أبن خلدون والعرب؟
م.م. إسراء محمدعلي عبدالكريم كسَّاب
جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الإنسانية .
رجح بعض الباحثين بإن أبن خلدون كان شعوبيًا بربريًا أراد ذم العرب والإنتقاص من شأنهم ,حتى ان بعض القومييين العرب دعوا بوجوب حرق كتبه .
في حين أن ساطع الحصري كان له موقف مغاير لذلك ، حين ذكر بأن ابن خلدون لم يقصد بإقواله العرب ،إنما قصد البدو ،مستندًا بذلك الى قرائن لغوية وتأريخية وإجتماعية .
رجح علي الوردي رأي الحصري ، لكنه وكما يذكر في كتابه “منطق ابن خلدون ,في ضوء حضارته وشخصيته”، إنه وقف كثيرا اماما لفظة (العرب) وهل هي مرادفة ومساوية في معناها للفظة (البدو) ؟ أم إنهما مختلفان في المعنى؟
حيث انه استقر الى رأي بعد تحليله لمقدمة ابن خلدون , وهو أن ابن خلدون حين يذكر صفات البداوة في محاسنها ومساوئها يأتي بها تحت أسم “البدو” ولكنه حين يذكر صفات البداوة في مساوئها فقط يأتي بها تحت أسم “العرب” ، ويذكر الوردي ان ابن خلدون في الفصل الذي قسم فيه البداوة الى درجاتها الثلاث حسب شدة توغلها في حياة الصحراء وبعدها عن خصائص الحضارة ,اورد بأن الأمم البدوية المختلفة من فرس وتركمان وصقالبة وكرد وبربر وعرب وزعهم على تلك الدرجات الثلاث وذكر بأن العرب أكثر من غيرهم توغلا في حياة الصحراء واختصاصا بالأبل ،في حين أن الأمم البدوية الأخرى قد يختصون بالقيام على الشاء والبقر علاوة على الأبل ، ومنهم من يختص بالزراعة وحدها ، وبذلك يتضح انه عند ذكر العرب يقصد بهم ابن خلدون النموذج الأقصى من البداوة ، ويتسائل الوري فيما حول بلاد اليمن ؟ وحضارة تدمر ؟ والتراء؟ والحضارة الإسلامية الكبرى ؟ اليست جميعها بلاد متحضرة ساهم العرب فيها مساهمة فعّالة ، واوعز تخطي ابن خلدون لذلك نتيجة الجو الفكري والإجتماعي الذي كان مسيطرا على بلاد المغرب في زمانه .
ويرجح الوردي بأن أبن خلدون لم يكن يقصد ذم العرب بوجه مطلق لأنه لايلائم منطقه ،حيث إنه يرى في كل شيء وجهين على الأقل خيرًا وشرًا.
فإذا كانوا العرب أشد من غيرهم بعدا عن العلم والعمران والصناعة فهم يجب أن يكونوا أكثر من غيرهم شجاعة وأمتن خلقا وأقرب الى خصال الخير والدين .
ويعزو الوردي ان الذين نسبوا نزعة التهجم على العرب من قبل ابن خلدون ، يعزو ذلك الى انهم قرأوا مقدمته من نظار المنطق القديم الذي يقول ان النقيضين لايجتمعان في شيء واحد
ومن بين الوصف الذي اطلقه ابن خلدون على العرب بإنهم “أمة وحشية” ويرى الوردي ان المعنى الذي يقصده ابن خلدون غير المعنى المفهوم في العصر الحديث ، اذ انه يعني بالتوحش سكنى الصحراء والتوغل فيها بعيدا عن الحضارة , وهذا في إصطلاح ابن خلدون ليس ذمًا ، وإنما وصف موضوعي يراد به الذم من وجهة نظر الحضارة ، ويراد به المدح من وجهة نظر البداوة ، حيث إن معظم الأمور لدى ابن خلدون نسبيةً على هذا المنوال .
وهذا ينطبق على أوصافه الأخرى للعرب ، حيث وصفهم كذلك بإن العرب اذا تغلبوا على أوطان أسرع اليها الخراب ، وفي فصل آخر قال أن العرب أبعد الناس عن سياسة الملك ، وفي فصل ثالث ذكر إن المباني التي يختطها العرب يسرع اليها الخراب وفي فصل رابع ذكر إن العرب ابعد الناس عن الصنائع ، في حين قال في فصل خامس أن العرب يستنكفون عن طلب العلم وإنتحاله .
ويرى الوردي الى أن ابن خلدون لم يكن دقيقا في تصنيفه الناس وفق نظريته حسب التدريج الآتي:
البداوة تقسم الى 1- أهل الأبل 2-الشاوية 3- الزرّاع
في حين أن الحضارة نتقسم الى 1- المدن الصغيرة 2- المدن المتوسطة 3- المدن الكبيرة .
ويُرجع الوردي ذلك الى ان تزعته الواقعية منعته من تحديد تلك الأصناف تحديدًأ ثايتا دقيقا .
حيث أنه وضع بين الأصناف الرئيسية أصناف ثانوية مثلما وضع بين أهل الأبل وأهل الشاء جماعة من البدو يعتمدون في معاشهم على الإبل والشاء معًا.
وكذلك جعل المدن في درجات متوالية من غير تحديد تبعا لحالة العمران الحضري فيها .