آراء الدارسين المحدثين في الشاعر دعبل بن علي الخزاعي (246 هـ )2) 
أ.م.د. علي ذياب محيي العبادي
 
واستكمالاً لما بدأناه في محطتنا الاولى من هذه المقالة والتي سنتبعها ان شاء الله بحلقات أخرى ، نوضح فيها أهم الآراء التي قيلت بحق شاعر آل البيت دعبل بن علي الخزاعي والتي أبتعد البعض فيها عن الفنية لأسباب عدة توضح خلال المقالة .والآن نرى آراء المجموعة الأخرى التي دلت بدلوها في الشاعر.
ب:- ومن الدارسين الذين أدلوا بآرائهم بحق الشاعر دعبل الخز اعي عباس محمود العقاد  الذي أسرف في وصف مساوئ الشاعر ولعلَّه الوحيد الذي لم يشاركه أحد في رأيه سوى بطرس البستاني ؛ إذ يقول العقاد في كتابه المراجعات في الآداب والفنون ): (( وأُريد بالهَّجاء المطبوع ذلك الشاعر الذي يولد بفطرتهِ ناقماً هاجياً لا يرضى عن شيء ولا يستريح الى مدح أحد ولا يكف عن النقد والعيب كلفاً بهما واندفاعاً إليهما لا جلباً للكسبِ أو درءاً لمساءةٍ ، أو ذلك الشاعر الذي أوتي من الفطنة وسعة المخيلة واستعداد الطبع ما يفتح له معاني الهجاء إذا أراده ناقماً أو غير ناقم ومعتمداً ما يقول أو عابثاً فيه . ولستُ أعرف في الأدب العربي غير شاعرين اثنين نابهين بهذه الصفة هما : دعبل بن علي الخزاعي ، وعلي بن العباس ( ابن الرومي ) )) 
  ثم يأخذ العقاد بوصف دعبل قائلاً : (( أما دعبل فقد كان صاحب طبيعة من تللك الطبائع النابية النافرة التي تخرج على (المجتمع) وتثور به ولا تزال في حرب معه لا مسالمة فيها ولا مهادنة الى أن يواريها الموت في ثراه)) . ويقول بعد ذلك العقاد (( وما كان هجوه لو بحثت في أسبابه إلا ضرباً من قطع الطريق على الناس اشتهاءً في اكثر الأحيان للذةِ الصيد والقنص ونزوة المطاردة والتخويف لا طمعاً في المال أو طلباً للترات ، فما اتفق الناس على إمامٍ إلا وهجاه وألحَّ في هجائهِ وان احسن اليه وأجزل له العطاء)) . وذكر بعد ذلك : (( هكذا خُلق هاجياً مطبوعاً لا يأوي الى الناس ولا يكف عن ذمهم والعيب عليهم ولو غمرته الثروة وبات أغنى الخلق من عطاء الممدوحين والمذمومين ))  
وقد وجد هذا الكاتب القدير والناقد الكبير من يردَّه على تصريحاتهِ النقدية وتحليلاته النفسية التي أستطاع من خلالها أن يوصلنا إلى معرفةِ كوامن نفس دعبل المبغضة للناس جميعاً بحسب رأيه .
إذ قال المرحوم الدكتور محسن غياض في معرض ردِّ على هذه قائلاً : 
(( نحن لا ننكر ذلك ولا ندفعه عن الرجل ، فالحق ان دعبلاً كان هجاءً مقذعاً في الهجاء ، والحق انه أسرف على نفسهِ وعلى الناس في هذا الهجاء أيضاً . ولكننا ننكر ان يكون هذا الهجاء سبباً للتحامل على الرجل والطعن عليه كما فعل العقاد الذي قال : إن دعبلاً هجّاء مطبوع على الهجاء كلفٌ به لذاتهِ  لا جلباً لكسب أو درءاً لمساءة ،ونحن نعتقد بأن دعبلاً لم يكن كما صوره العقاد ولم يكلف بالهجاء لذاتهِ وانما كانت تدفعه الى الهجاء أسباب ومبررات ، وليس بغريب ان يهجو دعبل الرشيد والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل ، وإنما الغريب ان ألا يهجوهم . فهو كشاعر شيعي كان يرى فيهم مغتصبين للخلافة من أصحابها الشرعيين من العلويين )) .
ثم أضاف المرحوم الدكتور محسن غياض مفنداً رأي العقاد بأسباب يراها موضوعية لكونها ترتكز على أصول مشتركة عند الأكثرية وهذه الأصول هي مشكلة الخلافة ؛إذ قال:((وعجيب أن يقول العقاد : فما اتفق الناس على إمام إلا وهجاه وألحَّ في هجائِهِ ، وقد نسي الأستاذ العقاد أو تناسى ان دعبلاً وجميع الشيعة الآخرين لم يكونوا من هؤلاء الناس الذين يتفقون على خلافةِ أحد من العباسيين وإمامتِهِ ، وانما كانوا يرون بيعتهم باطلة أصلاً وخلافتهم غصباً )) .
ثم يكشف المرحوم الدكتور عن تحامل العقاد على الشاعر قائلا :(( ويبلغ التحامل عند العقاد ذروته على الشاعر عندما يصفه بأنه قاطع طريق بفطرته التي ولد عليها، ويتخذ من رواية الاغاني عند صحبة دعبل للشراة والصعاليك وعدم ايذائهم له دليلاً على صحة قوله هذا . ونحن نعتقد ان دعبلاً قد تعرَّف الى بعض هؤلاء الصعاليك في تلك السنوات القاسية التي قضاها مشرداً مطارداً بعد وفاة المأمون حتى مقتله هو ،وهي صحبة الغريب للغريب وألفة المشرد للمشرد ،وقد تختلف أسباب تشرد دعبل عن تشرد هؤلاء الصعاليك ،إلا ان ما يجمع بينه وبينهم من فقر وخوف وتستر هو الذي يخلق هذه الألفة ثم ماذا يبتغي الصعاليك عند شاعر طريد متشرد ليؤذوه ويسيئوا اليه )).
 وارى أن اغلب هؤلاء الصعاليك  ـ كما أسموهم ـ هم من الشيعة الذين فروا من الظلم العباسي الذي لحق بهم فكان دعبل واحداً منهم ، فاصبحوا – بنظر المرحوم الدكتور يونس السامرائي- ومعهم دعبل من الخارجين على القانون ،ولذلك كان يأنس دعبل معهم لانهم من الشيعة وممن يرغبون في سماع شعره في رثاء آل البيت ولا سيما وان الظلم الذي لحق آل البيت هو نفسه الذي لحق اتباعهم وما يؤيد ما ذهبنا إليه تلك الرواية التي تحدثت عن قطاع الطرق من الأكراد الذين سرقوا القافلة التي كان فيها الشاعر ، وبعد أن عرفوا أن الشاعر فيها ردّوا كل ما سرقوه إجلالا واحتراما لشاعر آل البيت دعبل الخز اعي . 
واعتقد أن الرّد الذي ردَّ به المرحوم الدكتور محسن غياض على العقاد كان يشمل جميع الدارسين الذين وصفوا دعبلاً بتلك الصفات التي ردَّ عليها محسن غياض بتحليل موضوعي واقعي بعيداً عن المغالاة وعن التطرف . وكذلك فقد ردَّ  الأشتر على العقاد بقوله : (( وتعتبر مقالة العقاد – على قصرها وضعف التثبت من النصوص التي اعتمدتها والرغبة العميقة في التعميم ، فقد أفاد منها كثير من الباحثين تابعوا العقاد ، على غير وعي ، أحياناً بما يضيعهُ التعميم من مفارقات عظيمة الخطر )) .وهذا كلام سليم ميّز بين الحكم الموضوعي والحكم الذي يتسم بالتعميم والفوضوية .



شارك هذا الموضوع: