قصيدة النثرومسؤولية الحفاظ على الشعرالعربي أ.د خضيردرويش

قصيدة النثرومسؤولية الحفاظ على الشعرالعربي

أ.د خضيردرويش
   

 بدءا أرى لزاما أن أثبت هنا أن التفاتي الى هذا الموضوع جاء بتا ثير من الموضوع الذي كتبه الدكتور حبيب مؤنسي وكان بعنوان (مشكلة تجنيس قصيد ة النثر ومسؤولية النقد ) الذي نشره في قسم الدراسات الادبية والنقدية ، في ملتقى التوباد الأدبي، فله مني خالص التقدير، وأنا أشد على يده وأبارك فيه هذا الحرص على تراثنا العربي ومنجزنا الابداعي الكبير. وأرجو أن نكون قد أطلقنا دعوة كريمة لاصحاب الشأن من ذوي الاقلام البارة للكتابة قي هذا الموضوع يكون فضل البدء فيها للدكتور حبيب. لقد ذكرني موضوع قصيدة النثر بحواركان قد جمعني بأحد الشعراء الشباب قبل سنوات وقد انتهينا الى الاتقاق على الكتابة في هذا الموضوع وقد كتب واقترح تسمية بديلة لقصيدة النثر لاأتذكرها الان، أما انا فانشغلت في حينها ولم أكتب.واذ أتفق مع الدكتورحبيب مؤنسي في ما ذهب اليه وددت هنا أن أذكر ما ذهبت اليه الشاعرة الناقدة نازك الملائكة وهي تتحدث عن هذا الموضوع في كتابها (قضايا الشعرالمعاصر) فهي تقول عن بدايات قصيدة النثر:” ان طائفة من أدباء لبنان يدعون اليوم الى تسمية النثر شعرا وقد ثبتت مجلة شعر هذه الدعوة وأحدثت حولها ضجيجا مستمرا لم تكن فيه مصلحة لا للأدب العربي ولا للغة العربية ولا للأمة العربية نفسها “. لقد ذهب كثيرممن يكتب مايسمى بـ (قصيدةالنثر) الى الانتقاص من الوزن والقافية ، وأخذوا يعيبون على الشعراء تمسكهم بهما وبكتابة القصيدة العمودية ، ومن المؤكد أن فشل الكثير منهم في التمكن من إتقان الوزن الشعري كان سببا وراء
إتخاذهم هذه المواقف. ذلك أنني أعرف كثيرا منهم لايفقهون شيئا في موسيقى الشعر ولايستطيعون نظم بيت واحد موزون. وهنا تقول نازك الملائكة : ” يتحدث أصحاب هذه الدعوة باحتقار عن الشعر الموزون ، وبذلك لايكتفون برفع النثر الى جوار الشعر ومساواته به ، وإنما يزيدون فيزدرون الموزون ويعطون لنثرهم الفضل كله”.ونعرف جميعا أن للنثرالفني خصائصه وميزاته، وكما أن للشعر جدارته وسلطانه،
فللنثر ماله أيضا. فمن ينكر منا أنه لم يقرأ يوما نثرا كان قد ارتقى إلى مصاف الشعر أو تعداه . وهنا ترجع نازك الملائكة التحمس في هذه الدعوة إلى جانب نفسي فتقول : ” الاساس النفسي في هذه الدعوة ان هؤلاء الكتاب الافاضل الذين يحسنون إبداع نثر جميل أحيانا،يزدرون مايمتلكون من موهبة ويتطلعون إلى مالايملكون. إنهم باختصار لايحترمون النثر، وذلك هو أساس الإشكال الذي وقعوا فيه . إنهم مهما أبدعوا من صور وأفكار في قالب نثري يحسون أنهم مازالوا أقل إبداعا من شاعر يخلق هذا الجمال نفسه ولكن بكلام موزون . ولذلك تراهم يعبرون عن إزدرائهم لموهبتهم باطلاق كلمة شعر على ما يكتبون…… إنهم أصبحوا يحتقرون الشعر ويسمونه تقليديا لكي يجعلوا الابداع والتجديد قاصرا على نثرهم المبتكر،فهو الشعر الاوحد برغم المقاييس كلها “. وفي مجال المقارنة بين الشعر والنثر وبسبب من تمسكهم بتسمية نثرهم شعرا تقول نازك :”فمن قال لهم أن النثر وضيع،أوأنه لايمنح قائله صفة الابداع؟ ولماذا يحسبون ان نثرهم لايكتسب الاعجاب إلا إذا هو مسخ ذاته وسمى نفسه شعرا؟

 

إن جل ما نبتغيه في نهاية الامر إنما هي دعوة للحفاظ على إرث كبير ومنجز ثقافي إرتبط بشخصيتنا العربية ومثلها أصدق تمثيل، وهو في الوقت نفسه رد جميل الى اؤلئك الخالدين الذين أسسوا وإجتهدوا فأورثونا هذا العملاق ( الشعر العربي) .. لقد قيل إن من أسباب عدم إلتفات العرب إلى الشعر التمثيلي الذي يعد المنجزالأدبي الأول في التراث الاغريقي ، هوتمسكهم بشعرهم الذي عدوه منجزهم الأسمى الذي لم يروا ما يضاهيه في أدب الأمم الأخرى..هكذا كان أهلنا ، لقد أورثونا كل جميل..أليس الأجدر بنا أن نتمسك بما هو جميل..؟