أبو تمام وديوان الحماسة: قراءة في باب مذمة النساء
مروة عباس غانم/ قسم اللغة العربية/ ماجستير ادب عربي
أبو تمام
حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، وُلد في عام 188 هـ (804 م) في جاسم، وهي إحدى قرى حوران بسورية. كان من أبرز شعراء الأدب العربي في العصر العباسي، وتُعتبر مكانته الأدبية من أرفع المكانات بين شعراء زمانه. رحل أبو تمام إلى مصر، ومن ثم استقدمه الخليفة المعتصم إلى بغداد، حيث أكرمه وأجازه، وفضَّله على العديد من شعراء عصره. أُقيم في العراق، وتولى بعدها بريد الموصل، ولكنه لم يمكث في المنصب أكثر من سنتين قبل أن يرحل عن الحياة في عام 231 هـ (846 م).
كان أبو تمام طويل القامة، أسمر اللون، فصيح اللسان، ذا طلاقة في الكلام، وإن كان به تمتمة بسيطة. كان حافظًا لعدد هائل من الأراجيز يصل إلى أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب، إضافة إلى العديد من القصائد والمقاطيع. اتسم شعره بالقوة والجزالة، وقد اختلف النقاد في تفضيله بينه وبين المتنبي والبحتري.
أبو تمام له العديد من التصانيف التي تعد من الركائز الأدبية الهامة، مثل “فحول الشعراء”، و”ديوان الحماسة”، و”مختار أشعار القبائل” وهو أصغر من ديوان الحماسة، وكذلك “نقائض جرير والأخطل” الذي يُنسب إليه، رغم أنه ربما يكون للأصمعي كما يرى بعض النقاد. بالإضافة إلى “الوحشيات”، وهو نسخة مصغرة من ديوان الحماسة، و”ديوان شعره” الذي يُعتبر من أبرز أعماله الأدبية.
وعن سيرته، كتب العديد من المؤلفين حول حياته وأدبه. من أبرز الكتب التي تناولت سيرته “أخبار أبي تمام” للصولي، و”أبو تمام الطائي: حياته وشعره” لنجيب محمد البهبيتي المصري، و”أخبار أبي تمام” لمحمد علي الزاهدي الجيلاني، و”أخبار أبي تمام” للمرزباني. كما كتب أيضًا في سيرته العديد من الكتب مثل “أبو تمام” لرفيق الفاخوري، و”أبو تمام” لعمر فروخ، و”هبة الأيام فيما يتعلق بأبي تمام” ليوسف البديعي.
كان لشعره تأثير كبير في الأدب العربي، وقد تم ترتيب شعره في العديد من الأعمال الأدبية، منها “خزانة البغدادي” التي صنَّف فيها شعره على الحروف أولًا، ثم على أنواع الشعر فيما بعد. تشير بعض المصادر إلى أنه وُلد في نهاية خلافة الرشيد في عام 190 هـ، بينما أشار آخرون إلى أن ولادته كانت في وقت لاحق. أما وفاته فكانت في عام 232 هـ.
وكان هناك العديد من الإشارات في شعره لحروب العرب مع الروم، كما أشار إليه المستشرق مرجيلوث في دائرة المعارف الإسلامية، حيث أكد أن والد أبي تمام كان نصرانيًا يُدعى ثادوس أو ثيودوس، وأنه استبدل هذا الاسم بعد اعتناقه الإسلام باسم أوس، وانتمى إلى قبيلة طيِّئ.
كان أبو تمام يتمتع بصوت أجش، وكان يرافقه راوية حسن الصوت في العديد من مجالس الخلفاء والأمراء، حيث كان ينشد شعره، وهو ما يشير إلى أهمية شعره في الحياة الأدبية والسياسية في عصره.
ديوان الحماسة
هو منتخبات جمعها أبو تمام المتوفى سنة ٢٣١هـ/٨٤٥م وقسمها عشرة أقسام، جعل كل قسم منها بابًا، وهي: باب الحماسة، وباب المراثي، وباب الأدب، وباب النسيب، وباب الهجاء، وباب الأضياف والمديح، وباب الصفات، وباب السير والنعاس، وباب الملح، وباب مذمة النساء.
وباب الحماسة، أول أبواب الكتاب وأكبرها، ولعل هذا هو السبب الذي جعل اسمه يطلق على المجموعة كلها، وكان أن أطلق هذا الاسم على ما تلاه من دواوين مماثلة في الاختيار، فيسمى كل منها بديوان الحماسة.
باب مذمة النساء
قال بعضهم:
دمشق خذيها واعلمي أن ليلة ً … تمر بعودى نعشها ليلة القدر
أكلت دماً إن لم أرعك بضرةٍ … بعيدة مهوى القرط طيبة النشر
أظهر التضجر بها وبالكون معها، وطلب الخلاص منها، وبعث البلدة على أخذها وقبضها إلى نفسها. وقوله ” تمر بعودى نعشها ” إن جعلت الفعل لدمشق اقتضى أن يكون في قوله تمر بعودى نعشها ضميرٌ يرجع إلى ليلةٍ، والمراد تمر بعودى نعشها فيها ليلة القدر. فإن جعلت الفعل لليلة يكون المعنى أن الليلة التي تموت فيها أوتميتها تحل منها في عظم موقعها محل ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وجاء في الخبر أنه إنما عظم موقعها لأن الله تعالى أنزل فيها جملة القرآن إلى سماء الدنيا، ثم أنزل منها نجوماً الشيء بعد الشيء على ما عرف من المصلحة فيه.
وقوله ” أكلت دماً ” يجري مجرى اليمين، وإن كان لفظه لفظ الدعاء. وأكل الدم يسوغ عند الإشفاء على الهلكة وجهد البلاء في الإعواز. والمعنى: إن لم أفزعك بأن أتزوج بامرأةٍ حسنة السالفة، طيبة الرائحة، فابتلاني الله تعالى بما يحل معه أكل الدم.
آخر:
سقى الله داراً فرق الدهر بيننا … وبينك فيها وابلاً سائل القطر
ولا ذكر الرحمن يوماً وليلةً … ملكناك فيها لم تكن ليلة البدر
دعا للدار بينهما بالسقيا الغزيرة وعلى ما جمع بينهما من أيام الدهر ولياليها بمنعها الخير، وحرمانها الحيا والقطر، ثم قال ” فيها ” فرد الضمير على أحدهما واختار الأقرب، إذ علم أن المعطوف والمعطوف عليه يستويان في الإخبار. ومثله قوله تعالى ” والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله “. وقوله ” لم تكن ليلة البدر ” من صفة الليل، أي كانت تلك الليلة مظلمةً لا نور فيها ولا سعود. ومعنى ” ولا ذكر الرحمن “، أي لا تعطف عليها، ولا قسم لها خيرا.
وقال آخر في امرأتين تزوج بهما:
رحلت أنيسة بالطلاق … وعتقت من رق الوثاق
بانت فلم يألم لها … قلبي ولم تبك المآقي
ودواء ما لا تشتهيه ال … نفس تعجيل الفراق
لو لم أرح بفراقها … لأرحت نفسي بالإباق
وخصيت نفسي لا أري … د حليلةً حتى التلاقي
يريد: طلقتها فبانت مني وفارقتني، فصرت حراً عتيقاً. ومعنى ” رق الوثاق “، يريد أني كنت كالموثق الأسير ففككت وثاقي، وجعل البكاء للمآقي مجازاً، وهو جمع المؤقي على وزن المعقي، وهو طرف العين الذي يلي الأنف، وهو مخرج الدمع، فلذلك جعل الفعل لها. وفي هذه اللفظة عدة لغات: مأقٌ على وزن المعق وجمعه آماقٌ، وماقٍ على زنة قاضٍ والجميع مواقٍ. وحكى أبو زيد ماقئٌ والجمع
المصادر
(1) أبو علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الأصفهاني. (2003). شرح ديوان الحماسة (غريد الشيخ، محقق؛ إبراهيم شمس الدين، وضع فهارسه العامة). دار الكتب العلمية.
(2) خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس الزركلي الدمشقي. (2002). الأعلام (الطبعة الخامسة عشر). دار العلم للملايين.
(3) علي الجندي. (1991). في تاريخ الأدب الجاهلي. (الطبعة الأولى). مكتبة دار التراث.
(4) مصطفى الشكعة. (2004). مناهج التأليف عند العلماء العرب (الطبعة الخامسة عشرة). دار العلم للملايين.