الآخر الموافق السياسي الديني عند الشاعر الفاطمي
م.د. فاطمة محسن هبر
      مع دخول الدولة الفاطمية إلى مصر وتوطيد الخلافة واستقرارها في القاهرة سياسياً واجتماعياً، نشأت معايير جديدة لتعزز دور الآخر ونشاطه السياسي تختلف عمّا هي عليه في العهد السابق، فأصبح أثرُ الآخر السياسي ونشاطه الديني والاجتماعي أثراً بالغ الأهمية في هذا الجانب، فشهدت البلاد استقراراً سياسياً واجتماعياً، وما علاقة الشاعر بالآخر إلّا علاقة إشباع حاجات متبادلة بين الطرفين، فالعلاقة بينهما غالباً ما تكون قائمة على أساس المصلحة المتبادلة، فكل منهما بحاجة إلى الآخر؛ الخليفة أو الوزير، أو القائد المنتمي إلى السلطة، ومحاولة الأنا الشاعرة التقرّب منه؛ لكونه يمثل الواجهة السياسية الأقوى في دفة الحكم، وعن طريقه تستطيع تحقيق ما تسعى إليه، فتصبح الأنا متوافقة مع الآخر من أجل تحقيق هدفها، لذا نجد أشعار بعض الشعراء لازمها التكسب واستجداء العطايا والهبات، فكان ” شعر المديح لديهم باباً للوصول إلى غاياتهم؛ سواء كان التكسب مادياً أم معنوياً، كالتقرب إلى بلاط الممدوح أو تسلم منصب مرموق إنْ كان الممدوح حاكماً خليفة أو سلطاناً ذا شأن، وهذا أمر لا غرابة فيه، وقد وصل التكسب بالشعراء إلى حدود لا يتصورها العقل والمنطق، وهذا ما دفعهم إلى التهافت على أبواب الخلفاء والأمراء وإسباغ الصفات المتنوعة عليهم، فأخذوا ينطلقون بألسنتهم مديحاً وترويجًا لسياستهم، وهذا إن دلَّ فعلى شيء فإنما يدلُّ على العناية الكبيرة بالشعراء، ولعلّ الهدف الذي سعى إليه الآخر من وراء ذلك يكمن في أسباب عدَّة منها: إنَّهم ” اتّخذوا من الشعر وسيلةً من وسائل دعوتهم السياسية، فقرّبوا كلَّ من يخدم مصالحهم في دعوتهم من علماء، وأدباء، وشعراء، وفلاسفة” ، والسبب الآخر يتمثل في ” ميل الخلفاء الفاطميين إلى منافسة الدولة العباسيّة ببغداد ، وكأنَّها نّصّبت نفسها ــ الدولة الفاطمية ــ ندًّا لها، فكل مظاهر الخلافة بجلالها وفخامتها في بغداد لها نظيرها في مصر”، وبذلك عدّ الآخر الخليفة الواجهة السياسية الأولى التي يطمح الشاعر في الوصول إليها، ومحاولة التقرب إليها، والتآلف معها، ويمكن أن يكون هذا التوافق ــ التآلف ناتج بدافع المودّة، والرغبة بعيدًا عن المصالح المتبادلة بينه وبين الآخر/ السياسي .
     وقد تمثل الآخر السياسي الموافق في أدق صورهِ في الشعر الفاطمي بالمديح السياسي؛ مديح الخلفاء والوزراء والولاة، وبيان صورتهم الدينية التي تجد توافقها مع الواقع الديني/ المذهبي في ذلك العصر، ومن صورة الآخر السياسي الديني/ الخليفة مديح تميم بن المعز لدين الله الفاطمي للخليفة العزيز بالله، قال: (المتقارب)                                
 فيابن الوَصِيّ  ويابنَ  البَتـــول       و يـــا بن  نَبـــيّ  الهُدى  المُصطَفَــى  
     ويــــــابنَ الـــمَشَاعِـــر والـــمَــروَتــَيــنِ       و يــا بنَ الحَــطيـم  ويا بن الـصَّفـــَا
     لَـــكَ الــــشَّـــرف الهَــاشِــمِــي الّـــذي        يــقــصِّرُ عــَنْــهُ  عُــــلَا  مَـــــنْ عَـــــلَا
     فَمِن حَـــدِّ سَيْـفِــكَ تَسْطُــو المَنُـونَ        ومَـــنْ بَطن ِ كــَفِــكَ  يـُبْــغَــى النَّـــدَى
    ولَـــو فَـــاخَـــرتــْكَ جَــمِــيــعُ الــملُـــوكِ        لَكَانوا  الـظَّــلامَ  وكُـــنــتَ الــسَّـــنــا     
     أدركت الأنا الشاعرة ما لقيمة النسب من أهمية كبيرة في إبراز منزلة (الآخر/ الممدوح) السياسية، والدينية، فعظّمت وأجلّت من تلك المنزلة، فاتخذ من كنيتهِ وسيلة لإظهار فضل الآخر، وكرم نسبه الشريف، وقد استعمل ( يا) النداء تعظيماَ له؛ إذْ إنَّ الشاعر بمواجهة خليفة له المنزلة السياسية السامية، والدينية المتوارثة عن خلافة بيت النبوة (على وفق مذهبهم)، على الرغم من صلة القرابة التي تربط بينه وبين الآخر، كما أظهر قيمة الآخر الحسنة عبر بيان قيمة المودة والمحبة بينهما؛ ذلك أنَّ الشاعر هنا لمْ يقدم للآخر هذه الصورة بوصفه خليفة، وقائد دولة، بل لأنَّه شاعر الدولة والعائلة والأخ في ذات الوقت، فالشاعر عبّر عن انفعال ذاتي نحو الآخر، لذا يمكن أنْ نرى صدق المشاعر فيها.                                              

شارك هذا الموضوع: