اثر قضية العبيد المحررين في الانتخابات الرئاسية الامريكية عام 1868 
ا.د. حيدر طالب حسين
جامعة كربلاء
كلية التربية للعلوم الإنسانية / قسم التاريخ
 
اثرت عملية تحرير العبيد بشكل مباشر في كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي ، فبالنسبة للأول اظهر مزيدا من التعنت في هذا الموضوع ، فلم يكتفي بمنحهم الحرية ، بل وعمل على منحهم الحقوق المدنية ليتمتعوا بكل ما يتمتع به الانسان الحر اسوة بالسكان البيض ، وقد بينا في الصفحات السابقة ان ما منح للسود لم يكن رأفة بحالهم بقدر ما هو ضرب للجنوب  ، ونضيف هنا ، ان الغاية الاساس بالإضافة لما تقدم ، هي ضرب الاعتراض الجنوبي المستمر في الكونغرس الامريكي لمشاريع الشمال وما كان يبتغيه من خطط تنموية لصناعته والذي كان سببه الاساس طبيعة النظام الاقتصادي الجنوبي ، القائمة على تبني برنامج إنمائي قائم على وجود القوة السوداء ومتعارض مع البرنامج الانمائي الشمالي ، اما بالنسبة للحزب الديمقراطي فانه رغم الانقسام الذي شهده ابان انتخابات عام 1860 ، الا انه بقي معارضا للحزب الجمهوري وتحريره للعبيد ، وهذا الانقسام او التضاد بين الحزبين يظهره البرنامج الانتخابي لكليهما في انتخابات عام 1868 الرئاسية ، اذ اكد الحزب الجمهوري في برنامجه على نقاط عدة جاء في بعضها : 
  1. نهنئ البلد على النجاح الكبير الذي تحقق في سياسة الكونغرس لإعادة بناء الولايات التي كانت مؤخرا بيد الانفصاليين ، وتشريع القوانين التي تضمن المساواة في الحقوق المدنية والسياسية للجميع ….. ومنع سكان تلك الولايات من العودة الى حالة الفوضى .
  2. نطالب بالحفاظ على الامن العام من خلال ضمان الكونغرس لحقوق الانتخابات لكافة سكان الجنوب ( من الرجال ) وهذا الامر من شأنه ان يحقق ايضا امتنان اولئك الناس والعدالة ، لذا يجب تطبيقه ، في حين ان مسألة التصويت في كل الولايات قد يعود فيها الامر الى سكان تلك الولايات الموالية انفسهم .
  3. نأسف بشدة لمقتل الرئيس ابراهام لنكولن ونود ان نعرب عن حزننا لتولي اندرو جونسون منصب الرئاسة ، حيث تصرف باسلوب مخادع مع الناس الذين دعموه واوصلوه الى منصبه ، والذي اغتصب وظائف قضائية وتشريعية عالية المستوى ، والذي رفض تنفيذ القوانين والذي استغل منصبه ليحرض موظفين آخرين على تجاهل واهمال القوانين واستخدم سلطاته التنفيذية لعدم ضمان الحفاظ على الممتلكات ، السلام ، الحرية والارواح للمواطنين الذين ( استاءوا من سلطة العفو والتسامح ، كما عارض التشريع الوطني على اعتبار كونه غير قانوني ، وهو الذي قاوم بكل ما لديه من وسائل فاسدة وغير شرعية أي محاولة لإعادة بناء الولايات التي حدثت فيها الاضطرابات والاحتجاجات مؤخرا ، وحول الرعاية العامة ( الهيئة المسؤولة عن الاهتمام  بمصالح الشعب ) الى آلة من الفساد ، والذي اتهم بارتكابه الجرائم الكبرى وسوء القيادة واعلن عن كونه مذنبا بتصويت (35 ) سيناتور .
تجلى الخلاف بين الجمهوريين والرئيس في برنامجه متقدم الذكر وهو ما كان قد برز خلال مرحلة ادارة الاخير ، وهذا في الواقع ناتج عما افرزته ادارة الرئيس الديمقراطية التوجه رغم انفصاله عن الحزب الديمقراطي خلال مرحلة الحرب الاهلية ، ولكن تأزم الخلافات مع الجمهوريين دفع الى الاتكاء على الديمقراطيين والاعتماد على دعمهم دون ان ينتمي مجددا للحزب وهذا بحد ذاته يشير الى حجم التوافق في كثير من المشتركات بين الرئيس و الحزب الديمقراطي الذي كان بالأمس القريب حزبه الذي دعمه وتبنا هو افكاره وتوجهاته ، ومثلت مدة حكمه المختبر الذي اكد ذلك التوافق والذي بدى في كل شيء عدا الانفصال .
اما بالنسبة لبرنامج الحزب الديمقراطي الانتخابي ، فقد اكد على ضرورة اعتماد القانون كأساس لحل كل القضايا ومنها التحقيق في موضوع تحرير العبيد والانشقاقات واعمال الفدائيين في الولايات الجنوبية ، وان هذه القضايا واخرى غيرها تتطلب العمل على :- 
  1. ان يتم حالا اعادة كافة الحقوق القانونية لكل الولايات داخل نطاق الاتحاد .
  2. اصدار العفو عن كافة الاخطاء والجرائم السياسية السابقة وعمليات العتق والتحرير التي قام بها المواطنون .
واضاف الحزب في برنامجه ضرورة محاسبة الحزب الراديكالي واعضاءه لعدم اهتمامهم بالحقوق وانتهاجهم سياسات طاغوتيه غير متوازية ، منها عدم الموافقة على انها حالة الحرب حفاظا على الاتحاد ، والعمل على تقسيم الولايات الجنوبية الى خمسة مناطق عسكرية ، الامر الذي عكس عدم الحفاظ على الاتحاد بل العمل على تفكيكه ، واخضاع عشرة ولايات في زمن السلم الى الاستبداد العسكري  والتسلط الزنجي ، حيث تم الغاء المحاكمة بواسطة هيئة محلفين ، والغي امر جلب المتهم الى المحكمة وهو حق من حقوق الحرية ، وتم اجراء مجموعة من الاعتقالات العشوائية والمحاكمات العسكرية والتحقيقات السرية ، وتجاهل حقوق الناس في زمن السلم ليكونوا احرارا وآمنين من الاعتقالات ، اضافة الى دخولهم ( الجمهوريين الراديكاليين ) مكاتب البريد والتلغراف وحتى الغرف الخاصة للأشخاص والاستيلاء على رسائلهم وأوراقهم الخاصة دون ان يتم مقاضاتهم حسب ما ينص عليه القانون ، وتحولت العاصمة الى سجن الباستيل ، وقاموا بتأسيس نظام للتجسس والمراقبة ، والغوا الحقوق في ابداء الرأي حول القضايا القانونية المهمة او عرضها على المحاكم القضائية العليا ، وهددوا بالحد من هذه السلطات او تحطيمها بالرغم من انها قطعا تابعة للقانون ولا تتعارض معه في الوقت الذي كان فيه وزير العدل يتعرض لأقسى هجمة من الوشاة والنمامين لا لشيء الا لكونه لم يستغل منصبه العالي لدعم التهم الكاذبة المثارة ضد الرئيس وعن طريق الاحتيال والخداع تمت مضاعفة الديون الناتجة عن الحرب ، وقد تم تجريد الرئيس من سلطاته القانونية الممنوحة له للتعين حتى بالنسبة للوزراء ، ان كل ما مر ذكره تجسد فيما يسمى قانون اعادة الاعمار او البناء الذي صوت عليه الكونغرس والذي يمثل اغتصاب للسلطة ومنهجا لا قانونيا خالي من المضمون .
       هكذا تجلت قضية تحرير العبيد في برنامج الحزبين الانتخابي عام 1868 ، اذ بدى تعارض الحزبين وتقاطعهما وتراشقهما بالكلمات النابية وانتقاص كل منهما للآخر ، ففي الوقت الذي اظهر الجمهوريون تعاطفهم وعملهم من اجل مستقبل افضل للعبيد السابقين ، عارض الديمقراطيون ذلك النهج وطبيعته وهو ما قاد الى مزيد من التوتر والتقاطع بينهما في تلك المرحلة ، حتى ان القائمين على ادارة الحزب في ولاية لويزيانا دعوا المواطنين سيما المهتمين منهم بشأن ولايتهم والولايات الجنوبية الاخرى بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية السابقة الى الالتحاق بالحزب الديمقراطي ، مبينين ان الانتماء للحزب الديمقراطي( الوطني ) يشجع ويساعد على اعاقة وايقاف مخططات الحزب ( الطاغوتي عديم الرحمة ) الذي يهدف الى القضاء على القانون وقلب المؤسسات الجمهورية والديمقراطية الى مؤسسات مركزية متسلطة على حساب هدم الحريات العامة والحقوق الشخصية وسيادة الولايات .
وفي السياق ذاته وجه الديمقراطيون في ولاية كارولينا الجنوبية خطابا مفتوحا للسود فيها في اطار الحملة الانتخابية لعام 1868 جاء في بعض نصوصها :
 ” ان ما تملكونه من قوة في الوقت الحاضر سرعان ما ستفقدونه ولن يبقى منها شيء الا الكبرياء الذي ستخلفه ، لذلك فإنها وسيلة في غاية الخطورة تلك التي تستخدمونها الان وهي السلطة ” ، كما بينوا في الرسالة ان البيض والسود قادة الزنوج المحررين يستغلون اصواتهم لتحقق اهدافهم الشخصية ، اذ ان اقصى طموحاتهم الحصول على المناصب وتقاضي الرواتب العالية ، كما استخدموا في ذلك الخطاب اساليب الترغيب والترهيب لإجبار الزنوج على العودة الى وضعهم السابق ومما جاء في هذا المجال ” …. اننا نحثكم باسم كل ما كان يربطنا من صلات قديمة وباسم الديانة المسيحية التي تجمعنا وبكل المصالح المشتركة التي تجمع عرقينا ان تكونا حذرين ومدركين للواقع المخيف الذي يدفعكم اليه قادتكم والذي بالتأكيد سوف يؤدي الى تحطيمكم وتحطيمهم سوية : نحن لا ندعي اننا سنقدم مصالحكم على مصالحنا وسنكون اصدقائكم اكثر مما نحن لأبناء عرقنا ….. نحن لسنا في موقف يؤهلنا لمنحكم أي وعود ان نعرض عليكم أي نوع من المصالحة كل ما يمكننا فعله هو الانتظار ومراقبة الاحداث ولكننا نقدم بلدنا ضحية سهلة ونحن واثقون ان السلطة سوف تعود الينا مع الزمن ولكننا نحذركم مرة اخرى من ان تسيئوا استخدام السلطة التي في ايديكم وتذكروا انه ليس لديكم ما تكسبوه ولكن لديكم كل ما يمكن ان تخسروه اذا ما تحركتم من خلال العصبية والقبلية وتذكروا ان العالم منذ ان بدأ الخليقة كان وينحي القبيلة الاضعف جانبا لذلك ابتعدوا عن اولئك الرجال الاغبياء الاشرار الذين يحاولون ان يوردوكم المهالك وحاولوا ان تجعلوا سكان كارولينا الجنوبية من البيض اصدقاء لكم وليس اعداء ” .
        هكذا بدت ردة فعل سكان كارولينا الجنوبية من تحرير العبيد عشية الانتخابات الرئاسية عام 1868 جسدها الحزب الديمقراطي في برنامجه الانتخابي في هذه الولاية ، وهي ان دلت على شيء انما تدل عن حجم التذمر من تحرير العبيد ليس في هذه الولاية فحسب انما في الولايات الجنوبية عامة وان تباينت من ولاية الى اخرى ، والسود فيها هم الضحية رغم تحريهم ومنحهم الحقوق المدنية التي بدت شكلية في الوهلة الاولى ابان تلك المرحلة .
 

شارك هذا الموضوع: