إشكالية المعنى      
                       أ. د. نجاح العبيدي 
 
    في ظل التطور المعرفي الذي تشهده الساحة العلمية ومحاولاتها الحثيثة لتقديم  حلول ناجعة لاشكاليات ومشاكل أرّقت الفكر البشري على مرّ العصور تبقى إشكالية المعنى عقبة تقف في طريق البحث العلمي ولا سيما اللغوي منه هذه العقبة استشعرها الفكر الانساني في أول مراحله وراحت تجلياتها تظهر منذ أن عرف الإنسان – بتاريخه المعروف – الوجود فالمعنى هو الماهية أو الجوهر الذي يُنال بواسطة الادراك العقلي المحض في رأي ارسطو . 
    إن هذا الجوهر يتميّز بكونه ذا طبيعة سائلة له القدرة على اتخاذ اشكال متباينة اذا أخذنا في اعتبارنا دخول الإدراك العقلي لذات المتلقي بكل ماتشمل عليه من أبعاد فلسفية وثقافية واجتماعية وعلمية وهذا الامر قد يكون وبالا على المعنى ومصدر قوة له في الوقت نفسه بحسب طبيعة ذلك الإدراك فأما كونها وبالا عليه فإن حالة التشظّي النابعة عن الادراك المتباينة يمكن أن تشط بالمعنى الى مناطق سلبية وتخلق مناهج مشوّهة بعيدة كل البعد عن المسلك القويم والفطرة الانسانية التي فطر الله الانسان عليها وهذا ماشهده الإسلام من مذاهب وملل متباينة في طرائقها وصولا الى معنى واحد هو الله تعالى  بل اصبحنا في الآونة الاخيرة نرى مسوخ تلك الفرق وقد بدأت تطفو على السطح لتقدم صورة قبيحة عن الدين الاسلامي الحنيف.
     وأما كونها مصدر قوة له فإن تلك القراءات- ونعني هنا ماكان مبنيا على أسس علمية رصينة – تعدُّ مصادر متنوعة تُثري ذلك المعنى وتقدم صورا مشوقة له وتحافظ على حيويته وديمومته على مرّ العصور .
    لم تزل إشكالية المعنى تظهر بمظاهر مختلفة ويمكن لنا في هذا الصدد ربط المظهر الأول بالذات الإلهية فالمعنى الاوّل كما اسلفنا سابقا هو الله (واجب الوجود) ولمّا تباينت القراءات والإدراكات العقلية من البشر لله تعالى بعث الله تعالى الانبياء والرسل (عليهم السلام) ليحدّوا من تلك الإدراكات العقلية الشاذّة ويعودوا بالبشر الى السمت الإلهي الصحيح.
      قد لاتقتصر وسائل تصحيح المعنى على الانبياء والرسل بل تشمل ايضا الكتب السماوية التي كانت ضامنة لبقاء الاديان مااراد الله بوصفها دساتير الدين . 
      والدين الاسلامي واحد من تلك الاديان التي كتب الله لها الدوام بدستورها المجيد الذي انزلها الله على نبيه الاكرم (صلى الله عليه وآله) وضمن له الحفظ والبقاء.
      ومن هنا كان الشغل الشاغل للامة الاسلامية الاعتكاف على دراسة ذلك السفر الكريم في سبيل ادراك المعنى الاول. فمن غير الخافي ان خدمة القرآن الكريم كانت المبعث الاول لظهور الدراسات القرآنية واللغوية والبلاغية وغيرها وصلًا الى العصر الحديث.
   ان الادراكات العقلية المتباينة والموثوقة في الوقت نفسه قدمت لنا قراءات متنوعة للنصوص المقدسة وهو أمر أعاد إظهار اشكالية المعنى وبث فيها الحياة.
    ومن هنا ولدت الاشكالية في المعنى تعريفا وتفسيرا وتحصيلا فلا يستطيع اي باحث الوقوف على حدود واضحة وتعريف جامع مانع أو تفسير تام يمثل مقاصد النص بشكل دقيق ومعقول بل مثّلت هذه الاشكالية السمة الغالبة للتراث التفسيري للنص القرآني.

شارك هذا الموضوع: