أبو الحب الكبير: شاعر المنبر وصوت الحسين الخالد

تتألق كربلاء ليس فقط بما تختزنه من مكانة دينية وروحية عظيمة، بل كذلك بما أضافته من بصمات علمية وأدبية على مر العصور. فمن بين الأسر التي أسهمت في تنمية الفكر والأدب، تبرز أسرة “أبي الحب” التي توطنت في كربلاء منذ القرن الثاني عشر الهجري، ناقلة معها إرثاً ثقافياً وفكرياً من الأرض التي أنبتت الكثير من أعلام العلم والشعر. وبينما كانت كربلاء تحتضن أجيالاً من علماء الدين والمفكرين، نشأ فيها رجل كان له دور محوري في تاريخ الأدب والشعر، ألا وهو الشيخ محسن بن الحاج محمد أبو الحب.
ولد أبو الحب في كربلاء في عامٍ مختلف حوله المؤرخون، إذ انقسموا بين 1235هـ و1245هـ، ولكن ما هو ثابت ومؤكد أن محسن أبو الحب، الذي أطلق عليه لقب “الكبير”، تميز بقدرة شعرية وفكرية جعلته أحد أبرز شعراء عصره. وفي محيطه الأدبي، كان يحيط نفسه بكوكبة من الشعراء والعلماء مثل محمد علي كمونة والحاج جواد بدقت الأسدي، حيث تطور في حضنهم وصقل موهبته الشعرية والفكرية، حتى أصبح من أعيان الأدب في القرن الثالث عشر الهجري.
شهرته لم تقتصر على الشعر فحسب، بل امتد تأثيره إلى الخطابة، فقد كان على منبره الحسيني يغزل الكلمات لتخاطب الأرواح وتنشد لها مشهد عاشوراء الخالد. أشعار أبو الحب تمثل الحياة والموت في أبهى صورها، وتقف قصيدته الشهيرة “إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني” شاهدة على عمق ارتباطه بحادثة الطف ومعاناتها. وكان من النادر أن تنقضى مجالس العزاء دون أن تتردد هذه الأبيات التي برع فيها في محاكاة صوت الإمام الحسين(عليه السلام) ذاته، مما جعلها تخلد في ذاكرة الأجيال وتُردد في صلوات عاشوراء.
عاش الشيخ أبو الحب حياة مليئة بالألم والوفاء لقيمته الدينية والشعرية، فكما كان الشعر زاده الروحي، كان يقيم من خلاله جسراً إلى المثل العليا التي عاش لأجلها. لعل من أبرز محطات حياته الصعبة هي تلك التي فقد فيها والده وهو صغير، فترعرع يتيماً ليتحمل مسؤولية تعليمه وأدبه بنفسه، حيث كانت كربلاء ملتقى الروح والعقل له.
ويظل شعره، بما حمله من رسالة دينية، مرجعاً لعدد من الأجيال التي تبعت، وما زالت أبياته تمثل صدى مخلصاً لروح الفداء التي تجسدها ثورة الإمام الحسين(عليه السلام). ولعل أبرز ما خلفه هو ديوانه الشعري “الحائريات” الذي جمع فيه بين الأدب والروحانية، ما جعل منه رمزاً للأدب الحسيني النابع من قلب الإيمان.
توفي أبو الحب في 20 من شهر ذي القعدة سنة 1305هـ، تاركاً وراءه إرثاً أدبياً وروحياً لا يزال ينعش أرواح عشاق الشعر والوقوف على منبر الحسين، ودُفن إلى جوار مرقد السيد إبراهيم المجاب في الروضة الحسينية المقدسة، كما شاءت إرادته أن يكون جثمانه شاهداً على حضور دائم في هذا المكان المقدس، حيث تتردد الأصداء التي خلدت شعره على مر السنين.
في الختام، يبقى الشاعر أبو الحب الكبير أحد أبرز رموز الأدب والشعر في تاريخ كربلاء، لا سيما في محافل المنبر الحسيني، حيث كان صوته وأشعاره انعكاساً للثورة الحسينية وأسطورة الفداء التي خلدها الإمام الحسين في معركة الطف

شارك هذا الموضوع: