مقال بعنوان: الازمة المغربية الثانية (ازمة اغادير) لعام ۱۹۱۱وموقف الملك جورج الخامس منها .
اشراف : أ.د. عدي محسن غافل الهاشمي                     اعداد الطالبة : م.م. هناء سامي طالب محمد
جامعة كربلاء / كلية التربية للعلوم الانسانية / قسم التاريخ
دكتوراه / تاريخ حديث ومعاصر
المقدمة 
      تُعد الازمة المغربية الثانية او أزمة أغادير او الازمة المراكشية الثانية لعام 1911 إحدى الأحداث المحورية في تاريخ العلاقات الدولية قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، اذ اندلعت الأزمة عندما تدخلت ألمانيا في الشأن المغربي اذ انها اقامت  بإرسال زورق المدفعية (بانثر) إلى ميناء أغادير، مما أثار توترات بين القوى الاستعمارية في إفريقيا، اذ ان بريطانيا رصدت هذه التطورات بقلق بالغ؛ إذ انها كانت تخشى أن يُعاد تشكيل موازين القوى الإقليمية لصالح ألمانيا، الأمر الذي قد يؤثر على مصالحها الاستراتيجية في البحر الأبيض المتوسط وعلى طرق التجارة الدولية.
        كان مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي عقد في 15 كانون الثاني ١٩٠٦ اللقاء الدبلوماسي الذي شارك فيه مندوبون عن فرنسا والمانيا وبريطانيا وروسيا والنمسا_ المجر واسبانيا والسويد وايطاليا وبلجيكا وهولندا والولايات المتحدة الامريكية والبرتغال والمغرب لكن هذا المؤتمر لم ينهي حالة التنافس والتوتر بين فرنسا والمانيا، خاصة ما يتعلق الأمر بالمغرب والدليل على ذلك هو استمرار المانيا بمراقبة التحركات الفرنسية لكن هذا الامر لم يستمر طويلا على اثر توقيع اتفاقية المانية فرنسية في شباط  ۱۹۰۹ اكدت فيها المواد الواردة في ميثاق الجزيرة، كما اعترفت المانيا فيها بمصالح فرنسا السياسية في المغرب مقابل اعتراف فرنسا بمصالح المانيا الاقتصادية لكن سرعان مآدب الخلاف بين الطرفين وكان هذا الخلاف ايضا بسبب المغرب واتخذ شكل ازمة سياسية دولية عام ۱۹۱۱ ففي تلك السنة قامت بعض القبائل المغربية بانتفاضة ضد السلطان مولاي عبد الحفيظ(1908-1912) فاستغلت فرنسا هذه المشكلة الداخلية وارسلت قواتها بقيادة الجنرال (موانيية) الى المغرب تحت ستار حماية السلطات والرعايا الأوربيين في المغرب وعلى اثر ذلك احتلت القوات الفرنسية عدد من المدن المغربية مثل (مكناس ووجدة والدار البيضاء وفاس ) وبالمقابل تحركت القوات الاسبانية الذي احتلت بعض المدن المغربية مثل (العرائش والقصر الكبير) وقرر الالمان التدخل في المغرب والاستيلاء على الصويرة واغادير كرد فعل على الغزو العسكري الفرنسي للمغرب وارسلوا لهذا الغرض احدى سفنهم الحربية ( بانثر) الى ميناء اغادير وذلك في الاول من تموز ۱۹۱۱ وفي الوقت نفسه بررت المانيا تدخلها وذلك في مذكرة تم توزيعها على الدول الكبرى في تلك المدة بثلاث عوامل وهي:
 1 – استنجاد اصحاب المصالح الالمانية .
2 – سخط الرأي العام الالماني بسبب اقصاء المانيا عن الاسهام في حل القضية المغربية. 
3- خرق فرنسا واسبانيا مقررات موتمر الجزيرة الخضراء .
      اعلنت المانيا عدم انسحابها من ميناء اغادير الابعد انسحاب القوات الفرنسية والاسبانية منها في ١٠ تموز ۱۹۱۱ بدأت المفاوضات بين المانيا وفرنسا واستمرت حتى ٤  تشرين الثاني ۱۹۱۱ عندما وقعت اتفاقية بين الطرفين اعترفت فيها ألمانيا بالحماية الفرنسية على المغرب لقاء تنازل فرنسا عن جزء من الكونغو الفرنسية لالمانيا ادت الازمة المراكشية الثانية الى توتر العلاقات بين المانيا من جهة وفرنسا وبريطانيا من جهة اخرى، ففي اثناء المفاوضات الالمانية الفرنسية هدد كل طرف الاخر باللجوء الى السلاح وتحمست صحافة كلا البلدين لذلك، اما بريطانيا فقد ايدت فرنسا واعلنت على لسان وزير المالية لويد جورج  في 21 تموز ۱۹۱۱ انها لن تقف مكتوفة الأيدي اذا ما اعلنت المانيا الحرب على فرنسا والغت الحكومة البريطانية المناورات السنوية لأسطولها وابقته في حالة ترقب كيف سينتهي هذا الصراع بين المانيا وفرنسا، حرصت بريطانيا على عدم السماح بتأسيس قاعدة بحرية ألمانية في المغرب، وهو ما كان من شأنه التأثير سلبًا على وضعها في المنطقة، قام وزير الخارجية البريطاني إدوارد جراي بتوجيه تحذيرات واضحة لألمانيا، مؤكدًا أن أي خطوة من هذا النوع ستُعتبر تهديدًا مباشرًا لمصالح بريطانيا في المضيق الجبلي والمناطق الاستراتيجية المحيطة. إلى جانب ذلك، شددت السلطات البريطانية على تأهب البحرية الملكية؛ فقد تم إرسال سفن حربية إلى مواقع استراتيجية في حالة تطور الأحداث إلى نزاع مسلح، وذلك لضمان حماية طرق التجارة والمصالح الاقتصادية البريطانية في إفريقيا، وفي اثناء الازمة اكد الملك جورج الخامس على اهمية الحوار وتجنب أي تصعيد عسكري، وهذا كان له اثر بالغ في تهدئة الاوضاع الدولية، وقد اشار قائلا:” ان استقرار الامبراطورية يعتمد على وحدة الصف الوطني والحفاظ على روابطنا مع شركائنا الاوربيين “، وصرح ايضا قائلا:” اننا نعيش في زمن يجب فيه ان تكون الحوار وسيلتنا الرئيسية، وعلينا ان نعمل معا للحفاظ على السلام في اوربا دون التهاون امام التحديات الاستعمارية”.
       نجم عن الازمة المراكشية الثانية امران خطيران اولا قيام ايطاليا بغزو ليبيا ونشوب الحرب التركية الايطالية عام۱۹۱۱ – ۱۹۱۲ وزيادة حدة التنافس في التسلح البحري بين المانيا وبريطانيا فبعد الاتفاق الالماني – الفرنسي في تشرين الثاني اعلن وزير البحرية الالماني الفريد فون تربيتز ان المانيا عانت من تدهور دبلوماسي ويجب ان تصلح ذلك بميزانية مالية اضافية للأسطول وقد ايد الامبراطور الالماني وليم الثاني هذه الميزانية المالية في سنة ١٩١٢.
الخاتمة 
       يُظهر ان بريطانيا اعتمدت خلال ازمة اغادير الثانية لعام 1911 سياسة دبلوماسية حذرة ولكن حازمة لحماية مصالحها الاستراتيجية، دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع القوى الكبرى، من خلال استخدام الاساليب الدبلوماسية وإظهار الاستعداد العسكري، ونجحت بريطانيا في كبح تصعيد الأزمة مع تعزيز تحالفها مع فرنسا، وهو ما كان له أثر بعيد المدى في الإعداد للحرب العالمية الأولى.

شارك هذا الموضوع: