترام مشاعر الطفل.
3- احتواء البيئة التي يعيش فيها الطفل على تعقيدات وتناقضات تتمثل بالحرمان والإحباط بحيث يشعر الطفل بأنه يعيش في عالم متناقض مملوء بالفشل (الهيتي، 1975: 38).
وبصفة عامة، فإن كل ما يؤدي إلى اضطراب شعور الطفل بالآمن في علاقته بوالديه يؤدي إلى القلق الأساسي والطفل القلق الذي ينعدم لديه شعور الآمن ينمي مختلف الأساليب ليواجه ما يشعر به من عزلة وقلة حيلة فقد يصبح عدوانياً أو سافر الخضوع أو يكّون لنفسه صورة مثالية غير واقعية ليعوض ما يشعر به من نقص وقصور وقد تصبح أحد هذه الأساليب على قدر من الثبات في الشخصية وبعبارة أخرى قد يتخذ أسلوب محدد منها صفة الدافع أو الحاجة المميزة لديناميات الشخصية (هول،1971: 179).
وقد حددت هورني عشر استراتيجيات لخفض القلق لأقصى درجة أطلقت عليها الحاجات العصابية وهذه الحاجات هي:-
1-الحاجة العصابية للتعاطف والقبول: كالشخص الذي يحيا لكي يكون محبوب، محل إعجاب الآخرين.
2-الحاجة العصابية إلى القرين الذي يثري حياته: مثل هذا الشخص يحتاج إلى التعاطف مع شخص ما يحميه من الأخطار ويشبع رغباته وحاجاته.
3-الحاجة العصابية لأن يعيش الفرد داخل نطاق محدد: مثل هذا الفرد يكون محافظ جداً، يتجنب الهزيمة أو الفشل من خلال محاولته تحقيق القليل جداً.
4- الحاجة العصابية للقوة: مثل هذا الشخص يحترم القوة ويحتقر الضعف.
5-الحاجة العصابية لاستغلال الآخرين: مثل هذا الشخص يفزعه استغلال الآخرين له، ولكن لا يضايقه إلى أدنى حد حتى مجرد التفكير أن يستغل هو الآخرين.
6- الحاجة العصابية للتقدير الاجتماعي: يحيا هذا الفرد لكي يكون محل تقدير كأن يظهر أسمه في الصحف. وأن أعلى هدف له اكتساب مكانة مرموقة.
7- الحاجة العصابية إلى الإعجاب الشخصي: يحيا هذا الفرد حياته لكي يمدح ويثنى عليه. ويتمنى أن يراه الآخرون في صورته المثالية التي يعتقدها عن نفسه.
8-الحاجة العصابية للطموح والإنجاز الشخصي: مثل هذا الشخص لديه رغبة جامحة لأن يكون مشهور وغني، ومهم بصرف النظر عن النتائج.
9-الحاجة العصابية إلى الاستقلال والاكتفاء الذاتي: مثل هذا الفرد يبذل جهداً كبيراً ليتفادى تحمل تبعات أي فرد آخر، لا يريد الارتباط بأي شيء أو أي شخص ويتجنب التبعية مهما حدث.

10- الحاجة العصابية للكمال وتجنب الإهانة: مثل هذا الفرد يحاول تحقيق الكمال بسبب حساسيته الشديدة للنقد (عبدالرحمن،1998: 202-203)
واعتقدت “هورني” بأن تلك الحاجات حلول غير عقلانية لمشاكل الشخص ونبهت بأن هذه الحاجات هي موجودة عند كل شخص فلا واحدة من هذه الحاجات شاذة أو عصابية في ظهورها العابر في الحياة اليومية وان ما يجعلها عصابية هو المواصلة القسرية الشديدة لإشباعها كالطريقة الوحيدة لحل القلق الأساسي في هذه الحالة إشباعها لن يساعد الفرد على تحقيق الطمأنينة لكنه يستفيد فقط في مساعدته للهروب من ألم القلق ويبحث الفرد للتركيز على حاجة واحدة فقط ويبحث بشكل قسري على إشباعها في أي موقف وفي كل المواقف (شلتز،1983: 102).
إلا أن هورني لم تكن راضية عن وصفها لهذه الحاجات لأنها كانت قد عرضتها بشكل منفصل ولهذا عمدت لاحقاً إلى أن تنظر إلى بعض هذه الحاجات العشر على أنه من الممكن وضعها في مجموعات لتمثل اتجاه الشخص نحو نفسه ونحو الآخرين وفلسفته في الحياة واستنتجت أن الشخص يمتلك ثلاث بدائل أو أساليب في طبيعة علاقته مع الآخرين هي: التحرك نحو الآخرين، التحرك ضد الآخرين، الابتعاد عن الآخرين (صالح،1988: 51).
وقد أسمت هورني هذه الأساليب الثلاثة في اتجاه التحرك بالنزعات العصابية Neurotic Trends (شلتز،1983: 102).
وترى “هورني” أن التعارض والتضارب بين هذه النزعات الثلاث هو الصراع الذي يشكل جوهر الذهان وأن الناس العصابيين والأسوياء يعانون من نفس أنواع الصراع القائم بين هذه النزعات الثلاث (صالح،1988: 52).
غير أن الشخص السوي يمكنه أن تتكامل عنده الاتجاهات الثلاثة معاً ويستطيع أن يكون مرناً بحيث يستطيع أن يستخدم مرة هذا الاتجاه ويلجأ مرة أخرى إلى الاتجاه الأخر في ظروف أخرى وكما يقتضي الحال وهو إذ يفعل ذلك يحل صراعاته بشكل كافي (عباس،1996: 116).
في حين أن الفرد العصابي يكون متصلباً يواجه جميع المواقف بأسلوب واحد ولهذا يكون الصراع لديه في أشد حالاته (صالح،1988: 52).
وغالباً ما يواصل الشخص العصابي بحثه عن الآمان مستعملاً أكثر من وسيلة من هذه الوسائل في محاولته مضارعة القلق الأساسي التي يمكن أن تكون أساساً لصراعات أعمق (شلتز،1983: 101).
وتلعب تلك الصراعات دوراً لا حد له في مرض العصاب مما كان يفترض على وجه العموم وعلى كل حال فالعثور على الصراعات ليس بالأمر اليسير جزئياً لأنها غير واعية أساساً لدرجة أكثر من ذلك لأن الشخص العصابي يقوم بجهد عظيم في سبيل إنكار وجودها (هورني،1988: 26).
وترى هروني أن هناك ثلاث نزعات عصابية وهي:-
1- نزعة التحرك ضد الناس
تعبر هذه النزعة عن الميل نحو العدائية لدى الشخص العصابي والذي تسيطر عليه النزعات العدوانية، بحيث يعتبر كل شخص عدواني، ويرفض الاعتراف بأن الناس ليس كذلك، وتمثل الحياة لديه نضالاً من قبل الجميع ضد الجميع، وحاجته للحنو، والاستحسان وضعت لخدمة أغراضه العدوانية وحاجته القسرية تنبثق من القلق الأساسي لديه، وعنصر الخوف لديه لا يعترف به أو يكشف عنه أبداً، وإن حاجاته الأساسية تنبع من شعوره بأن العالم يمثل حلبة نزال ويكون البقاء فيها للأصلح ويسعى لمصلحته الذاتية، ولديه حاجة للسيطرة على الآخرين بوسائل متعددة فقد يستخدم القوة للإيقاع بالناس، أو عبر طريق الذكاء ويعتقد بأنه يستطيع النجاح في كل شيء عبر الاستنتاج المنطقي أو بعد النظر، لذا فهو بحاجة أن يحقق النجاح والنفوذ والتميز بأي صورة وهو بحاجة إلى استغلال الآخرين واستخدامهم لمنفعته والتغلب على ذكائهم، ولديه استعداد لاتهام الآخرين ولا يكون لديه شعوراً بالذنب، وأن الشخص الأخر هو المخطئ وأنه على حق، والاعتراف بالخطأ يعتبر ضعفاً بالنسبة له، ويرفض العطف والجودة، وأن الشهرة تبدو له حلاً لصراعاته، وأن إحساسه بالشفقة أو الالتزام أو المطاوعة يعتبر تضارباً مع بنية الحياة التي شيدها. واستجابة هذه الميول المتضاربة بصراعه الأساس وأن كبته للميول الأكثر رقة ستعزز الميول العدوانية جاعلاً إياها أشد قسراً (هورني،1988: 49-52).
2- نزعة التحرك بعيداً عن الآخرين
تعبر هذه النزعة عن حاجة العزلة لدى الشخص العصابي ومن خصائصه شعوره بالاغتراب عن الناس، وبالعزلة عن الذات وفقدان الحس بالنسبة للخبرة العاطفية، والريبة في ماهية المرء أي فيما يحبه ويكرهه ويغشاه وما يمتعض منه ومن يأمن إليه، ولديه حاجة باطنية لإقامة حاجز عاطفي بينه وبين الآخرين، وعدم الارتباط بالآخرين بأي طريقة سواء بالحب أو الشجار أو التعاون أو التنافس وتبرز سمة القسرية للحاجة في رد فعلهم الذي يتميز بالقلق حينما يتطفل العالم عليهم، لذا فهم يبتعدون عن التجمعات العامة والمناسبات الاجتماعية والبروز والنجاح ويرغبون بالاختلاء بأنفسهم باعتبارها حاجة ملحة لديهم، ولديهم حاجة الاستقلال التام بالذات من خلال الاكتفاء الذاتي والاختلاء بالنفس، كما انهم يبتعدون عن الالتزام بالمواعيد ومراعاة التقاليد التي تكون بغيضة لديهم وكما أنهم يميلون لقمع الأحاسيس إضافة إلى إنكار وجودها (هورني،1988: 53-59).
3- نزعة التحرك نحو الناس
تعبر هذه النزعة عن النمط المطاوع والحاجة للحنو والاستحسان، والحاجة إلى الرفيق والصديق أو الزوج لتحقيق أمال الحياة، ميالاً لتجاوز تقدير تجانسه والمصالح المشتركة مع الآخرين بغض النظر عن الفوارق بينه وبينهم بسبب حاجاته القسرية، فهو بحاجة أن يود ولأن ينتمي وأن يعشق وأن يشعر بأنه مقبول، مستحسن، محتفى به وأنه سيحتاج إليه، وأنه سيكون موضع عناية الآخرين، لذا فهو يبحث عن الحنو والاستحسان مخفياً حاجته الشديدة للشعور بالآمن وأن الحاجة لإشباع هذا الحافز تكون قاهرة إلى درجة كبيرة وكل شيء يفعله يوجه لتحقيق ذلك، وأثناء هذه العملية يطور الشخص العصابي ميزات ومواقف معينة تجسد شخصيته يمكن أن توصف من قبل التودد بأنه مرهف الحس بالنسبة لحاجات الآخرين وحاجة شخص أخر وإلى العطف والمعونة والفوز بحسن ظن الآخرين إلى حد فقدان مشاعره الخاصة، مراعياً لحقوق الآخرين وإلى جانب هذه الخواص تتداخل معها مجموعة أخرى تهدف إلى تجنب النظرات الغاضبة والمنافسات والخصومات، يضع نفسه في مرتبة أدنى تاركاً أضواء الشهرة للآخرين ميالاً للتهدئة والاسترخاء، لا يحمل أي ضغينة، يتحمل اللوم تلقائياً، يميل إلى محاسبة نفسه وإدانة نفسه، والسلوك العدواني محرماً،وأن حاجته أوقفت كلياً للآخرين، وأنه عاجز وضعيف ويعترف به للآخرين، فالجميع أكثر جاذبية والمع ذكاء وأفضل تعليماً وأكثر استحقاقاً منه، فاقد الشعور بالثقة بنفسه، وهناك صفة تميزه هو الاعتماد الشامل على الآخرين وتتمثل هذه في ميله اللاواعي نحو تقويم نفسه من خلال ما يضنه الآخرون فيعلو ويهبط اعتباراً لذاته تبعاً لاستحسانهم أو لأستهجانهم ولحنوهم أو لأنتفائه. ويعتبر أي رفض أو انتقاد أو هجر يمثل خطراً مرعباً ويبذل أقصى جهده لاستعادة احترام الشخص الذي هدده بهذا الشكل، وأن هذا هو الشيء الوحيد الذي يفعله على أساس افتراضاته الباطنية (هورني،1988: 36-45).

نظرية كارين هورني (سنة 1952) مصدر المقالة

لمزيد من المعلومات حول الموضوع يرجى مراجعة الرابط التالي :

نظرية كارين هورني (سنة 1952)