م.د.مهند طارق نجم

(اشكالية التسمية بين قصيدة التفعيلةوقصيدة الشعر الحر)

م.د.مهند طارق نجم
 هذا الموضوع يُثير جدلًا بين النقاد بسبب التداخل في استخدام المصطلحين، لكن يمكن توضيح الفروق الرئيسية كما يلي:
١-من حيث المفهوم العام:
قصيدة التفعيلة (الشعر التفعيلي)تعتمد على تفعيلات محددة مُستوحاة من بحور الشعر العربي التقليدية (كالكامل أو الرجز أو الخفيف)، مع تغيير عدد التفعيلات في كل سطر (أي أن السطر الشعري قد يحتوي على ٣ تفعيلات، وآخر على ٤ وهكذا)
  مثال: استخدام تفعيلة فاعِلُنْ بدلامن فعولن في بحر المتقارب في جميع الأسطر مع اختلاف عددها.في حين في قصيدة الشعر الحر:تتحرر جزئيًا من القيود التقليدية، فلا تلزم بتفعيلة واحدة أو بحر واحد، وقد تدمج بين تفعيلات متنوعة أو تُعيد تشكيل الإيقاع دون التقيّد بالبحور الخليلية. 
  مثال: استخدام إيقاعات جديدة غير مُحددة سلفًا، أو خلط تفعيلات من بحور مختلفة
٢-من حيث البناء الإيقاعي:
-التفعيلةفي شعر التفعيلة تحافظ على وحدة التفعيلة(الوحدة الإيقاعية) داخل القصيدة.والجديدهو تُغيّر عدد التفعيلات في الأسطر (القصيدة قد تبدأ بثلاث تفعيلات في السطر الأول، ثم أربع في الثاني). 
  – لا تلتزم بالتقفية (القافية) الموحدة، لكنها قد تحتفظ بإيقاع متكرر.في حين الشعر الحر  أكثر مرونة، فقد يبتعد عن البحور التقليدية ويبتكر إيقاعًا جديدًا. 
  – قد يُهمل التفعيلات تمامًا أو يستخدمها بشكل غير منتظم.و غالبًا لا يلتزم بقافية محددة، ويعتمد على الانزياحات الإيقاعية.
 ٣-من حيث التاريخ والنشأة:
قصيدة التفعيلة
  ظهرت في نتصف القرن العشرين كمرحلة انتقالية بين الشعر العمودي والشعر الحر، ورُوّج لها بشدة من قبل الشاعرة نازك الملائكةفي كتابها “قضايا الشعر المعاصر”
  وكمثال على قصيدة شعر التفعيلة بامكاننا ان نختار قصيدة محمود درويش(الى امي):
أحنُّ إلى خبز أمي
وقهوة أُمي
ولمسة أُمي..
وتكبر فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدر يومِ
وأعشَقُ عمرِي لأني
إذا مُتُّ ,
أخجل من دمع أُمي..
 
في حين الشعر الحر
  تطور لاحقًا كامتداد لقصيدة التفعيلة، لكنه تجاوز التزامها بالتفعيلة الواحدة، واتجه نحو تحرير الشكل والمضمون بشكل أكبر. ارتبط بمدرسة “مجلة شعر” اللبنانية في الخمسينيات. 
  ولعل مقطع من قصيدة بدر شاكر السياب خير دليل على التطور الذي طرأ على القصيدة حين تتحول من سمتها التفعيلية الى سمتها الحرة،يقول السياب:
 
تَثَاءَبَ الْمَسَاءُ ، وَالغُيُومُ مَا تَزَال
تَسِحُّ مَا تَسِحّ من دُمُوعِهَا الثِّقَالْ .
كَأَنَّ طِفَلاً بَاتَ يَهْذِي قَبْلَ أنْ يَنَام :
بِأنَّ أمَّـهُ التي أَفَاقَ مُنْذُ عَامْ
فَلَمْ يَجِدْهَا ، ثُمَّ حِينَ لَجَّ في السُّؤَال
قَالوا لَهُ : ” بَعْدَ غَدٍ تَعُودْ .. “
لا بدَّ أنْ تَعُودْ
وَإنْ تَهَامَسَ الرِّفَاقُ أنَّـها هُنَاكْ
في جَانِبِ التَّلِّ تَنَامُ
نَوْمَةَ اللُّحُودْ
 
ونستطيع ان نلحظ من حيث الشكل البنائي من خلال النصين:
1-قصيدةالتفعيلة:
  – الأسطر مُنفصلة وليست مقسمة إلى شطرين (عمودية). 
  – التقسيم يعتمد على “السطر الشعري” بدلًا من “البيت” ذي الشطرين.
 
2-قصيدة الشعر الحر:
  – قد يُدخل عناصر تشكيلية مثل التنقيط أو الفراغات بين الكلمات. 
  – الاعتماد على الصورة الشعريةالمعقدة أكثر من التركيز على الإيقاع.
الخلاصة:
– التفعيلة: نظام إيقاعي مُحدد لكن مرن، يعتمد على تفعيلة واحدة مع اختلاف العدد. 
– **الشعر الحر:** نظام **أكثر تحررًا**، قد يتجاوز البحور التقليدية ويُعيد تشكيل الإيقاع وفق رؤية الشاعر.
مع ملاحظة ان
بعض النقاد يُعرِّفون المصطلحين على أنهما وجهان لعملة واحدة، بينما يرى آخرون أن “الشعر الحر” مرحلة تالية أكثر تطورًا من “التفعيلة”.ان الفرق الأهم هو درجة الالتزام بالبحور الخليلية والتفعيلات.

شارك هذا الموضوع: