أزمة الصواريخ السورية “أزمة زحلة” عام 1980 .
 
م.م. إسراء محمدعلي عبدالكريم كسَّاب
كلية التربية للعلوم الإنسانية – جامعة كربلاء.
 
كانت أحداث عديدة قد مهدت لتداعيات معارك زحلة* وهي المنطقة التي كانت تنعم بالسلام ,لاسيما وان زعماؤها الروم الكاثوليك التي تعد زحلة مقر رئيس لهم عقدوا معاهدة مع سوريا تقتضي بقبولهم بوجود السوريين على الحدود (اي بمداخل مدينتهم ) دون الدخول فيها ,وكان ضغط الفدائيون الفلسطينيين بتزايدهم في مدينتهم وازدياد عملياتهم العسكرية الموجهة ضد (اسرائيل)قد ساعد على لجوئهم الى سوريا بإعتبارها الحامية لهم ,لكن هذا الوضع تغير بعد أشتداد المعارك بين سوريا والقوات اللبنانية (الجبهة اللبنانية)في زحلة  ,بدءا من اشتباكات الخامس عشر من كانون الاول عام 1980 التي دارت بين القوات اللبنانية وعناصرمن ميليشيا الاحرار بزعامة الياس حنوش* والتي اسفرت عن مقتل خمسة جنود سوريين مما حدا بسوريا محاصرة زحلة وقصفها في ظل مساعي اقليمية ودولية منها مساعي الحكومة الفرنسية للتوسط لدى سوريا لوقف اطلاق النار,لكن الاشتباكات أستؤنفت من جديد بعد تسلل مجموعة تابعة للكتائب الى زحلة ,وذلك لشق طريق يربط زحلة بالمناطق الاخرى التي تيسطر عليها القوات اللبنانية لارسال المؤن والمعدات العسكرية للمدينة المحاصرة التي اخذ افرادها ينظم الى القوات اللبنانية ,فأستفزت عمليات التسلل القوات السورية ,لاسيما انها تعلم ان هذه الميليشيات مدعومة من قبل(اسرائيل)فضلا عن ان ذلك يهدد امنها القومي باعتبار زحلة منطقة حدودية ,وبعد محاولات عدة قام بها الرئيسان اللبناني والسوري من اجل وقف اطلاق النار ,غير ان المعارك تتجدد كل يوم,حتى ادركت سوريا ان المعركة اكبر من كونها ازمة لبنانية ,بل ان هناك مخطط(اسرائيلي )واضح لاختراق خطوطها الدفاعية من خلال القوات اللبنانية,فبلغ  تصعيد الاحداث الذروة في الرابع والعشرون من نيسان عام 1981بعد ان قصفت الطائرات السورية مواقع القوات اللبنانية التي تتمركز في جبل صنين (منطقة محايدة ترى الجبهة اللبنانية فيها ان سيطرة سوريا عليها هو تهديد لمراكز نفوذها في بيروت الشرقية,بينما ترى سوريا إن سيطرة القوات اللبنانية عليها تهديد لنفوذها في البقاع ).
تطورت الاحداث بشكل خطير وذلك عندما صرح رئيس الوزراء(الاسرائيلي)مناحيم بيغن بقوله” تحترم إسرائيل تعهداتها حيال مسيحي لبنان ، وبالتالي نحميهم من تهديد الطـيران السـوري”,فكانت هذه سابقة مفاجئة للتدخل العسكري (الاسرائيلي) لصالح القوات اللبنانية (المسيحيين),ونتج عن تدخل سلاح الجو (الاسرائيلي) سقوط مروحتين هليكوبترسوريتين في الثامن والعشرون من نيسان 1981 ,فجاء الرد السوري متمثلا بإدخال ثلاث بطاريات من صواريخ(سام 6) الى البقاع ,لكي تتصدى للطائرات (الاسرائيلية) إذا اغارت من جديد على القوات السورية ,نتج عن هذا ازمة كبيرة بين سوريا و(اسرائيل) عرفت بأزمة الصورايخ السورية وهي التسمية التي اطلقت على الصراع القائم في لبنان خاصة وفي البلدان العربية عامة بشقيه ,اي انه لم يشمل الصراع العربي (السوري)_(الاسرائيلي)فقط من جهة بل والصراع الفلسطيني -(الاسرائيلي )من جهة اخرى ,وقد جاء تصعيد الاحداث بعد نشر سوريا صواريخ سام 6 وسام 7 في البقاع والذي عدته (اسرائيل)تهديدا واضحا لمستوطناتها في الشمال فضلا عن الخطر الذي تشكله على حلفاؤها المسيحيين , فضلا عن ذلك فقد هددت (اسرائيل) باجراء سريع لتدمير هذه الصواريخ اذا لم تسرع سوريا في سحبها.
ادى التصعيد السياسي والعسكري بين سوريا و(اسرائيل)ذروته عندما صدرت الاوامر الى القوات الجوية(الاسرائيلية)بقصف بطاريات الصواريخ السورية في الثلاثين من نيسان ,لكن الذي حال دون تنفيذ ذلك احوال الطقس الجوية غير الملائمة ,هنا ادركت الولايات الامتحدة خطورة التصعيد(الاسرائيلي )لاسيما بعد اعلانها اعادة القصف في الرابع من ايار 1981,مما دعا برونالد ريغان*  الى ارسال احد مندوبيه الدبلوماسي الامريكي فيليب حبيب* الى لبنان للتفاوض من اجل ايجاد حل سلمي لأزمة الصواريخ دون تحول الاحداث الى مواجهة امريكية – سوفيتية  (لاسيما وان هذه فرصة مناسبة للسوفييت لفرض سيطرتهم المنشودة على الاقل في لبنان) ناتجة عن التهور(الاسرائيلي),فقام بجولة مكوكية تضمنت بيروت ولقاءه بالرئيس اللبناني سركيس الذي أوضح له الوضع القائم بعد ان ابلغه فيليب بمهمة جولته مانصه (( لا يستطيع لبنان أن يمنع الجيش السوري من الدفاع عن نفسه بالطرق التي يراها ضرورية لأمنه وسلامته , ومن جهة أخرى لا يريد لبنان أن يكون دولة مواجهة مع إسرائيل , ولابد من ممارسة ضغط مزدوج اتجاه إسرائيل لوضع حد لغاراتها على جنوب لبنان واتجاه سورية عن طريق الاتحاد السوفيتي لوقف قصفها للمناطق اللبنانية , نحن نرى أن الجيش اللبناني قادر على مراقبة تلال زحلة وقمم صنين , وعلى الانتشار على خطوط التماس في بيروت , وبهذه الطريقة ينزع فتيل أزمة الصواريخ)) ولقائه مع الرئيس السوري حافظ الاسد في دمشق وكذلك زيارته للقدس وعمًان والرياض التي بذلت جهود كبيرة لمنع المواجهة العسكرية (الاسرائيلية) -السورية,وبعدجولة دامت ثلاث أسابيع و محاورات فيليب العديدة غادر الى واشنطن في السابع والعشرون من ايار ,متوصلا الى اشباه الحلول ,حيث ان وساطته لم تأت بالحلول المناسبة الحقيقية لحل الازمة ,بل اتسمت بالتناقض متمثلة ببقاء بطاريات الصواريخ السورية بعد رفض الاسد من سحبها مقابل استمرار الطائرات (الاسرائيلية)بالتحليق في لبنان دون التعرض للصواريخ السورية,ونتيجة لتخوف الدول العربية من عدم حسم الاوضاع المتصاعدة,تقرر احياء نشاط لجنة الدول العربية التي افرزها مؤتمر بيت الدين 1978,التي عقدت اجتماعها في السابع من حزيران 1981بحضور وزراء خارجية سوريا والسعودية والكويت وكذلك الامين العام للجامعة العربية ,فضلا عن وزير الخارجية اللبناني فؤاد بطرس وبرئاس الرئيس اللبناني الياس كركيس وقد حضر في اليوم التالي بشير الجميل وكذلك بحضور وزير خارجية السعودية التي اخذت على عاتقها تهدئة الاوضاع وبدعم امريكي,خوفا من استغلال م.ت.ف واليسار اللبناني الاوضاع لصالحهم وسيطرتهم على النظام وبالتالي تعميق السيطرة السوفيتية ,لاسيما بعد التقارب السوفيتي – السوري .
حضر اجتماعات اللجنة وجرى تداول النقاط الهامة فيما يخص بضرورة عدول بشير الجميل عن استمرار علاقاته ب(اسرائيل) ومن جانب اخر اقناع سوريا  بالانسحاب التدريجي من لبنان ,فطلب الطرفان ضمانات تأمن لهم اتباع هذه القرارات ,ويبدو ان سوريا لم يكن في نيتها سحب قواتها من لبنان ,لاسيما وانها ورقة هامة تعمل عليها لتحقيق مصالحها ,وبالرغم من ذلك جائت اجتماعات اللجنة بنتيجة عندما تم ايقاف اطلاق النار في الثلاثين من حزيران واقناع الطرفان بالعودة الى مواقعهما قبل ازمة زحلة فتم اجلاء اكثر من خمسة وتسعون مقاتلا من القوات اللبنانية منها الى بيروت ودخول ثلاثمائة وخمسون عنصرا من قوات الامن الداخلي اللبناتي الى زحلة ,فضلا عن انه تم رفع الحصار عنها(زحلة).
 
________________________________________________________________
*زحلة : هي أحدى القرى اللبنانية في محافظة البقاع وهي مركز القضاء وتعتبر ملتقى التجارة بين بيروت ودمشق وبغداد تبعد 48 كم إلى الشرق من بيروت، حاول بشير الجميل اواخر 1980 بناء طريق إليها لتزويد الكتائبيين القاطنيين فيها بإمدادات عسكرية وكانت قبل ذلك مسرحاً للقتال واقدم على تشجيع حلفاؤه هناك لمهاجمة السوريين مما جعلهم يشددون قصفهم لهابمدافع الدبابات فاوقعت عشرات الضحايا من سكانها وسارعت أسرائيل لشن هجوم جوي على الطائرات السورية واسقطت اثنين منها في 28 نيسان 1981.
*الياس حنوش : هو احد قادة ميليشيا نمور الأحرار التي تمكنت من الهرب من هجوم بشير الجميل عليها في عملية الصفرا إلى بيروت ثم إلى البقاع وزحلة وكان في نيتها شن عمليات حربية ضد ميليشيا الكتائب التي يتزعمها بشير الجميل وقد شكل تواجدها تهديداً وتوتراً في مدينة زحلة بدعم عسكري من قبل سوريا لخلق حالة من التوازن في زحلة .
*رونالد ريغان : الرئيس الأربعون للولايات المتحدة الأمريكية ولد في مدينة تامبيكو الينوي الأمريكية عام 1911، درس الاقتصاد وعلم الاجتماع ، بعد تخرجه عمل في محطة للراديو كمذيع ، وفي عام 1973 عمل بالتمثيل ، تقلد منصب رئيس نقابة الممثلين ثم عمل بالسياسة ، أصبح ناطقاً باسم الحزب الجمهوري ، انتخب عام1966 حاكماً لولاية كاليفورنيا حتى عام 1975 ، رشح لانتخابات الرئاسة عام 1976 لكنه فشل ، رشح للانتخابات مره أخرى عام 1981 وحقق فوزاً كبيراً على المرشح الديمقراطي جيمي كارتر ، انتهت رئاسته عام 1989 ، توفى بمرض الزهايمرعام 2004 .
*فيليب حبيب: سياسي و دبلوماسي أمريكي من أصل لبناني شغل منصب وزير الخارجية للشؤون السياسية أوفده الرئيس الأمريكي رونالد ريغان إلى الشرق الأوسط لنزع فتيل أزمة الصواريخ بين سورية وإسرائيل وقد نجح في إيجاد اتفاق بين السوريين والكتائب يسمح للكتائبيين الموجودين في زحلة بالجلاء منها , كما انه أسهم في إعادة نشاط لجنة المتابعة المنبثقة من مؤتمر بيت الدين ونجح في تفادي أخطار المواجهة العسكرية بين سورية وإسرائيل , كذلك أسهم بدور كبير في إجراء المفاوضات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية التي تم على أثرها وقف إطلاق النار وخروج الفلسطينيين من لبنان. 

شارك هذا الموضوع: