الاستقطاب الحضري Urban Polarization (مفهومة وآثاره على البيئة الحضرية)
الاستقطاب الحضري Urban Polarization
(مفهومة وآثاره على البيئة الحضرية)
م. د. نهى نعمة محمد الموسوي
جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الإنسانية – قسم الجغرافية التطبيقية.
تعد المدينة أساس تنظيم المجال باختلاف مقاييسه وخصائصه ، إذ تضطلع المدينة بدور محوري في ذلك عبر مجموع العلاقات المكانية التي تنشأ بينها وبين محيطها الخارجي سواء القريب أو البعيد من خلال قوى الاستقطاب الحضري التي تمارسها ضمن مجالها ، ويتحدد دورها بواسطة درجة التأثير والجذب القائمة على حجم ونوعية الوظائف التي تقوم بها .
تناولت العديد من البحوث دراسة المراكز الحضرية والتي حظيت باهتمام الباحثين من شتى المجالات ، ولاسيما المدن الكبرى الآخذه في النمو ، نظرا لما تمارسه هذه المدن من تأثيرات على ما حولها من المراكز الاستيطانية ، تتمثل باستقطاب سكانها او أنشطتها الاقتصادية والاجتماعية . تاركة ورائها مشكلات عديدة بالنسبة للبيئة الحضرية نفسها او المحيطة بها .
يعد الاستقطاب الحضري ظاهرة معقدة ارتبط مفهومها بعملية قيادة وتنمية مجموعة من المراكز الإقليمية المحيطة بقطب الاستقطاب ، والعلاقة بين القطب والمجال المحيط به يعبر عنها بالتفاعلات الجغرافية ، فالمدينة تعد هي المحرك الأساس لتكون ونشأة ظاهرة الاستقطاب بما يتوفر عليه من تجهيزات ، وبسيطرتها على النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية … الخ للمجال الذي تقع عليه .
مفهوم الاستقطاب من المفاهيم القديمة إذ ترجع فكرة مفهومه الى ثلاثة قرون فقد اكد Erasmus Bartholnos على مفهوم الاستقطاب بفكرة حينما وضع قطعة من البلور الكالسيت فوق ورقة منسوخة وقد ظهرت الكتابة من خلال البلور كانها مزدوجة او مضاعفة كان ما كتب على الورقة قد استقطب البلور حتى تضاعف عدده ، عرف الاستقطاب الحضري بتعريفات عديدة : اذ يرجع اصل كلمة استقطاب لغة الى (قطب)، و يدل على الجمع والجذب ، اما الاستقطاب فمشتق منها ليدل على الجذب ، مثلا : استقطب الأشياء بمعنى جذبها .أما اصطلاحا فقد عرفه بوديفيل بانه :مركز حضري يحتوي على مجموعة من النشاطات التوسعية التي تعمل على تقدم ظهيرها ، بحكم زيادة عدد سكانها وأهليته لإقامة الأنشطة الاقتصادية التي يمكن ان تؤدي ذلك الدور . بينما عرفه باحثون اخرون بانه : مجموعة من الظواهر والعمليات تنشأ على سطح اقتصادي غير متجانس تكسبه خصائص الجذب والتأثير على المناطق الأخرى وتتفاعل معه .
وتسمى ظاهرة الاستقطاب بالهيمنة الحضرية التي تعني سيطرة مدينة كبرى او اكثر في دولة من الدول او إقليم من الأقاليم ،على بقية المدن في هذا الإقليم او الدولة ، وقد افرز الاستقطاب الحضري مفاهيم أخرى منها : بؤر النمو ، عقد النمو ، اقطاب النمو ، محاور النمو … الخ .
كما ويرتبط مفهوم الاستقطاب مع التنمية على انها عملية انتقائية في حقيقتها واستقطابية وظيفية في ظاهرها ، وبالتالي تتمحور هذه المفاهيم جميعها وبما تعبر عنه من أفكار حول مفهوم التركز الجغرافي للنشاطات التنموية . وان الاطار الأساسي لعملية الاستقطاب الحضري يرتكز على عملية النمو الحضري ، فهو العامل الرئيس لعملية الاستقطاب الحضري والمؤثر الفعال لتطوره .
هنالك نوعات من الاستقطاب الحضري ، الأول يسمى بالاستقطاب المستمر أي ينشأ ويتكون خلال فتره طويلة من الزمن ، أما النوع الثاني فيسمى بالاستقطاب المتغير والذي ينشأ في منطقة معينة ثم تحدث ظروف تدريجية او طارئة في هذه المنطقة مما يجعله يتلاشى او ينتقل الى مكان اخر.
نستنتج مما سبق ان ظاهرة الاستقطاب تعد مرحلة متقدمة من نمو أي مركز حضري وتكون دائما مصحوبة بمتغيرات جغرافية مميزة من شأنها ان تجعل من المركز منطقة جذب سكاني وجذب الأنشطة الاقتصادية والأموال والأنشطة الأخرى ، مما يجعله قوى مهيمنة على ما حوله من مراكز حضرية وعمرانية .
ويندرج تحت هذه المفهوم العديد من النظريات الجغرافية والاقتصادية ومن أهمها : (نظرية الأماكن المركزية ،نظرية اقتصاديات الموقع ،نظرية اقطاب النمو ، نظرية التنمية الدائرية المتراكمة،نظرية مراكز النمو ،نظرية المركز والهوامش ، نظرية الاستقطاب الحضري العكسي ، ونظرية التحيز الحضري .
الاستقطاب الحضري لايحدث بمجرد جذب السكان بل يتعلق بكل الأمور المحيطة بالحياة الحضرية من متغيرات مختلفة والتي يمكن تشخيصها من خلال مجموعة من المؤشرات أهمها : (التركز الحضري والتكدس والتوسع في الخدمات والتي تعد سمة تميز المراكز الحضرية الكبيرة ومؤشر مهم لبروز الاستقطاب الحضري فضلا عن مؤشر التوسع في المشاريع الاستثمارية وقاعدة المرتبة – الحجم ومؤشر ثنائية البناء الاجتماعي فضلا عن مؤشر المدينة الرئيسية (The Law of Primate City) والتي تعد احدى خصائص النظام الحضري الحديث .
نظرا لأهمية الاستقطاب الحضري من ناحية جذب السكان والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية الأخرى الا انه العديد من الاثار السلبية على البيئة الحضرية للمدينة من أهمها :
يؤدي الى ظهور مشكلة العشوائيات السكنية والتي أصبحت من المشكلات التي تعاني منها الكثير من المدن ومنها مدننا العراقية ، اذ أصبحت واقع حال لايمكن تجاوزه مما اثر على النسيج العمراني للمدينة .
ظهور مشكلة التلوث ، وخاصة النفايات الصلبة مما يسبب بظهور روائح كريهة ومشكلة التلوث البصري في المدينة .
الاختناقات والازدحامات المرورية ، وخاصة في وقت الذروة نتيجة للكثافة السكانية الكبيرة.
مشكلة الهجرة الى المدينة والتي تعد ظاهرة اجتماعية واقتصادية ونفسية معقدة.
ختاما : نتبين مما سبق ان ظاهرة الاستقطاب الحضري ظاهرة عالمية تواجه العديد من المدن والمراكز الحضري الكبرى ، والتي تحصل نتيجة لتظافر مجموعة من العوامل المتعددة والمتنوعة التي يتسم بها المركز الحضري دون غيره فيصبح جاذبا للسكان بشكل مستمر على حساب اقاليمة الوظيفية ، مما يسبب عدم توزيع الدخل والموارد توزيعا عادلا بين الريف والحضر ، فضلا عن تفاقم العديد من المشكلات والتي سبق ذكرها .وتعد هذه الظاهرة من اهم المشكلات الحضرية في عصرنا الحالي والتي تحضى باهتمام الباحثين لاجراء دراساتهم وتشخيصها وتفسيرها والحد من تداعياتها .