الأهمية الاستراتيجية للعراق في مبادرة الحزام والطريق الصينية
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة كربلاء
كلية التربية للعلوم الإنسانية
قسم الجغرافية التطبيقية / الدكتوراه
عنوان المقالة:
الأهمية الاستراتيجية للعراق في مبادرة الحزام والطريق الصينية
إعداد طالبة الدكتوراه :
شهد علي عبيس السعيدي
٢٠٢٥
أولاً / مفهوم مبادرة الحزام والطريق
هو مشروع اقتصادي عالمي يتكون من شقين: الأول بري أسمه الطريق، والثاني بحري أسمه الحزام، وبذلك يصبح أسم المبادرة الحزام والطريق.
تعد مبادرة الحرير مشروع واسع النطاق، الهدف منه ربط بلدان العالم بشبكة من الطرق البرية وسكك الحديد والموانئ وخطوط أنابيب النفط والممرات البحرية وشبكة من الاتصالات السلكية واللاسلكية.
أول من أطلق هذه المبادرة الرئيس الصيني ( شي جين بينغ ) في عام ٢٠١٣ وتعد فروعاً استراتيجية شاملة طويلة الأجل تهدف إلى ربط الصين بجنوب شرق آسيا ووسطها والشرق الأوسط وأوروبا و أفريقيا من خلال طريقين رئيسين هما حزام طريق الحرير الاقتصادي البري وطريق الحرير البحري.
والحزام يقصد به الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري، أي بناء شبكة شاملة متفرعة عن طريق الحرير الأساس الذي يبدأ من الصين ومن ثم ربطها مع وسط آسيا وروسيا وتركيا وأوروبا والبحر الأبيض المتوسط .أما فيما يخص الطريق فيقصد به طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين أي بناء شبكة بحرية تستهدف ربط الساحل الصيني بأوروبا عبر الصين الجنوبي والمحيط الهندي وقناة السويس والبحر المتوسط بطريق واحد وصولاً إلى السواحل الأفريقية، وربط الساحل الصيني ومنطقة جنوب شرق آسيا والباسفيك .
ثانياً / أثر استراتيجية الحزام والطريق على العراق وبلدان الشرق الأوسط.
يمتلك العراق الإمكانية الكبيرة لانضمامه للمبادرة بحكم الموقع والمعطيات المتوفرة من الناحية الاقتصادية، وان العراق لديه الإمكانية للدخول المباشر إلى المبادرة والانضمام إلى بنك الاستثمار الصيني للحصول على القروض، كون إن البنك أنشأ لغرض التمويل المالي للمبادرة حول العالم برأس مال يصل إلى ستة ترليون دولار أمريكي، وهو مبلغ أولي للشروع بالمباشرة بالمشروع والتي تشمل (٦٥) دولة وتنتشر في آسيا وأوروبا وأفريقيا والبلدان المحيطة بالعراق إقليمياً وهي كل من السعودية وتركيا و إيران.
ولتحقيق الفائدة القصوى للعراق ولسهولة الوصول إلى البلدان الآسيوية النامية اقتصادياً فأن من الممكن الوصول إلى ذلك الهدف عبر ربط السكك الحديدية العراقية بالسكك الحديد الإيرانية التي أصبحت مفتاحاً للجسر الآسيوي الأوربي، لأن السكك الحديدية الإيرانية تربط مشهد في شمال إيران ومدينة سرخس في تركماستان ، وقي حال ربط العراق بالسكك الحديدية الإيرانية وبحكم موقع العراق الجغرافي فأن العراق سيكون البوابة القريبة للمنطقة العربية للريط في المبادرة ، خاصة وأن إيران تعمل ومنذ فترة ليست بقليلة على إنشاء خط حديدي جديد من طهران إلى مدينة باست يرن في محافظة كرمان شاه غرب إيران ومن ثم إلى جانب الحدود العراقية وفي الوقت ذاته يوجد في العراق خط سكة حديد يمتد من العاصمة بغداد إلى الحدود العراقية الإيرانية عند مدينة خانقين ضمن محافظة ديالى.
فضلاً عن ربط المنطقة بالمناطق القريبة من الحدود العراقية الغنية بالنفط والغاز الطبيعي وسيمهد هذا المشروع ربط العراق والدول العربية بشرق ووسط آسيا وإذا ما تحقق إنجاز هذا المشروع فأنه يمكن القطارات السريعة التي تنطلق من العراق إن تصل الصين في غضون يومين. حيث تسعى أغلب البلدان العربية للانضمام إلى المبادرة، حيث وقعت الصين اتفاقيات للتعاون في إطار المبادرة مع العراق والسعودية وعمان والمغرب وتونس والكويت والإمارات والجزائر والسودان ومصر وقطر .
ومن المرجح أن يؤثر الممر الاقتصادي الذي يربط الصين وآسيا الوسطى والغربية على دول الخليج العربي، كون هذا الممر يتيح لإيران أن تصبح مركزاً ومعبراً لوجستياً، فضلاً عن قدرتها لإمداد الصين بمصادر الطاقة الأقرب والأقل تكلفة بالنسبة للصين .
ثالثاً / دور العراق في حال انضمامه إلى المبادرة الصينية
إن انضمام العراق إلى المبادرة الصينية الحزام والطريق سوف لا تقتصر على التبادل التجاري بين البلدين بل سيستدعي ذلك مرور التجارة بين شرق وجنوب شرق آسيا من جهة ودول المنطقة الغربية وأوروبا من جهة أخرى، بما يوفر للعراق عوائد مالية كبيرة من خلال الرسوم المتحصلة من مرور السلع من خلال ميناء الفاو والقناة الجافة التي ستمر من خلالها البضائع، فضلاً عن توفر فرص عمل كبيرة تحتاج إلى قدرات وتخطيط استراتيجي كبير قد يساهم في تحقيق حلم مرور طريق الحرير من خلال العراق، فضلاً عن ذلك فأن الصين تدرك أيضاً إن العراق يعد مركز ثقل اقتصادي كبير ومهم فقد أبرمت مع العراق العديد من العقود الاستثمارية في مجال استثمار وتطوير الحقول النفطية وبوتيرة متصاعدة وخاصة بعد عام ٢٠٠٣ وإنشاء خط للأنابيب في قضاء الكوت بقيمة (١،٢) مليار دولار.
وبالنظر للزيادة الكبيرة للاستهلاك الصين لمصادر الطاقة برزت مكانة العراق كمصدر رئيسي للنفط وهذا ما سيضع العراق في قلب الاستراتيجية الصينية المستقبلية خصوصاً بعد تراجع حجم الواردات النفطية من النفط الإيراني بعد العقوبات الأمريكية على إيران ومنع جميع الشركات العالمية التي تتعامل مع إيران من دخول السوق الأمريكية.
وتخطط الصين لأقامه طريق سريع يربط طريق الحرير بسوريا والعراق ولبنان، حيث تركز الصين بالدرجة الأساس على العراق وحجم الاستثمارات في قطاع الطاقة النفطية والغازية، والعمل على توسيع شبكات الصين النفطية، خاصة إن العراق لا يزال يمثل المصدر الرئيسي لوارداتها، والصين تدرك جيداً أهمية موقع العراق الجيوستراتيجي، فقد سعت الصين إلى مشاركة العراق في المبادرة على اعتبار أن العراق يقع في قلب مسار الطريق، وبالتالي سوف يؤدي عند تنفيذه إلى تحقيق تنمية اقتصادية مشتركة للبلدين وتسهيل عمليات التجارة والاستثمار.
ومن المرجح أن يكون العراق أحد المصدريين الكبار الاقليميين للغاز في الوقت القريب بعد عام ٢٠٢٠، كونه يمتلك احتياطي كبير من الغاز الطبيعي، وهذا معناه سيكون دافعاً للصين لاستيراد الغاز العراقي والذي يعني فنياً ضرورة إشراك العراق في أنبوب الغاز ضمن مبادرة الطريق الذي يمر من مصر والعراق عن طريق سوريا ولبنان ويتم ربطه مع أذربيجان وروسيا عبر خط أنابيب (باكو).
ولتذليل العقبات أمام هذه المشاريع الجيواقتصادية والسياسية لابد من تحقيق ما يأتي:
تطوير السواحل العراقية وفق نظرة استراتيجية تأخذ بنظر الاعتبار المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية والاقليمية والدولية، بحيث تنصب نظرة هذه الاستراتيجية اتجاه الانضمام إلى المبادرة الحزام والطريق الصينية.
تكثيف الجهود في سبيل سرعة انجاز المشروع الفاو الكبير واعتباره جزء من الأمن القومي العراقي والعمل على إنجاز مشروع القناة الجافة لربط ميناء الفاو بالدرجة الأساس مع أوروبا لغرض إكمال الحلقة المفقودة في خطة ربط العراق بطريق الحرير، والذي بدوره سيوفر فرص عمل لآلاف العاطلين عن العمل.
حل النزاعات المتعلقة بالحدود البحرية خاصة مع إيران والكويت بصيغة تضمن نجاح المشروع بعيداً عن المجاملات التي تظهر بفاعلية الميناء والعمل على التحشيد الإعلامي الدولي والتعريف بأهمية الميناء الاستراتيجية بالنسبة للبلد والعالم أجمع.
وبناء على مما سبق يتوجب على العراق اتخاذ خطوات جادة للانضمام إلى المبادرة والحزام والطريق، ومن أجل إنجاح وسرعة إنجاز ميناء الفاو الكبير وربطه بالقناة الجافة، بحيث تكون مسالك واتجاهات القناة تنصب في مصلحة البلد بالدرجة الأساس، وتكون الموانئ العراقية نقطة انطلاق للقناة وليس خارج الحدود لان جميع الخطوط تنطلق من خارج الحدود و لا ترتبط بميناء الفاو الكبير وهذا واضح وبدل على تهميش وابراز ورقة إعدام ميناء الفاو ولغايات جيوسياسية .