أبو بكر الصنوبري

أ.د محمد حسين المهداوي
        هو أبو بكر احمد بن محمد بن الحسن بن مراد الضبي([1]) , وسماه ابن النديم محمد بن احمد([2]) , ووافقه في ذلك ابن كثير([3]) , وينتسب الشاعر إلى ضبة ؛ القبيلة العربية المشهورة , ويروى أنه سئل عن السبب الذي من أجله نُسب جده إلى (الصنوبر) , حتى صار معروفاً به فقال « كان جدي صاحب بيت حكمة من بيوت حكم المأمون فجرت له بين يديه مناظرة فأستحسن كلامه , وحدة مزاجه وقال له إنك لصنوبري الشكل , يريد بذلك الذكاء وحدة المزاج »([4]) , ولد الصنوبري في أنطاكية([5]) , وعاش في حلب , والتحق بشعراء سيف الدولة الحمداني , وانشده مدائح كثيرة , وعاش في بلاطه , وقربه , واتخذه نديماً له , وجعله أميناً لمكتبة قصره([6]) .
ونشأ الشاعر نشأة علمية ؛ اذ حفظ شيئاً من القرآن  الكريم , وجانباً من الشعر, وكان محباً للعلم , ومواكباً للحركة العلمية([7]) , ونقل أخباراً كثيرة عن علي بن سليمان الأخفش ( الأخفش الصغير) (ت  306 ه ) , وأحبه ومدحه , ومن هنا ندرك سبب عناية الشاعر باللغة , وتصديه لشرح بائية ذي الرمة شرحاً لغوياً في أكثره , واستعماله كثيراً من الكلمات الغريبة في عدد غير قليل من قصائده([8]) , وعندما يركب ( القوافي الصعبة )([9]) يحاول أن يؤكد هذه المقدرة اللغوية([10]) .
        وللشاعر ديوان كبير اشتمل على أغراض شعرية متعددة حتى عده ادم متز  « اول شاعر للطبيعة في الادب العربي »([11]) ؛ اذ عاش معيشة جعلته أستاذ هذا الغرض ورائده اذ « كانت له بمدينة حلب حديقة بها قصرٌ فخم حوله الغروس والرياحين وشجر النارنج »([12]) , حتى اقترن اسمه بروضياته , كما قرنوا ابا نواس بخمرياته , وابا العتاهية بزهرياته , وابا فراس برومياته , فقال ابن رشيق «لابد لكل شاعر من طريقة تغلب عليه فينقاد اليها طبعه كأبي نواس في الخمر , والصنوبري في ذكر النور والطير »([13]) , مثلما قال الخوارزمي «من روى حوليات زهير واعتذارات النابغة وروضيات الصنوبري , ولم يخرج إلى الشعر فلا اشب الله قرنه »([14]) , وقال عنه الدكتور سيد نوفل : « والصنوبري شاعر من شعراء العربية الممتازين في وصف الطبيعة تتوفر له عوامل التفوق الفني من الحب الصادق والمرح وارهاف الحس والتأمل في الطبيعة وتصويرها بحجة النشاط والحركة في صورٍ إنسانية وهو نتاج طبيعي لعصره وبيئته ونشأته »([15]) , وكان نواة المدرسة الحلبية التي انعكس أثرها في المشرق والمغرب , فنسج الأدباء في بغداد على غرارها بجهودٍ من الوزير المهلبي([16]) .
وكان الصنوبري يعامل الطبيعة معاملة بشرية , بإضفاء الحركة , والشعور عليها , فيجعلها كالدمى البشرية المتجاورة , وكان متأثراً بحياة الترف التي يعيشها , والتي انعكست على صوره وتعبيراته وألفاظه .
توفي الصنوبري سنة ( 334 هـ) وقدر بروكلمان عمره بخمسين عاما([17]) , ولكن يبدو ان العمر امتد به إلى أكثر من ذلك , إذ تحدث عن بلوغ الستين في قوله :
وسبيلي وقد نهضت ستيـ

 
ـن نهوض المشمر النهاض([18])

        فمات مخلفاً وراءه رياضاً شعريةً زاهية , وربيعاً فنياً يسحر العيون والالباب .
 
([1]) ينظر : فوات الوفيات : 1 / 111 .
(([2] ينظر : الفهرست : 277 .
([3]) ينظر : البداية والنهاية : 11/119 .
([4]) تاريخ دمشق الكبير : 1/546 .
([5]) ينظر : الفهرست 277 .
([6]) ينظر : الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري : 1/ 463 .
([7]) ينظر : : تاريخ الادب العربي : العصر العباسي الثاني , 2 : 348 .
([8]) ينظر : ديوان الصنوبري : 209 , 212, 241 , 368 على سبيل المثال .
([9]) وهي القوافي التي يأتي الروي فيها على احد حروف النفر على رأي عبد الله الطيب المجذوب – كالصاد والزاي , والضاد , والزاي . ينظر : المرشد الى فهم اشعار العرب وصناعتها 1/46 – 62 .
([10]) ينظر : شرح بائية ذي الرمة : 12 .
([11]) الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري : 1 / 366 .
([12]) م.ن : 1 / 365 .
([13]) العمدة في محاسن الشعر وادابه ونقده : 1 / 194 .
([14]) الشعر في رحاب سيف الدولة الحمداني : 104 .
([15]) شعر الطبيعة في الادب العربي : 211 .
([16]) ينظر : الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري : 1 / 473 .
([17]) ينظر : : تاريخ الادب العربي : 2 / 97 .
([18]) ديوان الصنوبري : 219 .

شارك هذا الموضوع: