إشكالية نظرية سيمياء العواطف متأرجحة ما بين الترجمة والتطبيق م.د. زهراء عبد الحميد غالي
م.د. زهراء عبد الحميد غالي
إشكالية نظرية سيمياء العواطف متأرجحة ما بين الترجمة والتطبيق
م.د. زهراء عبد الحميد غالي
إشكالية الترجمة
مما لا شك فيه أن ترجمة أي مصطلح ونقل المفاهيم الخاصة به يكون بحاجة إلى جهود المختصين، بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية والأدبية، فيجب أن يكون هناك توافق في الترجمة مع المصطلح ، وهذا ما لم يتوافر لأغلب المصطلحات المترجمة، ومنها مصطلح السيميائية الذي لم يستقر لحد الآن على تسمية محددة ، على العكس من ذلك فإننا نجد بعض النظريات قد استقرت نحو ( البنيوية ، والأسلوبية ، والشعرية… )، وأخذت مساحتها في الساحة الأدبية، سواء من حيث التنظير أم من حيث التطبيق ، ويُرجع الباحث محمد العبد السبب في تعدد تسمية مصطلح السيميائية إلى تفضيل المترجمين لما هو ملائم ومطابق للمفهوم العربي، فيقول:(( يبدو الموقف عندهم – حينئذٍ- موقف تفضيل اسم عربي ( أصيل): ” سيميائية ” على أسماء أخرى معرّبة : ” سيميوطيقا” و” سيميولوجيا”))، وربما يعود إلى حيرة المترجم في وضع التسمية المناسبة للمصطلح، مما يضطره إلى وضع المرادف له، والذي لا تتوافر فيه الدقة الوافية، والملائمة لروح المصطلح هذا من جانب، ومن جانب آخر تعدد المرادفات للمصطلح الواحد الموضوعة من قبل المترجمين، ونتيجة لذلك يصبح لدينا تحريف في المعنى، وتعدد وجهات نظر في تطبيق النظرية، ويواجه القارئ العربي صعوبة في فهمها وتطبيقها، وفك رموزها وتمثيلها، ولعل غياب الدراسات العاملة على توحيد المصطلحات من الأسباب المولدة لتضارب الأفكار وغموضها، والخلط في المفاهيم واضطرابها، لذا فإنه من الأفضل أن يعمل المترجم على مقابلة المصطلح بالمعنى الأصلي، أولاً من أجل الأمانة العلمية، وثانياً تجنباً للوقوع في الإشكاليات التي تسببها تلك الترجمات.
ومصطلح سيمياء العواطف – كبقية المصطلحات – قد واجه إشكالية في الترجمة، كما ذكرنا ذلك في تسمية النظرية، وفضلاً عن إشكالية الترجمة، وقبل ذلك فإنه في واقع الحال قد واجه إشكالية في طرحه ضمن المجال السيميائي؛ لأنه قد جاء ضمن الإطار الفلسفي ومناقشاته المتعددة، من حيث التفريق بين العاطفة وبين العقل، أو بين الجسد والروح، ثم عُدَّ تراجعاً عن المدخل ( النص ) المعتمد للولوج إلى السيميائية، كذلك ربطه بعضهم بالذاتية الرومانسية ، وإشكالية ترجمة العاطفة المدروسة من قبل أصحاب النظرية في لغات أجنبية أخرى كالألمانية والإيطالية…، ولكن هذه الإشكالية تنتهي مع اعتماد الباحث على دراسة العواطف في جانبها الانفعالي بعيداً عن الدراسات النفسية، وكذلك بعيداً عن ربطها بالعقل.
إشكالية التطبيق
تكمن الإشكالية في لفظة العواطف التي ظهر على أثرها اتجاهان ، الأَول اعتمد على إظهار(( البعد العاطفي ابتداءً من سيمياء الفعل والتي تعير أمثلتها وترسمها في بُعدها النّحوي ( في معناه السيّميو- سردي))، وهذه لا تهتم بالعواطف في إطار العلاقة النفسية، إنما تعمل بضمن فضاء البرنامج السردي، والذي يكون عبر الرغبات، والطموح، والصراع الذي يحقق الأفعال، ويساعد على الوصول إلى المراد، والعاطفة في هذا الاتجاه تُنتج في وضع مميز، وذلك بمقابلة الذات لتلك العاطفة وما يُنجز من ورائها من أفعال تقاس ضمن التوترات، ومدى القدرة للتركيب الصيغي، وفعاليته بالانصهار مع التركيب المزاجي، أمَّا الاتجاه الثاني فقد عمل على إظهار(( البعد العاطفي ابتداءً من الدّور الخاص لذات العاطفة المضاد لذات التقييم المركز على أشكال الهوية الذَاتية، هذا الاتجاه يعيد تفعيل الفئة الموضوعاتية العاطفة / العقل ))، وفي الواقع فإن هذا الاتجاه بعيد عن النظرية التي اعتمدناها في الدراسة؛ لأنه يرتبط بعمل الفلاسفة ، وحضور الأول ينفي وجود الثاني كما أن وجود الثاني ينفي حضور الأول؛ لأن العاطفة تمنع العقل من أداء وظيفته بحسب رأي أصحاب هذا الاتجاه.
في حين أن الاتجاه الأول هو ما تبناه غريماس في تأسيس النظرية، لكن الإشكالية ظهرت في بداية التأسيس فحسب – وهذا لا تخلو منه أي نظرية في بداية نشأتها؛ لأنها في المراحل التأسيسية -، حينما أسس الكفاءة الصيغية للذات السردية وأطلق عليه بـ ( الوجود الصيغي للذات ) متمثلاً بـ ( القدرة، المعرفة، الوجوب، الرغبة )، مشكلاً بذلك قطبا المزاج ( اللذة والألم )، ولكن أضاف إلى ذلك المخططات التي أسهمت في تحويل الهوية والقيم الصيغية ومشاركتها في البحث عن الآثار العاطفية، ومزجها بالتوترية وعناصر الشدة والكثافة من جهة، ومن جهة أخرى ربطها بالشعور، وكما أثبت غريماس نظريته عبر تقعيد مفاهيمها، وتطبيقها – في تناول عاطفتي البخل و الغيرة – وتبويبها في كتابه ( سيميائيات الأهواء من حالات الأشياء إلى حالات النفس )، عبر رحلة ضمنها ثلاثة مستويات، الأولى البنية العميقة، والثانية البنية السطحية، والثالثة أشكال التجليّ، وداخل هذه التقسيمات وزع المفاهيم كلاً بحسب عمله واشتغاله في وسط البنية.