الأهمية الستراتيجية لميناء عدن في اليمن
م.م. زينب محمد ياسين / قسم الجغرافية التطبيقية
شهد النقل بالبحر والممرات المائية والمضائق أهمية استراتيجية كبرى في حسابات الأطراف المتنافسة الإقليمية والعالمية في الآونة الأخيرة، متجاوزة الحدود الجغرافية نظرا لأن الممرات المائية تمثل شريان الطاقة. فبعد انسحاب الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) من الاتفاق النووي الإيراني في 8/5/ 2018، وجدت نوع من الازمات في المياه الإقليمية، وتعرض أمن الملاحة الى خطر خاصة بعد قيام الجمهورية الإسلامية الايرانية باسقاط الطائرة التجسسية الامريكية بتاريخ 4/12/2011، اعقبها حرب الناقلات حيث تم استهداف أربع ناقلات قبالة ساحل الفجيرة الامارتية بتاريخ 12/5/2019،عليه أولت معظم القوى العالمية والإقليمية أهمية جيوبولتيكية للمؤانئ والممرات المائية التي تقع معظمها في دول العالم الثالث.
في الاطار نفسه، لم يكن ميناء عدن بمنأى عن تلك المؤانئ التي طالتها الفكر الجيوبولتيكي للدول ، فقد كان جزءا من الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية لإنشاء قاعدة عسكرية في هذه الموانئ بوساطة الدول الإقليمية ، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ، بغية السيطرة على حرية حركة التجارة والملاحة عبرخليج عدن والبحر الاحمر ، ومع انطلاقة عمليات “عاصفة الحزم” (2015) م ، وجدت دولة الإمارات فرصة لتحقيق أهدافها المختلفة عن حليفتها السعودية المتمثلة ضمان حدودها الجنوبي مع خصمه التاريخي ( حركة انصار الله الحوثيين) ، فقد بنت استراتيجياتها في جنوب اليمن وتسعى جاهدة السيطرة على الموانئ وفي مقدمتها ميناء عدن الاستراتيجي الذي تعتبره مهددا ومنافسا لموانئ دبي التي طورتها على حساب إضعاف ميناء عدن وتعطيله معززة تواجدها الميداني بقوة عسكرية وأمنية عبر تشكيل ما يسمى “قوات الحزام الأمني” وأوكلت مهمة إدارة الحزام إلى الحركات السلفية وفصائل الحراك الجنوبي في جنوب اليمن .
كما تسعى الصين تعزيز تواجدها في المنطقة من خلال “مبادرة الحزام والطريق” وتعتبر هذا الميناء نقطة استراتيجية أيضا بما فيه السيطرة على التجارة البحرية العالمية ، والأمر لايختلف كثير بالنسبة لمعظم دول الاتحاد الأوربي ولنفس الأهداف ، وذلك بالنظر الى أهمية الموقع الستراتيجي للميناء المذكور ، فهو يعد من أفضل موانئ الساحل الجنوبي كله من باب المندب حتى مسقط ذلك لأنه يقع في خليج عميق شبه مغلق ويزيد من أهميته كمحطة طريق هام على خليج طبيعي تحميه الجبال من ناحية الجنوب والشرق من الرياح الموسمية فضلا عن التجهيزات الصناعية الأخرى ، يعتبر ميناء عدن من أهم الموانئ البحرية في العالم وأقدمها على الإطلاق بعد ميناء نيويورك، وتبرز أهمية هذا الميناء في كونه يطل على البحر العربي وخليج عدن، وهو محطة في طريق الملاحة الدولية المطلة على مضيق باب المندب وخليج عدن التي تربط الشرق بالغرب وقد كانت تؤدي دورا أساسيا ورياديا في التجارة الدولية كمركز للتجارة الحرة في الشرق الأوسط قبل ميناء جبل علي الإماراتية .
ورغم التحديات الكبيرة التي يواجهها ميناء عدن والتي تعرقل قدرته للاستفادة من موقعه الستراتيجي للنهوض بالواقع الاقتصادي اليمني في ظل الصراعات الداخلية والمطامع الخارجية، فأنه يقع على عاتق أبناء الشعب اليمني نفسه وخاصة في الجنوب ، ان يستعيد ميناء عدن دوره كواحد من أهم الموانئ في المنطقة والعالم لضمان تحقيق التنمية المستدامة التي تخدم مصلحة اليمن بالدرجة الأساس ، وذلك عن طريق تضافرالجهود وتوحيد المساعي والاهداف مع شمال اليمن بعيدا عن الولاءات الخارجية ونبذ خوض الحروب بالوكالة ، سيما بعد الإنجازات التي حققتها في التطوير من قدراتها العسكرية واستخدامها لصالح رد المساس بسيادة اليمن للحفاظ على الأمن القومي اليمني والعربي .