أزمة عام 1857 في الولايات المتحدة الأمريكية
مقدمة
كانت أزمة عام 1857 واحدة من أول الأزمات الاقتصادية الكبرى في تاريخ الولايات المتحدة، حيث تسببت في ركود اقتصادي حاد أثر على الزراعة والصناعة والقطاع المالي. جاءت هذه الأزمة نتيجة لمزيج من العوامل الاقتصادية، بما في ذلك التوسع غير المستدام في السكك الحديدية، والمضاربة المالية، وانخفاض أسعار السلع، مما أدى إلى انهيار البنوك والشركات وانتشار البطالة في مختلف أنحاء البلاد.
 
أسباب الأزمة
  1. فقاعة السكك الحديدية والمضاربات المالية
شهدت فترة الخمسينيات من القرن التاسع عشر توسعًا كبيرًا في بناء السكك الحديدية، حيث استثمرت البنوك والمستثمرون مبالغ طائلة في هذا القطاع.
كان هناك إفراط في المضاربة على أسهم السكك الحديدية، مما أدى إلى ارتفاع غير مستدام في الأسعار، وعندما بدأ الطلب على السكك الحديدية في التراجع، انهارت هذه الاستثمارات.
  1. انهيار بنك أوهايو للحياة والأمان (Ohio Life Insurance and Trust Company)
في أغسطس 1857، انهار بنك أوهايو للحياة والأمان، وهو أحد أهم المؤسسات المالية في الولايات المتحدة، بسبب سوء الإدارة والاحتيال.
أدى انهيار البنك إلى انعدام الثقة في النظام المصرفي، مما دفع المستثمرين إلى سحب أموالهم من البنوك، وبالتالي أدى إلى أزمة سيولة حادة.
  1. انخفاض أسعار المنتجات الزراعية
كان المزارعون الأمريكيون يعتمدون بشكل كبير على الأسواق الأوروبية، لكن مع تراجع الطلب الأوروبي على المنتجات الأمريكية، انخفضت أسعار القمح والقطن بشكل حاد.
أثر هذا الانخفاض بشكل خاص على ولايات الشمال الغربية الزراعية، حيث واجه المزارعون صعوبة في تسديد قروضهم، مما زاد من إفلاس البنوك.
  1. التوسع النقدي نتيجة لاكتشاف الذهب في كاليفورنيا
بعد اكتشاف الذهب في كاليفورنيا (1848)، زاد المعروض النقدي بشكل كبير، مما أدى إلى التضخم.
عندما بدأت أوروبا بسحب استثماراتها من الولايات المتحدة بسبب التغيرات في الاقتصاد العالمي، تفاقمت الأزمة المالية.
تأثيرات الأزمة
  1. انهيار البنوك والشركات
أفلست مئات البنوك في أنحاء الولايات المتحدة بسبب عدم قدرتها على استرداد القروض من المزارعين والمستثمرين في السكك الحديدية.
أغلقت العديد من الشركات أبوابها، وانهار سوق الأوراق المالية في نيويورك، مما أدى إلى موجة من الإفلاسات.
  1. ارتفاع معدل البطالة
أدت الأزمة إلى فقدان الآلاف من العمال وظائفهم، خاصة في المدن الصناعية مثل نيويورك وفيلادلفيا وشيكاغو.
ازداد الفقر في المدن، وبدأت الاحتجاجات والمظاهرات ضد الحكومة بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية.
  1. تفاقم التوترات بين الشمال والجنوب
أثرت الأزمة بشكل أكبر على الشمال الصناعي والزراعي، بينما تأثر الجنوب بدرجة أقل بسبب استمرارية الطلب على القطن.
استغل الجنوبيون هذا الوضع لتبرير اقتصادهم القائم على الزراعة والعبودية، وزعموا أن الاقتصاد الشمالي كان ضعيفًا وغير مستقر، مما زاد من الانقسام السياسي بين الشمال والجنوب.
عززت الأزمة المشاعر الانفصالية في الجنوب، وساهمت في التوترات التي أدت لاحقًا إلى الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865).
استجابة الحكومة للأزمة
لم يكن للحكومة الفيدرالية آنذاك سياسات اقتصادية قوية لمعالجة الأزمات المالية، حيث تبنى الرئيس جيمس بيوكانان (1857-1861) موقفًا متحفظًا ورفض التدخل الحكومي المباشر لإنقاذ البنوك أو دعم الاقتصاد.
اقترح بيوكانان خفض التعريفات الجمركية لدعم التجارة الدولية، لكن هذه السياسات لم تكن كافية لاحتواء الأزمة.
نهاية الأزمة
بحلول عام 1859، بدأ الاقتصاد في التعافي بسبب عودة الاستثمارات الأوروبية وارتفاع أسعار القطن من جديد.
رغم ذلك، تركت الأزمة تأثيرًا دائمًا على السياسة والاقتصاد الأمريكي، وساهمت في تصاعد الخلافات بين الشمال والجنوب، مما جعل البلاد أكثر قربًا من الحرب الأهلية.
الخاتمة
كانت أزمة عام 1857 نقطة تحول رئيسية في الاقتصاد الأمريكي، حيث كشفت عن ضعف النظام المصرفي وتأثير المضاربات المالية. كما ساهمت في زيادة التوترات السياسية بين الشمال والجنوب، مما جعلها جزءًا من الأحداث التي أدت إلى الحرب الأهلية الأمريكية بعد بضع سنوات.







شارك هذا الموضوع: