الأمثال في الأندلس
للعرب نصيب وافر من الأمثال والعبارات التي تحكي واقع الحياة, فهي عصارة تجارب الأجيال المتعاقبة, وقد صاغوها وبلوروها من خلال حوادث الدهر ووقائع الأيام.
ويبدو أنَّ الأندلسيين كانوا شديدي العناية بالأمثال, وعنايتهم بالأمثال لا تقل عن عناية المشارقة, فقد عقد محقق كتاب (أمثال العوام في الأندلس) فصلاً سمّاه (الأمثال الفصحى في الأندلس), ذكرَ فيه الأمثال في الأندلس من القرن الأول الهجري ولغاية القرن السادس الهجري, وفي ضوء دراستنا للأمثال الأندلسية وجدناها تسير في اتجاهين:
الأول: أمثال ذات أصول مشرقية, فقد وردت في كتابات الملك عبد الله آخر ملوك بني زيري في الأندلس جملة من الأمثال التي تنضوي ضمن هذا النوع, فقد جاء على لسانه في سياق حديثه عن عقد صلح بينه وبين المعتمد بن عباد حاكم إشْبِيلية, إذ قال: “… ولأنَّ كتابنا لم يكن مبنيّاً إلّا على وصف مملكتنا خاصة (والحديث ذو شجون)”.
يجعل الكاتب المثل زينة للناثر, وحجة تعضد ما يقوله, ففيه إقامة للبرهان ودوراناً للحقيقة.
والنوع الآخر: استحدثتهُ البيئة الأندلسية, فقد وردت في كتابات ابن شرف القيرواني كثير من الأمثال التي تحاكي الواقع الذي عاشته الأندلس, ومن الأمثلة على ذلك, قوله في الكرم والبخل: “الجود أنصر من الجنود, ومن بخل بماله سمح بعِرض آله”.
يتحدث ابن شرف في هذا المثل عن الجودِ والبخل, فكأنه يقول: إنّ الإنسان الكريم كالساعي إلى الحرب وفي حوزته كثير من الجند ينصرونه وقت الشدة, ويذللون له الصعاب, ولكن البخيل جامع لمساوئ الأدب, وهذا يجرّ إلى العوز والفاقة عند الأهل, وقد يؤدي بصاحبه إلى ما لا يُحمد عقباه.
ويبدو أنَّ هذه الأمثال كانت تدور على ألسنة الناس في المجتمع الأندلسي, فقد صاغها ابن شرف بأسلوبه الرفيع؛ فالإيجاز والتركيز والوضوح من أهم مميزات المثل العربي؛ بما يحمل من خبرة طويلة عاشها الفرد تمسّ الجوهر الإنساني في الصميم, ولهذا يسهل تداوله وتنقلهُ عبر العصور.
مصادر المقالة:
1- أدب الأمثال والحكم, طالب السنجري, ط2, مجمع البحوث الإسلامية, مشهد, 1422هـ.
2- أمثال العوام في الأندلس, أبو يحيى عبيد الله بن أحمد الزجالي القرطبي (694هـ), تحقيق: محمد بن شريفة, منشورات وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية والتعليم الأصلي, 1975م.
3- تاريخ الأدب الأندلسي, د. مصطفى السيوفي, ط1, 2008م, الدار الدولية للاستثمارات الثقافية, القاهرة.
4- خريدة القصر وجريدة العصر, العماد الأصفهاني, تحقيق: عمر الدسوقي و علي عبد العظيم, دار نهضة مصر, القاهرة.
5- مذكرات الأمير عبد الله آخِر ملوك بني زيري بغرناطة (483هـ) المسمّى بكتاب التبيان, تحقيق: ليفي بروفنسال, دار المعارف, مصر.
6- ملامح التجديد في النثر الأندلسي خلال القرن الخامس الهجري, مصطفى السيوفي, ط1, 1985م, عالم الكتب.