الأسواق في الدولة الفاطمية
د. مروه مكي جعفر           كلية التربية للعلوم الانسانية/ قسم التاريخ
 
      الأسواق هي صفة الملازمة للتجمعات السكانية في أي مكان وزمان، وبالنسبة لمصر فإنها منطقة ذات ثروة بشرية وطبيعية فمن الطبيعي ان تزدهر فيها الاسواق والتجارات ما خلا فترات الشدة التي تتاثر فيها حركة السوق اما لسبب طبيعي كالفيضانات، او الجفاف، او للتقلبات السياسية، وسوء ادارة الموارد الطبيعية والبشرية، فعند دخول الفاطميين إلى مصر كانت تعاني من غلاء في الاسعار وسوء الاوضاع الاقتصادية بصورة عامة، بسبب شحة المياه في نهر النيل في آواخر الدولة الاخشيدية وانتشار المجاعات والأوبئة وغلاء الاسعار،  وعند دخول الفاطمين الى مصر فإنهم ضخوا اموالًا كثيرةً  لتحسين أحوال البلاد فضلا عن تحسُن نسبة المياه في نهر النيل.
     وبالرغم من الاصلاحات التي ادخلها الفاطميون لتحسين حال السوق في مصر الا إننا لا ننكر وجود اسواق كانت مزدهرة في عصور خلت دخول الفاطميين، ومن اكثرها ازدهارا هو اسواق الفسطاط وكانت متنوعة ولها اسماء مختلفة منها سوق البربر، وسوق الزياتين، وسوق العراقيين و سوق الصيادين، وسوق الوزير وغيرها وكانت جميعها مزدهرة لموقع الفسطاط في وسط مصر واطلالتها على نهر النيل،  ويعزى ذلك  لموقع مصر واتصالها بالبحار سهل عملية التجارة مع البلدان الاخرى، فكانوا يصدرون السكر والعسل عن طريق السفن ويستوردون البلور والجلود وغيرها من الحبشة والجمهوريات الايطالية عن طريق البحر، ويذكر ايضا ان اغلب اسواقها حول المسجد الجامع الذي بني في عهد عمرو بن العاص، وظلت الفسطاط مزهره في عهد الدولة الفاطمية الى وقت حدوث الشدة المستنصرية فقد امر الوزير بدر الدين الجمالي باعمار القاهرة واتاح لجميع الناس السكن فيها بعدما كانت فقط مقتصرة على الجند والخاصة، قام الناس بتخريب بيوتهم في الفسطاط ونقل الطوب والحجر الى القاهرة فعمروا هنا وخربوا هناك مما ادى الى تدهور في اسواقها.
   
      اما بالنسبة للقاهرة التي بنيت على عهد الفاطمين فقد ازدهرت فيها الاسواق، وكان من اهم اسواقها سوق القصبة  وكاان اهلها ينعمون بالرخاء الاقتصادي، وتوفر الامان اذا ان التجار يتركون محالهم بدون ان يغلقوها، وفي ومن اسواق القاهرة الاخرى سوق الشراحيين، وسوق الوزازين والدجاجين، وسوق التبانين والقماحين وسوق الشماعين وغيرها كثيرا من الاسواق التي تدل على الكثافة السكانية التي كانت في القاهرة آنذاك، ونتيجة لحياة الترف التي عاشها الحكام والتجار آنذاك فقد ازدهرت تجارة الرقيق واصبح لهم سوق خاص يبعون ويشترون الرقيق، وكان الاغنياء يشترون الرقيق لمساعدتهم في اعمالهم، فضلا عن القصر ورجاله كانوا يشترون افضل انواع الرقيق ويستخدموهم في قصورهم.
      ومن السلع المهمة في اسواق القاهرة هي التوابل والتي كانت تاتي من الهند واختص تجار بها وعرفوا باسم تجار الكارم، واستروردوا ايضا العصور والبخور ومن الصين كان ياتي بارقى انواع المسك.
     وكان هناك اسواق مزدهرة في مدن مصرية اخرى منها مدينتي دمياط وتنيس على ساحل البحر المتوسط،  وكانت اسواقهم تستقبل البضائع من الجمهوريات الايطالية وفي نفس الوقت فانهم يصدرون سلعهم المحلية وكذلك اسواق قوص مزدهرة واسواق الاسكندرية واسوان وكانوا يتاجرون بمختلف السلع المحلية والمستوردة.
     اما بالنسبة للتعاملات التجارية في الاسوق في الدولة الفاطمية كانت باستخدام النقود وهي عبارة عن دناتير ذهبية سكت في عهد المعز الفاطمي وعرفت بالدنانير المعزية، وكانت قيمة الدينار الفاطمي مرتفعة في بداية بناء الدولة نتيجة لكميات الذهب التي ضخها الفاطميون في السوق وكانوا قد جاوا بها من بلاد المغرب ، ولم يقتصر الامر على الدنانير الذهبية فقد سُكت الدراهم الفضية التي كانت حاجة السوق لها ملحة لتيسير التعاملات التجارية الصغيرة
      على ان هذا الازدهار في اسواق مصر كان يمر بتقلبات متاثرًا بالسياسة العامة للدولة ،او بسبب الكوارث الطبيعية وكما هو معروف ان نهر النيل كان العامل الطبيعي الاكثر تاثيرًا كون الاعتماد عليه بشكل اساسي في الزراعة، وفي التنقل والملاحة فمثلا في سنة 398هـ انخفض نهر النيل ولم يصل لمرحلة الوفاء فادى ذلك الى ارتفاع الاسعار بصورة كبيرة واحتكار بعض التجار لسلع مختلفة مما ادى الى حدوث اضطرابات في المجتمع، ومن اكثر الاحداث التي عصف بالاسواق المصرية هو في وقت الشدة المستنصرية ( الشدة العظمى) التي زاد فيها الصراعات بين فصائل الجند المختلفة فضلا عن قصور نهر النيل مما انعكس هذا الامر على اسواق مصر.
        ولابد من وضع قوانين تطبق في الاسواق وتعيين من يشرف على تطبيقها فكانت هذه المهمة تسند الى المحتسب، واهتم الفاطميين منذ دخولهم لمصر بهذا الامر وكانت توكل الى شخص من وجوه القوم واعيانهم ويقرئ سجله على المنبر في الجوامع وتطلق يده في الامر بالمعروف والنهي على المنكر وهذا يعرف  بنظام الحسبة ، ومن اعمال المحتسب ونوابه الطواف بالاسواق ومراقبة التعاملات التجارية والحرص على عدم الاحتكار او الغش في السلع والكشف على الماكولات والحلوى المعروضة بالاسواق، وكانوا يشرفوا على المكاييل والموازين، وكان المحتسب يجلس في جامعي الفسطاط والقاهرة يوم هنا ويوم هناك وينظر في امور الناس وله نواب في الاسواق ينظروا في سير الاعمال فيها.
    ومما سبق يتضح ان الفاطميين اهتموا بتنظيم الاسواق وترتيبها وازدهرت تجارتها بشكل كبير واصبحت قبلت العام انذاك وذلك لموقها التجاري المتميز الذي يربط قارات العام القديم فكانت الممر التجاري بين تجارة المشرق والمغرب، واسواقها زاخرة بمختلف السلع من كل انحاء العالم، الا ان هذا الازدهار كان يقابله حالات غلاء وخراب في أوقات ضعف الخلافة الفاطمية، وكذلك الازمات الطبيعية من جفاف او فيضان، فضلا عن ان الحروب الصليبية اثرت على مصر خصوصا بوجود خلفاء ضعفاء وقادة جيش لا تهمهم الا مصالحهم الشخصية.


المصادر والمراجع:
  1. المقريزي، أحمد بن علي بن عبد القادر، ت: 845هـ، اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء، تحقيق: جمال الدين الشيال و محمد حلمي محمد أحمد، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، د.ت.
  2. ناصر خسرو، علوي، سفر نامة، ترجمة وتحقيق: يحيى الخشاب، الهيئة المصرية العليا للكتاب، القاهرة، 1993.
  3. سرور، محمد جمال الدين، الدولة الفاطمية في مصر، دار الفكر العربي، القاهرة، 1995.
  4. عوض الله، الشيخ الامين محمد، اسواق القاهرة منذ العصر الفاطمي حتى نهاية عصر المماليك، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2014.



 ثخذ ضظغ

شارك هذا الموضوع: