الابعاد الجغرافية لمشاريع التوسع الصهيونية في المنطقة العربية
الابعاد الجغرافية لمشاريع التوسع الصهيونية في المنطقة العربية
د. نور حسين الرشدي
أن إسرائيل التي أوجدت كما ارتأى مخططو السياسة الاستعمارية لتكـون رأس حربـة لمخططـاتهم الاستعمارية في المنطقة العربية، وابقاء المنطقة مجزأه وفي حالة من الضعف حتى تمكـنهم مـن الـسيطرة علـى المواقـع الاستراتيجية للدول ونهب ثرواتها وجعل دولها سوقًا لتصريف منتجـاتهم، وتدرك إسرائيل أن بقاءها مرهون باستمرار ادائها لهـذه الوظيفـة التي اوجدت من أجلها، كما تدرك أيضا أنه بمقدار ما تحرزه من نجاح في أدائها لهـذ ا الدور، أي في تفتيت المجتمعات العربية وإضعافها واستنزاف طاقاتها فـي نزاعـات داخلية على أسس قومية او دينية أو صراعات عربية بينية سيكون بمقدورها ان تتوسع وتحقيق لأهدافها.
ونجد ان الاستراتيجية الصهيونية السياسية تكرسها أيـضاً دراسـات كثيـر مـن المفكرين الصهاينة، ففي كتاب للمفكر الصهيوني أريه أورنـشتاين، الذي جاء فيه (على نقيض شعار الوحدة العربية الذي ينادي به العرب، إنني أومن بعد مدة بتفسخه وظهور طوائف عرقية وجغرافيـة مثـل لبنـان المـسيحي ومنطقة الأكراد شمال العراق وجبل الدروز ودولة إسرائيل … هذا التجمع الممثـل فـي الهلال الخصيب سيكون بقيادة إسرائيل) ، وفي دراسة بعنوان : (استراتيجية إسرائيل في الثمانينات ) نشرها الكاتب الـصهيوني عوديـد يينــون في عــام ١٩٨٢م وتظهر هذه الدراسة مشروع الكيان الـصهيوني الخـاص بتقسيم المنطقة العربية إلى دويلات طائفية صغيرة متباعدة ومتنافرة، ومما جاء في تلك الدراسة: (أن مصر بوصفها جسداً مركزياً، فإن هذا الجسد قد مات لاسـيما لـو أخذنا في الاعتبار المجابهة التي تزداد بين المسلمين والمسيحيين، كما أن تقسيمها إلـى مقاطعات جغرافية منفصلة يجب أن يكون هدفنا السياسي في التسعينات، علـى الجبهـة الغربية، فإذا تفككت مصر وحرمت من السلطة المركزية، فإن بلداناً أخرى مثـل ليبيـا والسودان وغيرهما من البلدان فيمابعد ستعرف نفس التفكك ويجسد تقسيم لبنـان إلـى خمس محافظات ما سيحدث في العالم العربي بأسره، وتفكـك سـوريا والعـراق إلـى مناطق محددة على أساس المعايير العرقية أو الدينية ينبغـي أن يكـون علـى المـدى الطويل هدفاً ذا أولوية لإسرائيل اما العراق الغنـي بـالبترول والمرتـع للمنازعـات الداخلية هو خط التسديد الإسرائيلي، وتفكيكه سيكون بالنسبة لنا أهم من تفكيك سـوريا، لأنه يشكل على المدى القصير أخطر تهديد لإسرائيل، وهذا يعني تكريس مفهوم جديـد قائم على أن المنطقـة العربية هي مزيج من الأقليات الدينية والطائفية والعرقية والإثنية، ليس لهـا رابط يجمعها، ومن ثـم فإن النتيجة المنطقية هي أن تكون لكل أقلية دولتها الخاصة بها، وفي إطار هذا المفهوم يكتسب الكيان الصهيوني شرعيته ويبرر وجوده باعتباره إحدى الدول الدينية أو القومية في المنطقة.
ويمكن التطرق الى ثلاثة محاور جغرافية للتوسع الصهيوني بالمنطقة الذي اتخذ اشكالا متعددة واهمها :
أولاً : جغرافية التوسع الصهيوني ( الشرق الأوسط الجديد )
لقـــد تطرق الكثير مـــن علمـــاء السياسة إلـــى مشـــروع الشـــرق الأوســـط الكبير عنـــد حديثهم فـــي أدبيات العلاقـات الدولية، كما فعل علماء غيرهم في التاريخ والاقتصاد كـــل حســـب تخصصه، ولطبيعة الوقــوف حــول هــذا الموضــوع ينبغي معرفــة ماهية المشــروع :
یعد هذا المشروع بمثابة الموجة الثالثة مـن المشـروعات الشـرق أوسطية ، إذ أخفـقت الـدول الكبـرى في طرحها، وكـان أولهمـا حلـف بغـداد 1955عـام، وثانيهما مـا یمكن تسميته بشـرق أوسطية أوسـلو الـذي قدمـه شمعون بیریز في كتابه الشرق الأوسط الجدید عام 1993، ولكن هذا المشروع لم یرَ النـور، نظـراً لافتقـاده للحلـول واقتصـاره علـى تحقيق المصـالح الأمريكية والإسرائيلية، عـلاوةً علـى عـدم توافـق منطلقـات هذا المشروع، وتوجهات الیمین المتطـرف الإسرائيلي فـي أعقـاب وصـول بنیـامین نتنیاهو إلى الحكم في إسرائيل.
اما الثالث بمـا یسـمى الشـرق الأوسـط الكبیـر الـذي ارتـبط مفهومـه برؤية أمریكیـة صهيونية خاصـة لمسـتقبل هـذه المنطقـة وبلـدانها للمصـالح الأمريكية فیها وهو مصطلح تعود جـذوره إلـى مهندسو إدارة بـوش وهو مـن أدبيات الحـرب البـاردة المعـروف بنظریـة الـدومینو فـي حقبـة الستينات أبـان الحـرب الباردة بین المعسكرين الرأسـمالي والاشـتراكي، والخـوف الأمريكي مـن وقـوع عـدد كبیـر مـــن الـــدول تحـــت الحكـــم الشيوعي ولاسيما فـــي آسـیا، (وتحدیـــداً فیتنـــام) وامتــداده إلــى الــدول المجــاورة بمــا فــي ذلــك الهنــد، ممــا أدى إلــى خــوض حــرب في فيتنام ، إذ تصـورت إدارة بـوش أن إزالـة نظـام صـدام حسـین عـن السـلطة باسـتخدام القـوة العسكرية وإقامة نظـــام ديمقراطي فـــي العـــراق سيحدث تغییـرات فـــي دول الجـــوار، فتتهاوى باقي الأنظمـة الواحـدة تلـو الأخـرى كمـا تسـقط أحجـار الدومينو ، وقــد طــرح المشــروع لأول مــرة، بــدءاً بالرئيس جــورج بــوش ونائبــه دیــك تشــیني ومراكــز صنع القرار الأخرى ویعتمـد المشــروع بالدرجة الرئيسة علــى عــدد مــن الأمــور التــي ينبغي تحقيقها، ولعــل فــي مقــدمتها الديمقراطية والحكــم الصــالح أما الأهداف السریة والعلنية للمشروع : وتتمثل بالآتي :
1..تغییر جميع أنظمـة الحكـم القائمـة، كمـا حـدث فـي العـراق وأفغانسـتان، واستبدالهم لقـــادة جـــدد يتبنون الایدیولوجیـــة الأمريكية – الصهيونية فـــي المنطقــة، وهو ما حدث فعلا من تغيير في الربيع العربي وهو ما تم تفسيره على انه إدماج لإسرائيل في المنطقة .
إرغـام الـدول العربية علـى توطيد أواصـر السـلام مـع إسرائيل دون أية تنازلات منهامقابل هذا التقارب.
ضمان أمن إسرائيل من خلال التخلص مـن جماعـات المقاومة الاسلامية حمـاس والجهـاد وكل القوى الفلسطينية المناوئة لإسرائيل والرافضة للتنازلات مـع الكیان الصهيوني، والقضـــــاء علـــــى حــزب الله فـــــي لبنــان لتوفير الأمـن الإسرائيلي
اذكـاء الخلافـات بـین الأقليات فـي الـوطن العربـي كمـا هـو حادث في مصر وسوریا والسودان… الخ
والاهم هو تصفية القضية الفلسطينية، والعمــل علــى إبقــاء حالــة التشــتت فــي الــدول العربية الإسلامية، وعرقلـة أي تقـارب بینهـا الـذي مـن شـأنه الوقـوف بوجـه التهديدات الأمريكية .
وفي تلك الفترة قد استطاع برنارد لويس المؤرخ البارز للشرق الأوسط في ان يوفر من الذخيرة الإيدلوجية لإدارة بوش في قضايا الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب؛ حتى إنه يعتبر منظر لسياسة التدخل والهيمنة الأمريكية في المنطقة، وقد شارك لويس في وضع استراتيجية الغزو الأمريكي للعراق ، و في مقابلة أجريت مع “لويس” في ٢٠٠٥/٥/٢٠م قال الآتي بالنص” :
(إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا ترِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات، وتقوض المجتمعات ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية ،إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك، إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية )، اما المحور الثاني لسياسة التوسع الصهيونية فيتمثل بصفقة القرن
هو المشروع او المبادرة التي اطلقها الرئيس الأمريكي ترامب في عام 2017 والتي يسعى من خلالها الى حل الصراع العربي الإسرائيلي ويفتح الأبواب امام شرق أوسط مستقر مع تايد إقامة دولة فلسطينية بما لا يتعارض مع المبدأ الرئيسي الذي تتبناه أي إدارة أمريكية وهو امن إسرائيل ومصالحها ، ويسعى المشروع الى تبادل الأراضي بين العرب والكيان الصهيوني لأجل إحلال السلام بما يتفق مع المصالح الإسرائيلية وهو مخطط صهيوني قديم يستكمل مخططات التغيير في الشرق الأوسط جغرافيا وسياسيا واقتصاديا ومن الواضح أن هذه الصفقة تتكون من مرحلتين رئيسيتين:
الأولى: حل الصراع العربي الإسرائيلي وفق ما يسمى حل الثلاث دول بدلا من حل الدولتين، بمعنى «دولة إسرائيل-دولة أردنية تضم الضفة الغربية بدون القدس والمستوطنات أي إقامة كونفدرالية مع الأردن، اما مصر تضم غزة أو دولة في غزة مع جزء من سيناء.» أي انهاء الوجود الفلسطيني في فلسطين ووضع نهاية لفكرة الدولة الفلسطينية.
الثانية: إنهاء العداء بين الدول العربية ودولة الاحتلال، وإقامة علاقات طبيعية وشاملة بين الطرفين، بناء على تحقيق الجزء الأول من الصفقة المتمثل بحل القضية الفلسطينية ، لم تنجح هذه الفكرة بسبب رفض دول عربية على ارتباط مباشر بالقضية الفلسطينية أو ترددها لأسباب داخلية، وكان موقف الأردن من نقل السفارة الأمريكية للقدس مؤشرا على عدم مقدرة النظام فيه على قبول الصفقة، ولم تعلن مصر رفضها الواضح والصريح للصفقة، ومن الممكن ان يكون أن نظام السيسي مؤهل ومستعد لقبولها، ومن الممكن إعادة النظر بهذا المشروع بعد انتخاب ترامب كرئيس للولايات المتحدة .
بعد تعثر تحقيق أو فرض المرحلة الأولى من صفقة القرن (حل القضية الفلسطينية) للأسباب المذكورة آنفا، أصبح واضحا أن الإدارة الأمريكية وبعض دول المنطقة قررت الانتقال إلى المرحلة الثانية مباشرة، وهي التطبيع مع دولة الاحتلال وإقامة علاقات سياسية ورياضية وأمنية وتجارية بين الدول العربية، بالاستفادة من الوضع العربي الضعيف، ومن تراجع القوى الشعبية، وغيرها من التغيرات الجيو- ستراتيجية التي تلعب لصالح الاحتلال في الوقت الراهن.
وبهذا، تنتقل هذه الدول من صفقة بائسة مرفوضة شعبيا وحتى رسميا من بعض الدول، إلى صفقة أشد. سوءا، وهي التطبيع دون حل يقبل به الفلسطينيون، اما المحور الثالث: جغرافية التطبيع والمصالح الصهيونية المعروفة باتفاقيات ابراهام، وقد سميت اتفاقيات أبراهام (إبراهيم) بهذا الاسم نسبة إلى النبي إبراهيم عليه السلام الذي تنتسب إليه الديانات السماوية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية ،ويعتبر مهندسو هذه الاتفاقيات أنها بهذه التسمية تحيل إلى الأصل المشترك بين اليهود والمسلمين، وأن كليهما له ديانة تتبنى عبادة التوحيد التي نادى وجاء بها نبي الله إبراهيم عليه السلام، وتقوم على :
تحالف عربي – إسرائيلي ، وقد شاركت الإمارات في مفاوضات لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وأعلن في 13 آب 2020 عن توصل الطرفين إلى اتفاق بهذا الشأن، وبعد أقل من شهر وتحديدا (11 سبتمبر 2020) أعلن عن اتفاق تطبيع آخر مع البحرين التي انضمت إلى ممثلي الإمارات وإسرائيل والولايات المتحدةللتوقيع.
وتم توقيع اتفاقيات أبراهام يوم 15 سبتمبرعام 2020 في البيت الأبيض، بين كل من الإمارات والبحرين وإسرائيل، بوساطة أميركية.وتتعلق هذه الاتفاقيات بـ”معاهدة للسلام والتطبيع الكامل للعلاقات الدبلوماسية بين الأطراف الموقعة مع إسرائيل، واتخاذ تدابير لمنع استخدام أراضي أي منهما لاستهداف الطرف الآخر”.
وما ترتب على اتفاقيات أبراهام فتح التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي في كل من الدول الموقعة سفارات، وربطت خطوط جوية مباشرة بين تل أبيب وأبو ظبي ودبي والمنامة والدار البيضاء ومراكش، كما أجريت زيارات متبادلة بين عدد من الوزراء والمسؤولين والعسكريين والسياسيين ورجال الاقتصاد من الدول المطبعة، وقعوا خلالها اتفاقيات تعاون في مجالات مختلفة ، وارتفع الطلب على تعلم اللغة العبرية كما سجل عدة طلاب إماراتيون ومغاربة للدراسة الجامعية في المؤسسات الأكاديمية ومعاهد الأبحاث وتلقي دورات في إسرائيل. وعقد الموقعون سلسلة من الصفقات التجارية وترتيبات التعاون الأمني، وكانت الأكثر ربحية هي تلك التي جرت بين إسرائيل والإمارات حيث أجرتا مبادلات تجارية بأكثر من نصف مليار دولار بالسنة الأولى من تطبيع العلاقات، كما حدث تبادل ثقافي مع توافد السياح الإسرائيليين على الإمارات .
وما ان انطلقت عملية طوفان الاقصى في 7 أكتوبر 2023 التي كشفت عن الكثير من خفايا العلاقات العربية – الإسرائيلية، ووضعتها على المحك وأمام الملأ لتصبح مادة متداولة وبشكل علني بدون أي تحفظ في الموقف، وقد أحدثت منعطفا امنياً وسياسياً في طبيعة تلك العلاقة، ابرزها انها انتقلت الى حالة الحرب المعلنة على غزة وهو ما صرح به نتنياهو بالتزامن مع قيام العملية ، وتوالت الأنباء عن تضامن العرب مع إسرائيل عكس ما كان متوقع لتضامنها مع غزة ، وهذه تعتبر نقطة تحول أيديولوجي خطير في مسار الصراع العربي – الإسرائيلي .