الأزمة المائية في العراق (الأسباب والخيارات المتاحة لتحقيق الامن المائي العراقي
مقال بعنوان/ الأزمة المائية في العراق (الأسباب والخيارات المتاحة لتحقيق الامن المائي العراقي):
طالبة الدكتوراة: ضحى حميد جاسم
قسم الجغرافية التطبيقية
أسباب الازمة المائية في العراق: يمر العراق بأزمة مائية حادة لم يسبق لها مثيل، وللتعرف على أسباب الأزمة لابد أن نطلع على تفاصيلها كالآتي:
التغيرات المناخية : تمثل التغيرات المناخية التهديد الأكبر الذي يواجه مستقبل المياه في العراق حيث ظهرت آثار تلك التغييرات بشكل واضح منذ بدايات العقد الأخير من القرن العشرين وتشير الدلائل العلمية على أن التغيرات المناخية وما ستتركه من آثار سوف تكون التحدي الأكبر الذي سيواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين اذ ان تراجع كمية الأمطار التي يستلمها حوضي دجلة والفرات بشكل كبير وقد أنعكس ذلك بشكل سلبي على كمية الايراد المائي التي يستلمها حوضي دجلة والفرات وخاصة حوض نهر دجلة الواقع داخل الأراضي العراقية ، مما ادى الى تراجع معدلات التصريف السنوي بشكل واضح لروافد نهر دجلة وخاصة ديالى والعظيم والزاب الصغير ان هذا التراجع في كمية الأمطار سوف يزداد في المستقبل وذلك بحسب التقارير الصادرة عن الهيئة الحكومية التابعة للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ والتي جاء فيها ( ان منابع مياه الانهار الواقعة في جنوب وجنوب شرق البحر المتوسط ومنها نهري دجلة والفرات سوف تتعرض الى نقص في رصيدها الماني بحدود (33%) في نهاية الربع الأول من هذا القرن ، جراء التغير الذي سيحصل في الهطولات المطرية ، ان هذا التغير الذي سوف يحصل في كميات الامطار سيؤدي الى خسارة العراق نحو ( 18.5 مليار م3 / سنة) من موارده المائية في نهري دجلة والفرات. وبالتالي سيؤدي الى حصول عجزا مائيا كبيرا يصل الى اكثر من ( 27 مليار م3/ سنة ) على اقل التقادير وبحسب ما اشارت اليه بعض الدراسات من ان التغيرات المناخية المتوقعة سوف تؤثر على كمية المياه الجوفية المتجددة في العراق ودول الجوار بنحو (11%) وهذا سيؤدي الى خسارة العراق ما مقداره ( 3-7 ) مليار م3 من كمية المياه الجوفية المتجددة . ان تداعيات ذلك ستكون ذات تأثير كبير على مستقبل الامن الماني خصوصا مع تنامي المتطلبات المائية للاغراض المختلفة باستمرار.
السياسة المائية لدول الجوار : ان اعتماد العراق بشكل رئيس في تأمين متطلباته المائية على نهري دجلة والفرات اللذان ينبعان من خارج حدوده، يشكل نقطة ضعف جيويولتيكية بالنسبة للأمن المائي العراقي وكذلك قد أوجد بعداً جيويوليتكيا لمشكلة المياه لأن طبيعة الانهار الدولية توجد حالة خاصة بين الدول التي تمر بها تلك الانهار اذ يمكن أن توظف جيوبوليتكا لخدمة مصالح دول المنبع على حساب دولة المصب ، وقد تكون اداة لتحقيق التقارب السياسي والاقتصادي بين دول المجرى المائي.
ان الواقع الجغرافي للعراق وضعه امام نقطة ضعف جيوبوليتكية من ناحية ارتباط موارده المائية بعدة دول ، وبالدرجة الاساس تركيا وان اقامة أي مشروع مائي او توسع زراعي في تركيا او سوريا او ايران على روافد النهرين سوف تؤثر على الوضع المائي في العراق حيث ان تأثير هذا العامل يتمثل بالدرجة الأساس في المشاريع المائية التركية في حوضي دجلة والفرات اذ ان استمرار تركيا في بناء مشاريعها المائية في منظومة (الكاب) سيمكنها من السيطرة الكاملة على مياه نهري دجلة والفرات، من خلال بناء (13) مشروعا رئيسيا منها (6) مشاريع على نهر دجلة و (7) مشاريع على نهر الفرات وفروعه، فضلاً عن عشرات المشاريع الفرعية والثانوية ، اذ سيتعمد المشروع على (80%) من مياه نهر الفرات و (20%) من مياه نهر دجلة ، وتؤكد الدراسات الخاصة بمشاريع التخزين أن السدود التركية المنفذة والتي في طور التنفيذ ضمن مشروع الكاب ستبلغ طاقتها التخزينية اكثر من (128) مليار م3 وهذا يوضح مدى الامكانية الكبيرة لهذه السدود في حجز المياه عن العراق. ()
التلوث :تعتبر الانهار في العراق من أكثر عناصر البيئة تضررا من التلوث بكل اشكاله وذلك لان الانهار اصبحت اماكن لتصريف المياه العادمة الناتجة عن النشاطات البشرية المختلفة ، ان مشكلة التلوث تلك سوف تتفاقم في المستقبل وذلك بسبب انخفاض تصاريف نهري دجلة والفرات وذلك بفعل التغيرات المناخية وزيادة الطلب على المياه في العراق ودول الجوار المتشاطئة ، فمن المتوقع ان يزداد تركيز الأملاح في مياه نهري دجلة والفرات ليصل في عام 2025 الى مستويات عالية . اذ سيصل تركيز الأملاح في مياه نهر الفرات الى (1450) جزء في المليون كمعدل سنوي عند نقطة دخوله الأراضي العراقية في حصيبة ، أما نهر دجلة فيتوقع ان تصل نسبة تركيز الأملاح في مياهه الى ( 375) جزء في المليون عند نقطة دخوله الاراضي العراقية ( مقدم الموصل ) ونتيجة لانخفاض تصريف النهرين داخل الأراضي العراقية . ادى ذلك الى انسياب المياه المالحة الجوفية باتجاه المجرى المائي وذلك كون النهرين يمران بأراضي متملحة وهي تشكل اغلب اراضي السهل الرسوبي وهذا بطبيعة الحال يؤدي الى زيادة تركيز الاملاح وخاصة في نهر الفرات الى حدود عالية لا يسمح عندها استخدامها في الاستعمال الزراعي ولأغلب أصناف المحاصيل بحيث أنها تتعدى المحددات البيئية الموضوعة عالمياً ومحلياً , وسوف يترك ذلك اثارا واضحة على مساحة الأراضي القابلة للزراعة اذ سيؤدي الى ارتفاع نسبة تركيز الأملاح فيها وتدهور خواصها الفيزيائية والكيميائية والبايولوجية ، وبالتالي تدهور الانتاج الزراعي .
الخلل في إدارة الموارد المائية: بعد عام 2003 تولى مسؤولون غير مؤهلين مؤسسات الدولة المعنية بإدارة الموارد المائية مما أدى إلى تفاقم الأزمة المائية، وقد تسبب غياب الأهلية بعدم قيام وزارة الموارد المائية العراقية ببذل أي مجهود لمحاورة دول الجوار لتأمين حصة العراق المائية إطلاقًا. أما على الصعيد الداخلي، فقد تركت الوزارة عمليات صيانة مشاريع الري والبزل وحاليا لا يعمل أكثر من 15% من هذه المشاريع , كما قامت الوزارة بمنح حصص مائية لأراض خارج مناطق الإرواء وتحوير شبكات الري من أجل ذلك خلافًا لكل التعليمات ولتحقيق مصالح شخصية.
ثانياً/الخيارات المتاحة لتحقيق الأمن المائي في العراق :
يمكن بيان تلك الخيارات بمجموعة من النقاط التالية :-
التنسيق والتعاون السياسي والاقتصادي مع دول حوضي دجلة والفرات (تركيا، سوريا, ایران).
أستراتيجية تنمية وإدارة الموارد المائية العراقية من خلال بناء أطر قانونية ومؤسسات إدارية ذات أمكانيات قانونية وتشريعية واقتصادية واجتماعية واعلامية متكاملة ، حتى يمكنها تحقيق أهدافها.
التعاون في مجال الطاقة بين الشركات التركية والعراقية كذلك نقل الموارد الطبيعية للأسواق بواسطة مسارات التصدير الأكثر اعتمادا كتطوير القدرة الحالية لخط النفط ( كركوك – يومورتاليك ) وبناء شبكات لنقل الغاز الطبيعي العراقي إلى الأسواق العالمية عبر تركيا.
استثمار الموارد المائية غير التقليدية ، مثل (حصاد المياه ، اعادة تدوير المياه العادمة الزراعية , تحلية المياه المالحة ) .
تقليل الهدر والأسراف في استخدام المياه ورفع الوعي العام بأهمية المياه .
أستراتيجية التحرك على المستوى الدولي من خلال اشراك المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية لغرض إيجاد صيغة قانونية تلزم الدول المشتركة بالأحواض المائية الدولية للتوصل لحلول بشأن استغلال المياه بالاعتماد على أسلوب المشاركة والاستفادة من المياه بصورة عادلة ومنصفة لبلدان الحوض المائي الدولي ، الأمر الذي يقلل من شدة المنافسة في استغلال المياه بين الدول ويعمل على المحافظة عليها بصورة مثلى .()