جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الانسانية –قسم التاريخ
أدرك المصلحون من الحوزة العلمية والنخب المثقفة دور الاقتصاد في تحديد فاعلية المجتمع فتدخلوا في إصلاح بعض النظم ووضعوا أفكارهم الإصلاحية النظرية في تحسين الفاعلية الصناعية المتدهورة فمدينة النجف تشتهر بصناعة المنسوجات التي تصرفها عن طريق : 1 ـ سكان المنطقة المحيطة بها فهي منطقة قبلية زاخرة بالسكان . 2 ـ كثرة الزوار الوافدين الى المدينة . ومن افكارهم ايضا أكدوا على تبني الوسائل المالية الحديثة فهو ضمان لازدهار تجارة المدينة فأيدوا افتتاح المصارف الأهلية ذات الفوائد والأرباح المتبادلة ، واهتموا بالفلاح اهتماما متزايدا لأنها منطقة مقدسة ينظر إليها العراقي ( الفلاح والعامل … ) وبخاصة ” منطقة الفرات الأوسط ” بمنظار القدسية والاحترام ، وافكار تعمل على ربط القضايا الاقتصادية في الواقع الاجتماعي مع متغيرات بدايات القرن الماضي فالمجتمع هو غاية المصلحين فرسالتهم الإنسانية تنطلق من خدمة المجتمع والعمل على تنقيته وتوحيد صفوفه ، وجعله مجتمعا متحضرا بعيدا عن الأوهام والخرافات التي تمكنت من الدخول للمجتمع والتربع على زواياه وبخاصة التي تتعلق بمصالحهم الشخصية وأكدوا أن خير منقذ للمرأة من كابوس الظلام والرجعية هو التعليم فأيدوا فتح مدارس للبنات .والمأخذ السلبي على بعض افكار الحركة الاصلاحية في ميدان دعوتها الاقتصادية أنها لم تبسط للفرد الكيفية الكاملة للعمل إذ لم تستطع أن تصوغ مناهج علمية كافية وشافية ترشد العامة الى الاقتصاد الأمثل المتوازن بين المفاهيم التي سنها القرآن الكريم وحاجات العصر المفعم بالانقلابات الاقتصادية والهزات الاجتماعية العنيفة . بل للأسف غلب على بعض أفكارها ” حلول اقتصادية من الواقع الغربي فقط ” فمثلا نشرت ( صحيفة النجف ) مقالا إصلاحيا تحت عنوان ” عبر وعظات فلماذا شؤوننا مهملة ” 3 / كانون الأول / 1926 ، العدد ( 64 ) ، ص 1 .
ففي هذا المقال تشجع وتحفز المجتمع على تأسيس ” الشركات ” آخذة بنماذج من الواقع الألماني ، ولم تستطع أن توضح إن الإسلام هو مشروع اصولي ودقيق لنظام ” الشركات “. وبقية المؤسسات التي يتباهى بها الغرب ، وهناك مأخذ سلبي آخر على الدعوات الإصلاحية في الجوانب الاجتماعية هو عدم وضع رسائل إصلاحية كافية تنبه الأذهان على المساوئ التي يعيشها الفرد بل اتسمت بالقلة كـ ” رسالة تحريم نقل الجنائز المتغيرة للمصلح محمد علي الحسيني ” الملقب بهبة الدين الشهرستاني فضلا عن برودة نشاطهم الإصلاحي في بعض الدعوات مثل تعليم المرأة فالدعوات الإصلاحية بتعليمها وفتح مدارس لها ابتدأت منذ عام 1910، وافتتح لها أول مدرسة 1929 بسبب تشدد المحافظين .
اراد المصلحون نظاما اقتصاديا يتكفل بحل المشاكل الانسانية ويبرمج الحياة المتوازنة الخطوط . وعلى الرغم من العطاء المالي الذي تتمتع به مدينة النجف فأنها ضعيفة في مجال الصناعة ولم تشهد تقدما ملحوظا في خط الصناعة . بل كان الركود يخيم على صناعة العراق بشكل عام حتى عام 1910 كانت الاوضاع الصناعية في العراق ( بدائية ) وفي حالة الانحلال والتدهور . بل كان العراقيون مهتمين بالاوضاع السياسية اكثر من الاقتصادية التي كانت ضعيفة . ويمكن تعليل ضعف حالة الصناعة العراقية في هذه المدة الى الاسباب الآتية :
السيطرة العثمانية المركزية وعدم فسخ المجال لنمو رأسمال محلي .
تغلغل الشركات الصناعية الغربية ووضعها العراقيل امام قيام أية صناعات محلية ، وذلك للحصول على امتيازات اكثر .
ان معظم الصناعات التي قامت في العراق كانت لتلبية احتياجات القوات العسكرية العثمانية لا لغرض خلق صناعة وطنية .
اكد المصلحون وبصورة مستمرة أهمية دور الصناعة وضرورة تقدمها في ميدان الحياة الاقتصادية ؛ فمن دعواتهم الاصلاحية وبالاسلوب الاصلاحي الوعظي المؤكد على الاهتمام بالمجال الصناعي ما نشره المصلح محمد علي الحسيني من خطبته
الاصلاحيةفي مجلة العلم اذ قال : ” لا تغفلوا عن الصناعة ، اتخذوا غلاتكم لبلادكم فأن في ذلك غناكم وثروتكم ، ونمو اموالكم ، من اجل الامور الضرورية لدياركم … كآلات اخراج الحب من القطن وتربية دودة الحرير ودباغة الجلود وغيرها “وحاول المصلح الحسيني الشهرستاني زرع بذور الثقة بالصناعة الوطنية وترسيخ فكرة اعتماد المواطنين عليها فقال في خطبته :” قلنا لكم اقنعوا بمنسوجاتكم ومصنوعاتكم ليكثر منكم الزراعيون والصناعيون وتخسير تجارة العدو في اسواقكم وتكونوا اغنياء بعد ما صرتم فقراء ولتقدروا على نزال الاعداء ومباراة الرقباء فهل انتم سامعون مستعدون ؟؟ ” 17 / شباط / 1912 ، العدد ( 9 ) ، ص 401 .
ومن الافكار الاصلاحية اباحة الاعمال الصيرفية في المصارف بما تشتمل عليه من ارباح بسيطة لتوقف التجارة عليها في تطورات العصر . وخير مفجر لهذه المسألة المصلح محمد علي الحسيني الذي يرى بهذه الطريقة من التعامل التجاري ” الوسيلة الوحيدة لانتظام مالية وارتقاء تجارتها النوعية بل واكد ان استقلال الدولة وانتظام الحكومة قائم على امر ( الارباح الربوية ) ” ، وتلخصت دعوات المصلحين النجفيين بانشاء مصرف مالي يعمل بمبدأ الفائدة المالية . مؤكدين : ” ان قوام كل حكومة بقوتها المالية واساس هذه القوة العظيمة هي التجارة بجميع اصنافها حتى الزراعة والصناعة التي لا تستقيم الا على محور المصارف ” ” العلم ” ، 25 / أيلول / 1911 ، العدد ( 4 ) ، ص 175 .
دعا ( المصلح عبد المحسن شلاش ) قبل الحرب العالمية الأولى
الى ربط مدينةِ الكوفة بمدينة النجف بسكة حديد بدلا من العربات القديمة التي تجرها الخيول وهو في حقيقة الامر ادراك لما لمدينة الكوفة من اهمية تجارية بالنسبة لمدينة النجف ، فهي المدينة التي تقع على فرع نهر الفرات الذي تصل بوساطته حاجات مدينة النجف ومتطلباتها التجارية وتصرف عن طريقة تجارة النجفيين عبر البواخر العائمة في نهر الكوفة ، فضلا عن وجود المرقد العلوي ” مسلم بن عقيل عليه السلام ” الذي ساعد في نمو السياحة الدينية لمدينة النجف وازدهارها .
وشدد المصلح محمد علي الحسيني على نبذ تقليد غربي تسرب الى المجتمع العراقي وعمل على سلب امواله فضلا عن عدم انسجامه مع الواقع الاجتماعي في العراق . ففي سياقات التفتيش عن مساوئ المجتمع الغربي انتقدت ( مجلة العلم ) حياة البذخ والسرف التي تحياها المرأة الغربية وما تسبب من عبء تثقل على الرجل ، وابدت خوفها من انتشار هذه الظاهرة الى مجتمعنا فنشرت : ” اصبحت البرانيط في هذا العصر مشكلا مهما للرجل والمرأة ، للرجل بسبب كونه هو المسكين المضطر الى دفع ثمنها المتزايد يوما بعد يوم . وللمرأة بسبب علمها ان تمامها في الهيئة الاجتماعية موقوف على البرنيطة اكثر من سائر الشباب ، في ذلك ان السيدة التي تريد ان تكون كاملة في لبسها يكون لديها برنيطة مناسبة لكل بدلة ! ، كما انه يكون لديها بدلة مخصصة لكل وقت !! “، 20 / كانون الثاني / 1912 ، العدد ( 8 ) ، ص 361 ـ ص 362 .