الإمارة 
إحدى الوظائف الهامة في النظام السياسي الإسلامي، وهي لا تقل شأناً وخطورة عن الوزارة وخاصة وزارة التفويض، وتعود نشأة هذه الوظيفة إلى عهد رسول الله ﷺ الذي أرسل ولاته وعماله إلى أطراف الجزيرة العربية، كما حرص خلفاء رسول الله ﷺ على تقليد الولاة وعمال الأقاليم، وذلك لتقوية أواصر الصلة بين الأقاليم المفتوحة وبين المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية انطلاقاً من أن إمام المسلمين واحد وهو مسئول عن رعيته في أنحاء الدولة الإسلامية العلوية وازدادت أهمية الإمارة باتساع الدولة الإسلامية وتمكين الفتوحات للإسلام في آسيا وأفريقيا وأوروبا، ومن ثم عول خلفاء المسلمين على عدد من الولاة الأكفاء لحكم وإدارة تلك الأقاليم.
«أفراد ينوبون من الخليفة في ادارة شؤون اماراتهم» 
     ويعود ظهور الإمارة العامة والإمارة الخاصة إلى عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد عيَّن عتاب بن أسيد أميرًا على مكة بعد فتحها، وكانت إمارته عامَّة، وعيَّن زيد بن حارثة أميرًا على جيش المسلمين المتوجّه إلى الشام، وحارب الروم في معركة مؤتة المشهورة سنة 8هـ/629م، وكانت ولايته خاصة.
اهم امراء النبي (ص) هم 
1-في مكة  عتاب بن اسيد الاموي    2-في الطائف عثمان بن ابي العاص  3- في صنعاء المهاجر بن ابي امية  4-في حضرموت زياد بن لبيد   5-في البحرين العلاء بن الحضرمي 
اما الامارة فهي نوعين امارة عامه وامارة خاصة 
أولا العامه فتقسم الى قسمين 
أ – امارة استكفاء :
وهي التي كانت تعقد عن اختيار . أي أن الأمير يتولاها برضى الخليفة واختياره . ومهام صاحب امارة الاستكفاء : النظر في تدبير الجيوش ووضع الخطط الحربية . وتقليد القضاة، وجباية الخراج، وقبض الصدقات واقامة الحدود، وتسيير الحجيج ، وجهاد الأعدا متوتوزيع الغنائم بين المقاتلين ، والأمامة في الجمع والجماعات وحماية الدين والذب عن الحريم .
 
ب – امارة استيلاء : وهي التي كانت تعقد عن اضطرار، أي أن الأمير كان يأخذها كرها فيضطر الخليفة الى اقراره عليها وفي هذه الامارة يستبد الأمير او الوالي أو العامل بالسياسة والتدبير، ولكنه يترك للخليفة وحده كل شأن يتعلق بالدين، والأمور الروحية ، رعاية للرمز الديني الذي يمثله الخليفة او الامام. 


واما الامارة الخاصة :
     فيكون صاحبها مقصور الامارة على تدبير الجيوش ، وسياسة الرعية ، وحماية المجتمع وموضع السلطان ومستقر الدعوة   ، والذب عن الحريم ، وليس له ان يتعرض للقضاء والأحكام ولجباية الخراج والصدقات.
     كان خلفاء رسول الله ﷺ يقلدون إمارة البلدان لقوادهم الفاتحين، ويفوضون لهم صلاحيات واسعة حرصاً على مصلحة البلاد، ومع ذلك فقد ظلت العلاقة قوية بين هؤلاء الأمراء وبين حكومة المدينة.والإمارة من ولاية أمر المسلمين، وتتفق مع الوزارة في كون الأمير نائباً عن الخليفة، لكنها تختلف عنها في بعض الوجوه، إذ تتحدد سلطة الأمير أو الوالي في نطاق إقليمه أو إمارته.
     وعندما تولى الخلافة أبو بكر اقر عمال النبي على اعمالهم ، فجعل أبا عبيدة عامر بن الجراح على المال واسند أمر القضاء الى عمر بن الخطاب ، وللامام علي (ع) أمر الفتوى في الحوادث والمشكلات، وكان العمال يختارون القضاة ويقلدونهم في الاقطار المختلفة التي كانوا يلون امرها وقد قسمت بلاد العرب في عهد أبي بكر الى عدة ولايات . هي  1- خولان وعليها يعلى بن امية    2- زبيد ورمع وعليهما أبو موسى الاشعري    3- الجند عليها معاذ بن جبل     4- ونجران  عليها جرير بن عبدالله البجلي         5-وجرش عليها عبدالله بن ثور . 
       وبعد ان اتسعت الدولة الاسلامية في عهد عمر بن الخطاب بسبب الفتوحات قسم الدولة الى اقسام ادارية كبيرة ليسهل تسيير شؤونها وادارتها وهي : ولاية الأهواز والبحرين، وولاية سجستان ومكران وكرمان، وولاية طبرستان ، وولاية خرسان – وجعل بلاد فارس ثلاث ولايات .
 وقسم العراق إلى قسمين : أحدهما حاضرته الكوفة والثاني حاضرته البصرة ،
 وقسم بلاد الشام الى قسمين : أحدهما حاضرته حمص والآخر حاضرته دمشق، وجعل فلسطين قسما بذاته. وقسم افريقية إلى ثلاث ولايات : مصر العليا ، مصر السفلى وغربي مصر وصحراء ليبيا .
        فكان عمر بن الخطاب أول من وضع اسم النظام الاداري للدولة الاسلامية ونظم ادارتها  فكانت سياسته تهدف الى تماسك بلاد العرب وادماجها لتكون امة واحدة هي الأمة العربية . كما كانت سياسة هذا الخليفة ترمي الى منع اختلاط العرب بأهل البلاد المفتوحة كي يحافظوا على قوميتهم . وقد عين عمر على هذه الولايات عمالا أو ولاة كانوا يستمدون سلطتهم من الخليفة . وكان أمراء الأقاليم يسمون عمالا، ويفيد معنى عامل أن صاحبه ليس مطلق السلطة . ثم كلمة ” والي ” وهذا يدل على النفوذ والسلطان كما كانت بالنسبة للحجاج بن يوسف والى العراق زمن عبد الملك بن مروان . كذلك اطلقت عليه كلمة ” أمير ” .
     ووجد في كل اقليم (عامل او والي او امير)   وكان عمر يختار أولئك العمال او الولاة من العرب لا لعصبية عنده ، ولكن لمقدرتهم على فهم الشريعة الاسلامية وتعاليمها ، لأنه كان عليهم أن يقيموا بالناس الصلاة ويحكموا بينهم بالحق ويقسموا بينهم الأموال والغنائم  ولم يكن عمر بن الخطاب يترك عماله دون مراقبة، فكان يقتص من عماله اذا خالفوا كما كان يوصيهم بالخير وعدم الاعتداء، كما كان يوصيهم بتقى الله ، ويتحسس اخبارهم في الولايات .
 
      ونهج عثمان منهج عمر الا ان الادارة ضعفت في النصف الثاني من عهده ، بسبب تأثره بأقاربه من بني أمية مما ادى الى تأمر الرعية في الولايات الاسلامية فثاروا عليه واشعلوا نار الفتنة التي ادت الى مقتله . فلما ولي الخلافة الامام علي (ع)  بادر الى عزل عمال عثمان ليضع حدا للتذمر، وكان في عهده ان الأمير أو الوالي يتخذ من المسجد مكانا الاجتماعات . فمنه تذاع الأخبار العامة للمسلمين ومن على منبره تلقى الخطب والتوجيهات والبيانات السياسية والدينية والاجتماعية. 
     وكان الخلفاء الراشدون يستعينون في إدارة شئون الدولة بمجلس من الشيوخ يتألف من كبار الصحابة وأعيان المدينة ورؤساء القبائل ، وكانوا يجتمعون في مسجد المدينة ، ولا يقطع الخليفة أمراً دون استشارتهم . وكان نظام الحكومة في الثلاثين سنة الأولى للإسلام أقرب ما يكون إلى النظام الجمهوري .
                             في العصر الاموي 
      ولما جاء العهد الأموي بقى النظام الإداري نظام اللامركزي  بسيطا غير معقد فلم تكثر فيه . اختصاصات العمال ، وظلوا يختارون ولاتهم من العرب أو من الأسرة الأموية وازداد نفوذ الوالي في هذا العهد فكانوا يجمعون الأموال بطرقهم الخاصة دون الرجوع الى الخليفة في كثير من الأحيان ، وحتى أن سلطة بعضهم كانت مطلقة على أرواح البشر . وكان الولاة في بعض الأقاليم يستعينون في إدارة البلاط بطائفة من كبار الموظفين اهمهم عامل الخراج او صاحب بيت المال والقاضي والقائد او صاحب الشرطة . 
وكانت الدولة الإسلامية في هذا العصر مقسمة إداريا الى خمس ولايات كبرى وهي : 
1-الحجاز واليمن وتواسط بلاد العرب    2- مصر    3- العراق   4- بلاد الجزيرة ويتبعها ارمينية وأذربيجان وبعض أراضي اسيا الصغرى   5- افريقيا الشمالية   
                                        في العصر العباسي 
        قد وضع أبو جعفر المنصور نظام سارت عليه الدولة العباسية وهو النظام المركزي الذي كان فيه الخليفة هو مصدر كل قوة كما كان مرجع كل كل الأوامر المتعلقة بإدارة الدولة وكان يختار عمال الأقاليم بنفسه للقيام على إدارة شئونها  وفي هذا العصر تقلصت سلطات الولاة ، فاقتصرت على امامة الصلاة وقيادة الجيوش ، اذ كان غيرهم من الموظفين يقومون بتسيير الأمور الادارية وتنظيمها وكان الخليفة يختار الولاة بنفسه. وكان الخليفة اذا شك في صدق عماله او عدم ولائهم يأمر بمصادرة أملاكهم كلها ، وبتزايد ضعف الخلافة العباسية صار العمال يفضلون البقاء في بغداد وينيبون من يلي الامر باسمهم في الأقاليم ولما اشتد الضعف في السلطة المركزية ساء الحال في الأقاليم ، حتى جنح العمال الى الثورة والاستقلال في ولاياتهم . فقامت في مصر الدويلات الطولونية والأخشيدية ، كما قامت في المشرق الدويلات الظاهرية والسامانية والصفارية وغيرها .
                                       في العصر الفاطمي 
       لم يدخل على النظام الإداري أي تغيير في مصر حتى جاءت الدولة الفاطمية فأدحلت عليه بعض التعديل . كان جوهر الصقلي ينوب عن الخليفة في الإدارة فقد افسح المجال امام المغاربة لكي يستطيعوا الالمام بالنظم الإدارية التي كانت تسير عليها الدولة  وكان في هذا العهد عدة دواوين يرأس كل منها موظف كبير  منهم صاحب ديوان الجيش وديوان صاحب الطراز وديوان الاحباس وديوان الرواتب ، وكان عدد الموظفين في هذا العهد كبيرا .  منهم صاحب الباب و صاحب الرسالة وصاحب بيت المال . 
                                         في عهد المماليك 
      وقد حدثت في عهد المماليك تغييرات جوهرية في النظام الإداري في مصر . فقد استعان السلطان الظاهر بيبرس في إدارة شئون دولته بالأمراء المقربين إليه. فولاهم أرقى المناصب ، كما أحيا وظيفة نائب السلطان التي أنشئت في عهد الدولة الأيوبية ، وذلك لكثرة تغيبه عن مصر ، ولرغبته في أن ينوب عنه أثناء اشتغاله بالحروب الخارجية أحد كبار رجال دولته . فكان هذا النائب يقوم مقام السلطان أثناء غيابه، ويشترك معه في توزيع الإقطاعات وترشيح الأكفاء المناصب الدولة ، ولا تساع سلطته سمى ( كافل الممالك والسلطان الثاني).
 
     كذلك اتخذ الماليك وزراء لهم يستأنسون بآرائهم، ولكن سلطتهم لم تكن كاملة لقيام ( النائب ) مقام السلطان أثناء غيابه . وكذلك كان يرافق السلطان في أسفاره وزير يعرف باسم ( وزير الصحبة » . وظلت الوزارة قائمة في مصر في عهد المماليك حتى ألغاها الناصر محمد بن قلاوون واعتمد على  ناظر الدولة ، في إدارة شئون البلاد. وكانت رتبته على الوزارة ، ويعاونه كثير من الموظفين يعرفون بالمستوفين ، ولهم رئيس يسمى ( مستوفى الصحبة ، ، مهنته إعداد المراسيم الخاصة بتنظيم شئون الدولة وتعيين صفار الموظفين .
     فقد الغى الناصر وظيفة النائب واضطلع بما كان يقوم به النائب والوزير .كما استحدث وظيفة (ناظر الخاصة ) وكانت مهمته على إدارة أموال السلطان ،غير نفوذة لم يلبث ان ازداد لكثرة تقربه من السلطان جتى اصبح يتدخل في أمور السلطان الخاصة .
     وفي عهد المماليك استحدثت وظائف أخرى ، منها (رأس نوبه الأمراء )و (أمير المجلس ) و « أمير السلاح » . وكان يتولى الأول الرئاسة على أمراء الدولة ويعهد إليه بمحاكمة المماليك السلطانية. أما « أمير المجلس » ، فكان يقوم بحراسة السلطان ، وازداد قربه منه حتى أصبح يحرسه في داخل قصره ، بل في حجرة نومه . واختص (أمير السلاح ) بالإشراف على مخازن الأسلحة ومعدات الحرب .
       ومن الوظائف الهامة التي ظهرت في عصر الماليك ، وظيفة صاحب العسس ووظيفة ( الولاية ) ، وهى تقابل ما يعرف في العصر الإسلامي الأول بالشرطة .
 

شارك هذا الموضوع: