اسلام اهل الذمة وأثاره المالية على الدولة الاموية
ا. د عبير عبد الرسول محمد التميمي
     تعود جذور هذه المشكلة الى خلافة  عمر بن الخطاب فكانت خطة الخلافة تقضي  بإن اعتناق  الاسلام  يحرر  من كل التزام  في دفع الجزية ,  فيتحول  الذمي المسلم بذلك الى دافع صدقة , وبالرغم من ان هذا الاجراء سوف يؤول  الى التسريع في تطبيق   خطة  الخلافة  نحو  اسلام  المجتمعات المفتوحة  ولكنه  سيحول  دون  الانتباه  الى الاثار  السلبية  كون ان اسلام بعضهم لم يكن من باب الاعتقاد اليقيني والايمان القلبي بالدين الإسلامي وتطبيق قوانينه وانما جاء للتهرب من دفع الجزية مع ابطان نفاقهم وتهربهم من إعطاء الخمس والزكاة وكان لهذا الاجراء مردودا خطيرا على التدوين التاريخي من جهة وعلى واردات بيت المال من جهة أخرى , ولما لم يكن دافعوا الضرائب  في عهد عمر قد دخلوا بعد في الاسلام  بعدد كبير مما أدى الى انتشار الاسرائيليات في التدوين التاريخي لاحقا ولم يتأثر به بيت  المال حينها فان الخلافة  لم تشعر بنتائج  واثار هذا الاجراء  , ذلك ان تلك  الخزانة  كانت عامرة  حتى  تكاد  تفيض  من غنائم  , بالإضافة   الى ان  ما  كان  يتطلب من خزانة  بيت المال  وهو  اقل بكثير مما طلب  منها فيما بعد  , واشار اليعقوبي  الى ان جباية مصر وانها قد انخفضت  في خلافة معاوية عما كانت عليه في خلافة  عثمان بفعل اسلام اهل الذمة وبمقدار سبعة ملايين  دينار , وفي كل الاحوال  فقد  كان مردود  تلك  الاجراءات  سيئا على بيت المال .
    ولما  جاء الامويون  في بادئ الامر اعفوا  الداخلين   في الاسلام  من الجزية ,والخراج  اول الامر , ولكنهم لاحظوا  تقلص الوارد تدريجيا  نتيجة انتشار الاسلام  وتقلص  الاراضي  الخراجية  التي صارت  تتحول الى عشرية  بامتلاك  العرب  لها  وتقلص اراضي الدولة الصوافي  بفعل الهبات الكثيرة ,  فقاموا   بتثبيت   الخراج  على من يدخل الاسلام  وعدم اعفاء  الداخل في  الاسلام  من كامل التزاماته  الضريبية .   
     كما رجعوا  الى العرف المحلي  فأحيوا بعض الضرائب  المهملة والقديمة  مثل : هدايا  النيروز والمهرجان والضرائب على الحرف  والمصنوعات, ولكن هذا  لم يحل  الأزمة , فحاول  الحجاج معالجتها,  بإن استمر بفرض الجزية والخراج على المسلمين الجدد  ويفرض  الخراج على العرب الذين يمتلكون ارض خراجية – كما تقدم-  .    
  وفي بعض الامصار اتضحت  مشكلة  اسلام اهل الذمة بتأثيراتها  السلبية  على بيت مال  المصر , اكثر من ايه  امصار اخرى  ففي الكوفة  مثلا : يفهم  من روايات  علمائها وفقهاها  ومؤرخيها   بان تأثير الاسلام  اهل الذمة  على واردات  بيت مال الكوفة   , كان كبيرا  لذا  تناول  علماء  الكوفة  هذه المشكلة  اكثر من غيرها , مما دعا  علماء الكوفة  الى تأييد وجهة  نظر الدولة او اجراءاتها  في حمايه  مال الفي ء  من التراجع  وذلك بعدم السماح  بتحويل  ارض الخراج  الى ارض عشرية  في حال  اسلام  مالكيها  من اهل الذمة . 
    اما في البصرة  فقد ظهرت الأزمة  ذاتها , ولكن على وتيرة اقل , فلم  يتطرق علماء البصرة وفقهاها  لذلك الموقف , وذلك  لارتباط  تاريخ البصرة المالي ووضعها الاقتصادي  مع  فتوحات المشرق  ونشاط  الحركة  التجارية  المتميزة , الذي در على بيت  مالها وبشكل  متواصل  اموالا طائلة , اي ان  مال الفيء  كان متوفرا  ويغطي  نفقات  ديوان الجند, ويبدو ان  هذا  الوضع  سمح باستمرارية  اعفاء الذمي  في حالة   اسلامه  من جزية   راسه وخراج  ارضه  في بداية الامر, ولم تحصل  معارضه  على ذلك  من قبل  الادارة الاموية  . 
   ويبدو ان  هذا الموقف قد تغير بعد انشاء  ديوان الجند  خاص بخراسان سنة ( 51هــ/ 671م ) مما حرم بيت مال البصرة  من اموال الفيء  الكثيرة  , وهكذا  بدأ يتأثر بيت المال  البصرة  , حتى ان وارداته لم تعد تكفي  سد حاجات  ديوان الجند  في نهاية  حكم آل سفيان, الامر الذي دفع عمال البصرة  الى ان يبعثوا  للحجاج  حول اسلام  اهل الذمة  وكسر  خراج البصرة,  ولم يعد  فيئها  يكفي نفقاتها , لذا  قام الحجاج  بمعالجة هذه المشكلة  بمحاولته  ارجاع الفلاحين  الى اراضيهم  وفرض  الخراج  عليهم .   
    اما في مصر  فهناك اشارات دالة على  ظهور عجز مالي فيها , ومنها: ان معاوية   قد طلب من عمرو بن العاص ان يدفع  اليه خراج  مصر لسنة واحدة  حتى يتمكن  من  دفع  اعطيات  من يأتيه  زائرا  من الحجاز  والعراق  وذلك بسبب  استنفاذ ما فضل  لديه  من اعطيات الجند , كما  طلب   من عامل  الخراج  بمصر ان يزيد على كل  رجل  من اهل  الذمة قيراطا , ولما لم  يمتثل هذا العامل  بهذا الامر  مستنكرا  الزيادة  قام  معاوية بعزله , وفي عهد  عبد الملك بن مروان , قيل انه كتب  الى والي  مصر  اخيه  عبد العزيز  بن مروان   ان يضع الجزية  على من اسلم  من اهل الذمة  فكلمه ابن حجيره  (83هــ)  في ذلك , وقال له: (( اعيذك  بالله  أيها الامير  ان تكون  اول من سمى  ذلك بمصر))  , وهذا بالطبع  ان دل  على شيء  فإنما يدل   على بدء  تأثر خزينة بيت المال  في مصر  جراء   تتابع  اهل الذمة   على  الاسلام  ودخولهم  فيه افواجا , ومما يوكد  هذا التأثر , ويكرس  هذا العجز  المال الذي  ذكره المقريزي   من ان حيان بن شريح والي مصر  في خلافة  عمر بن عبد العزيز , كتب اليه   يشكوا  من الضرر  الذي  لحق  بأحد  اهم الموارد ( الجزية )  التي كانت  تغذي  بيت مال مصر  جراء  إعفاء  اهل الذمة  منها قائلا:  ((  اما بعد  فان الاسلام  قد اضر بالجزية   حتى  اسلفت من  الحارث  بن نابته  عشرين  الف دينار  اتممت  بها  عطاء  اهل الديوان))  ,وكانت  الجزية عندهم   بمنزلة الضرائب  على العبيد وقالوا : لا يسقط  اسلام  العبد  عنه  ضريبته  ولهذا السبب  استجاز  من استجاز  من القراء من الخروج عليهم , ولكن غياب  الاحصائيات   المتعلقة بموارد الدولة   سنة بسنتها  جعل  الحديث  عن تقدير العجز  المالي بالأرقام  امرا عسيرا . 

شارك هذا الموضوع: