اسباب دخول المانيا المجال الاستعماري
قبل الخوض في المغامرة الالمانية بالتوغل داخل القارة الافريقية بحثا عن مؤطئ قدم لها على غرار بقية الدول الاوربية التي قطعت شوطا طويلا في مجال الاستعمار مقارنتا معها، لبد لنا من التساؤل ما هي الاسباب التي دفعت المانيا وعلى راسها مستشارها اوتو فون بسمارك الرافض اصلا لفكرة الاستعمار؟ وللاجابة عن هذا التساؤل يجب التنويه الى مانوهنا اليه في بداية هذه الاسطر الى انها مغامرةن وقد تكون مغامرة خطيرة على المانيا دخولها المجال الاستعماري، لان المانيا دولة حديثة التكوين افقد حصلت المانيا على استقلالها عام 1871، بعد انتصارها على فرنسا في حرب السبعين وفرضها الاتفاقية المذلة على الفرنسيين التي وقغت في قصر فرساي عام 1871، فمن غير المنطقي ان تتوجه المانيا الى مجال بعيد عنها جغرافيا ويتطلب امكانيات اقتصادية كبيرة، وهي الدولة الحديثة التكوين، وبالوقن نفسه تحيط بها دولا معادية لها مثل فرنسا ، وان ضغفت بعد حرب السبعين، وبريطانيا حليفة فرنسا، الدولة الاقوىفي المجال البحري والاستعماري.
من جانب اخر، ان رجل المانيا ومستشارها بسمارك يؤمن بالهيمنة وفرض السيطرة والالحتلال لكن ليس بعيدا عن القارة الاوربية، فلديه قناعة تامة بان من يهيمن على وسط اوربا يمكنه حكم العالم اجمع، لذلك بذل الجهود لفرض سيطرة المانيا على اوربا مما ادخله في صراعات واحلاف منها معادية له ومنها صديقة، لتنقسم اوربا بين حليف لاوربا وعدو، كان احد نتائجها عقد مؤتمر برلين عام 1878، لتسوية بعض القاضايا الاوربية لينجح اتو فون بسمارك في الحد من التوسع البحري الروسي ومنح الجبل الاسود وصربيا ورومانيا الاستقلال وسمح للنمسا احتلال البوسنة والهرسك، وتقليص مساحة بلغاريا الى ثلث حجمها وغيرها من القرارات.
اذن، لماذا غير بسمارك قناعاته ليوافق مع ملع ثمانينيات القرن التاسع عشر بالسماح لالمانيا بايجاد موطئ قدم لها في افريقيا؟.
تزايدت الضغوط والمطالب على بسمارك من قبل التجار واصحاب رؤس الاموال الالمان في محاولة منهم لايجاد اسواق جديدة تستوعب صناعاتهم التي تكدست في المانيا، ورغبتا منهم في ايجاد منافذ استثمارية جديدة لزيادة ارباحهم، وبالوقت نفسه الحصول على المواد الخام اللازمة لصناعاتهم، وبالوقت نفسه الحصول على المواد الخام والاسواق سيؤدي الى توفير فرص العمل والتقلل من البطالة المنتشرة في المانيا، كما ان المانيا ازدهرت بها صناعة السفن والعلوم التي بحاجة الى التويت والمواد الخام.
كانت في تلك المرحلة الزمنية تقاس الدول الكبرى بما لديها من مستعمرات فكلما كانت تمتلك الدولة من مستعمرات واسعة خارج اراضيها سميت من ضمن الامبراطوريات او الدول الاوربية الكبرى او الغظمى، فكان دافعا امام الالمان لابراز قوتهم وفرض مكانتهم على الدول الاوربية داخل اوربا وخارجها، لا سيما ان الالمان وجدوا في ضغف فرنسا وانشغال بريطانيا في صراعها مع روسيا القيصرية فرصة لتنفيذ مخططها بايجاد مستعمرات لها في القارة الافريقيةن ولتوجيه انظار الالمان خارج القارة لتصرف نظرهم عن المشكلات الداخلية وفي مقدمتها البطالة.
لاتخلوا المحاولات الالمانية بالتوجه نحو افريقيا باستخدام التبشير وسيلة لتحقيق اهدافهم، فضلا عن هجرة الشباب الالماني باعداد كبيرة الى خارج المانيا نتيجة لزيادة اعدادهم بحثا عن العمل فتوجهوا الى جنوب افريقيا واستقروا بها مشكلين احد العناصر الرئيسة في مجتمع جنوب افريقيا. فضلا عن ذلك عمل العديد من المستكشفين في مجال اكتشاف افريقيا فعرضوا على الحكومة الالمانية بتبني مشروع استعمار بعض المناطق في افريقيا قبل غيرها من الدول الاوربية، لا سيما ان كارل بيترز الرحالة الالماني الذي نجح في عقد مجموعة من المعاهدات مع الزعماء المحليين في شرق افريقيا بموجبها فرضت الحماية الالمانية باسم جمعية الاستعمار الالمانية، أذ ان بقاء المانيا من دون امتلاك مستعمرات يعني بنظر التجار واصحاب رؤس الاموال تكدس البضائع الالمانية المصنعة لعدم وجود اسواق لتصريفها، فضلا عن فقدان المكاسب التي حصلوا عليها اثر انتصارهم على فرنسا، فقد فرضت فرنسا وبريطانيا ضرائب كبيرة على نقل البضائع في سفنها، وبالوقت نفسه ان الازدهار في صناعة السفن الالمانية سوف يفقد قيمته في حال عدم توفر مستعمرات تنقل البضائع على سفنها.ناهيك عن ان التجار تحولوا الى رؤس اموال امبريالية تريد زيادة اموالها خارج لاقارة الاوربية، فكان الضغط واسعا على بسمارك فقد مارس الرأي العام الالماني ضغوطا متنوعة على الحكومة الالمانية للسماح لهم باستعمار بعض المناطق في افريقيا، فقد شنت حملات اعلامية في الصحف والتجمعات والمجالس السياسية لتبرز الدعوة الى ضرورة ايجاد مستعمرات المانيةاسوة ببقية الدول الاوربية التي سبقتهم في الحصول على المستعمرات.
نتيجة لكل هذه الاسباب توجهت المانيا بين عامي 1881-1884، لتتمكن من احتلال التوغو والكاميرون ومستعمرة شرق افريقيا وغيرها من المناطق فعمل بسمارك على اضفاء الصفة الرسمية باعتراف الدول الاوربية بما حصلت عليه المانيا ، لذلك دعا بسمارك الى عقد مؤتمر في برلين 1884-1885، تم فيه مناقشة مجموعة من القاضايا الخاصة بافريقيا من دون اخذ رأي الافارقة فنجح بسمارك وبقية الدول الاوربية في تثبيت وجودهم في الاراضي الافريقية لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ افريقيا قائمة على اساس المعارضة والمطالبة بالحقوق والالستقلالز