هو أبو جعفر أحمد ، بن محمد ؛ الخولاني ، الأندلسي ، الإشبيلي ، المعروف بابن الأبّار، من قبيلة خولان بن عمرو القحطانية ، النازحة إلى بلاد الأندلس من بلاد الشام ، فتفرّقت في مدن متعددة مثل قرطبة ، وبلنسية ، والبيرة ، وهو من أولاد السمح بن مالك الخولاني() . وأخبار الشاعر في المصادر العربية قليلة ، وتكاد تجمع تلك المصادر على أنّه شاعر الدولة العبادية في إشبيلية() ، وقد مدح المعتضد بن عبّاد ، وعشق الطبيعة ، وهام في أحضانها ، وقد توفي سنة 433هـ ()، ولعلّ الروايات التي تتحدّث عن هذا الشاعر تكاد تنحصر فيما يأتي:
1 ) الرواية الأولى : كتاب الحديقة لأبي عامر بن مسلمة ، وقد نقل عنه ابن بسّام ( ت542هـ) في كتابه الذخيرة ، وقد صرّح بذلك في قوله : « فصل يشتمل على مقطوعات أبيات لجماعة من الأدباء كانوا بعصر المعتضد عباد، ولم أجد لهم أشعاراً تفسح لي في طريق الاختيار، إلا ما أثبت لهم الوزير أبو عامر بن مسلمة في عرض كتابه المترجم بـ ( الحديقة ) ، فكل ما أثبت لهم في هذا الفصل فمن كتابه نسخت ، ومن خط يده نقلت »() ، وابن بسّام جمع أكثر نصوصه عن ابن الأباّر من هذا الكتاب .
2 ) أمّا الرواية الثانية التي نجدها عند ابن بسّام ، فهو ينقلها عن كتاب ( البديع في وصف الربيع ) للحميري ( ت440هـ) ، وهي تتعلّق بالروضيّات ، وهذا الجانب لا يقل أهميّة عن الحياة اللاهية التي كان يحياها ابن الأبّار في ربوع الأندلس ، وهو ما يقودنا إلى دراسة تتعلّق بأسماء الورود والرياحين والأزهار()في شعر الشاعر ، وهي تعكس مظهراً من مظاهر اهتمام الأندلسيين بوصف البيئة الحسيّة المحيطة بهم من جانب ، والتدليل على جمال تلك الطبيعة التي تأسر قلوب الشعراء ، وتثير فيهم العاطفة والخيال .
3 ) والرواية الثالثة التي يمكننا ذكرها هنا، ما ورد في كتاب جذوة المقتبس للحميدي (ت488هـ) الذي نقل نصّه مباشرة من ابن حزم ، فقال : « أنشدني له ( أي ابن الأبّار ) أبو محمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد علي بن حزم »() ،ونقل هذه العبارة بنصها الضبي (ت599هـ) في بغية الملتمس، فقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــال : « شاعر من شعراء إشبيلية، كثير الشعر ، أنشد له أبو محمد بن حزم من قصيدة في الرئيس أبي الوليد إسماعيل بن حبيب يعزّيه في جارية ماتت عنده ، ويهنئه بمولود ولد له »()، وهذه العبارة جعلت المقرّي (ت1041هـ) يظنّ أنّ الرئيس أبا الوليد إسماعيل هو إسماعيـــــــــــــــــــــل بن عبّـــــــــــــــــــاد ، المعتضد() ، والأبيات هي :
4 ) وهناك رواية رابعة – لعلّها قليلة الأهميّة – تتعلّق بديوان شعره نجدها عند ابن خلّكان ( ت681هـ) ذكر فيها أنّ له ديوان شعر ثابت النسبة إليه في النسخة الكبيرة التي كتبها المؤلف بالإسكندرية()، لكنّنا نشكّ في أن يكون لشاعرنا ديوان شعر مجموع ، إلاّ اللهمّ أنّ المؤلف جمع شعره وعدّه ديواناً ، وقد أشرنا إلى أنّ ابن بسّام لم يعثر على شعر شعراء عصر المعتضد إلا في كتاب ( الحديقة ) لأبي عامر بن مسلمة ، وهذا الذي يشير إليه ابن خلّكان ، وتابعه حاجي خليفة() هو ديوان المؤرخ الأديب ابن الأبّار القضاعي صاحب كتاب التكملة لكتاب الصلة ، والحلة السيراء ، وتحفة القادم ، والمعجم في أصحاب القاضي أبي علي الصدفي ، وديوانه مطبوع() .
ولو دققنا النظر في هذه المصادر لاستطعنا أن نكوّن فكرة عن ابن الأبّار وعصره ، عبر مساجلاته التي شخصها ابن بسّام ؛ إذ قدم لنا معلومات عن أقرب الناس إليه ، وهو تلميذه أبو الوليد إسماعيل بن محمد بن عامر بن حبيب الحميري ، صاحب كتاب ( البديع في وصف الربيع ) ، الذي قال عنه ابن بسّام : « كان سديد سهم المقال، بعيد شأو الروية والارتجال، والأديب أبو جعفر ابن الأبار هو الذي أقام قناته، وصقل مرآته، فأطلعه شهابا ثاقبا، وسلك به إلى فنون الآداب طريقا لاحباً »()، كما أن ابن بسّام قدّم لنا معلومات أخرى حول الرسائل الأدبيّة المتبادلة بين ابن الأبّار وأبي عامر بن مسلمة الوزير()، وأبي الإصبغ بن عبد العزيز()، وأبي الوليد محمد بن عبد العزيز() ، وأن المصادر تكاد – جميعها – تنقل عن الذخيرة مفردات قصائده ، مثلما نجد ذلك في وفيات الأعيان لابن خلكان()، والمغرب في حلى المغرب لابن سعيد المغربي( ت685هـ)()، ومسالك الأبصار لابن فضل الله العمري( ت749هـ)()، والوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي(ت768هـ)() ، وأنّ إسماعيل باشا البغدادي نسب إلى شاعرنا الخولاني كتاب ( درر السمط في خبر السبط )()، وهو من مؤلفات ابن الأبّار القضاعي( ت658هـ) ، وقد نشره عبد السلام الهرّاس()، وقد وقع الأستاذ عمر رضا كحالة في الخطأ نفسه حينما نسب بعض هذه الكتب إلى ابن الأبّار الخولاني الشاعر() .