الاعياد والمناسبات في الدولة الفاطمية
د. مروه مكي جعفر   كلية التربية للعلوم الانسانية/ قسم التاريخ
     إهتم الفاطميون بالاعياد والمناسبات واكثروا منها حتى يمكن ان نقول لم تسبقهم دولة ولم تلحقهم من حيث الاهتمام بتلك الاعياد والمناسبات، ونجد ان الفاطميون عن دخولهم مصر اقروا الاعياد الاسلامية التي اعتاد عليها عامة المسلمين، واضافوا اليها اعياد خاصة بالفاطميين التي تركز على خصوصية المذهب الإسماعيلي.
    ومن الاعياد الاسلامية التي اقرها الفاطميون عيد الفطر ، فكانوا يقومون بعدة أعمال منها تفرقة الفطرة وتفرقة الكسوة على الناس ، ولهذا يسمى بعيد الموسم الكبير وعيد الحلل، لأن فيه توزع الحلل على رجال الدولة،  و يبدأ التحضير بهذه المناسبة في ليلة العيد حيث تقام في هذه الليلة مصاطب ما بين القصر ومصلى العيد، ويجلس على هذه المصاطب في يوم العيد المؤذنون، والفقهاء وكذلك يجلس الناس عليها بالترتيب، ويخرج الخليفة الفاطمي للصلاة وبعد انتهاء الصلاة تقام الموائد والاسمطة، فقد كان هناك نوعان من السماط بمناسبة عيد الفطر، فأما السماط الأول يكون للعامة الناس وبعض موظفي القصر، فإنه يعمل ليلة العيد بالإيوان القصر أمام الشباك الذي يجلس فيه الحاكم، فيمد فيه أنواع من الطعام، فإذا صلى الحاكم صلاة الفجر، جلس في الشباك وحضر إليه الوزير سمح للناس بالطعام، فيقبل الجميع على السماط فيأكلون منه، ويأخذون معهم من الأكل ما يرغبون به من الطعام .
    وأما السماط الثاني فيقام في قاعة الذهب بعد عودة  الحاكم من صلاة العيد فيوضع له أمام سرير الملك وينصب فيه مائدة من فضة، وعليها أواني الفضيات والذهبيات، والصواني الحاوية على أنواع من الأطعمة الفاخرة والأشربة والحلوى ، وهذا السماط خاص بالخليفة الفاطمي وحاشيته،  بعد انتهاء من سماط العيد يقدم الحاكم الحلل إلى الوزراء والأمراء والأشراف.   
    وكانت الاحتفالات بعيد الأضحى تبدأ من بداية شهر ذي الحجة، فتعقد مجالس الشعراء في القصر فيتبارى الشعراء في مدح الخليفة الفاطمي والوزير، كما يجري توزيع أموال الصدقة للأطفال واليتامى والفقراء، وفي يوم التاسع من ذي الحجة، وهو عيد النحر ويسمى يوم الهناء ، وعند أذان الفجر يجلس الحاكم في قصره ليستقبل التهنئة والسلام، فيستقبل الوفود على طبقاتهم من أرباب السيوف، والأقلام، فيتوجه الوزير و الأمراء، والبطريك النصارى ومعه كتاب الدولة من النصارى، ورئيس اليهود ومعه الكتاب من اليهود، ثم يدخل الشعراء على طبقاتهم، وينشد كل منهم القصائد بهذه المناسبة، وإن المراسم المتبعة في عيد الأضحى لا تختلف عن عيد الفطر في الترتيب والركوب إلى المصلى.
     وكان الاحتفال بالمولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يبدأ بعد صلاة الظهر، إذ يبدأ الموكب بخروج قاضي القضاة، والشهود بأجمعهم إلى الجامع الأزهر، فيجلسون مقدار لقراءة بعض سور القرآن، وبعدها يعود الموكب وقد احتشد الناس على جانبي الطريق للمشاهدة الخليفة الفاطمي،  وكانت توزع بمناسبة مولد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) الصدقات مبلغ ستة آلاف درهم ,على سبيل الصدقة.
   ومن المناسبات المهمة في الدولة الفاطمية الاحتفال بشهر رمضان يبدأ قبل ثلاثة أيام، فيقوم القاضي بالمرور على المشاهد، والمساجد بالقاهرة لنظر ما يلزمها من فرش، وقناديل الاضاءة، وإصلاح المساجد والمشاهد وكذلك كانت العادة جارية أن تغلق جميع قاعات اللهو بالقاهرة ، وجميع مناطق مصر، وتختم ويحذر من بيع الخمر، ابتداء من شهر رجب إلى نهاية شهر رمضان. 
     كانت الاحتفالات برأس السنة من الأعياد التي يحتفل بها الفاطميين بإظهار السرور والفرح، لقد كان يستعدون لها في أيام العشر الأواخر من ذي الحجة في كل سنة، ويكون الاستعداد بإخراج  الأسلحة والآت الموكب.
      واستحدث موسم عيد النصر أيام الحاكم الحافظ لدين الله(526-544هـ/ 1131-1149 م) في اليوم السادس عشر من المحرم سنة (526هـ/1131م) لأنه اليوم الذي ظهر فيه من محبسه، ويفعل في هذا العيد ما يفعل في الأعياد من الخطبة، والصلاة، والزينة، والتوسع في النفقة.
    و اضافة الفاطميون موسم يوم عاشوراء وهو اليوم الذي استشهد فيه الإمام الحسين بن علي بن أبي الطالب و أهله وأصحابه (عليهم السلام)  في واقعة الطف في العاشر من المحرم الحرام سنة (61هـ/680م) ،  و بهذه المناسبة كانت الدولة الفاطمية تتخذ هذا اليوم يوم حزن فتعطل فيه الأسواق،ويخرج المنشدين إلى جامع الأزهر ينزلون به مجتمعين بالنوح والنشيد ، وكذلك تضع بهذه الم
.ناسبة سماط الحزن.
    واحتفل الفاطميين بليالي الوقود وهي أول رجب ونصفه، وأول شعبان ونصفه وكانت من أبهج الليالي، وأحسنها، يحشر الناس لمشاهدتها من كل صوب وان من مظاهر الاحتفال بهذه الليالي هي إضأة الجوامع والمساجد.
 
   و يعد عيد الغدير من الأعياد التي استحدثها الدولة الفاطمية في مصر وحرصوا على احتفال بها ويكون في ثمان عشرة من ذي الحجة فهو يمثل يوم عيد، لأن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عهد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام ) واستخلفه.
       ومن مظاهر الاحتفال بعيد الغدير تزويج الأيامى، وتوزيــع  الكسـوة، وتفرقة الهبات لكبراء الدولة، ورؤسائها وشيوخها وأمرائها، وضيوفها  وكذلك تذبح ذبائح كثيرة فتوزع على الفقراء والمساكين على سبيل الشرف. 
   ومن الاحتفالات القديمة التي استمرت في عهد الفاطمين مع بعض التعديلات هو الاحتفال  بتخليق المقياس او الوفاء النيل و كان من الطبيعي ان يعنى المصريون عناية فائقة بامر النيل بإعتباره واهب الحياة والخير لوطنهم فكانوا يقميون الاحتفالات بوفاء النيل فرحا، واستبشاراً بهذه المناسبة وان مظهر الاحتفال بالوفاء ترجع الى ماقبل الاسلام واستمرت بعد دخول الاسلام، لكنهم ادخلواعلى هذا الاحتفال بعض التعديل بمايتفق مع الدين الجديد.
    وكما ان للمسلمين اعيادهم فقد كان لاهل الذمة اعيادهم وقد احتفلوا بها في ظل الدولة الفاطمية ومنها اعياد المسيحين مثل عيد البشارة وهو اليوم الذي بشرت فيه مريم العذراء بالمسيح (ع)،  وعيد الشعانين او عيد الزيتونة وهو يوم دخول السيد المسيح مدينة القدس وكان النصارى يزينون كنائسهم واديرتهم باغصان الزيتون، إلا إن في سنة (398هـ/1008م) منع الحاكم بآمر الله(386-411هـ/ 996-1021م) النصارى من عمل ليلة عيد الشعانين والتظاهر بما كانت عادتهم فعله في أعيادهم من الاجتماع واللهو، وقبض على جماعة منهم وأحرق عدد من صلبانهم على باب الجامع العتيق، وقام أيضا بمصادرة الأملاك الكنائس، وكتب بذلك إلى سائر الأعمال، وأدخلها في الديوان الحكومي.
     ومن اعياد المسيحيين ايضا عيد الفصح وعيد الخميس وعيد الميلاد وهو يوم ولادة السيد المسيح (ع) وقد كان يوزع في هذه الليلة في أيام الدولة الفاطمية على رجال الدولة وغيرهم، أنواع من الطعام والحلويات.
       من الأعياد العظيمة عند النصارى  هو عيد الغطاس ويعمل في اليوم الحادي عشر من شهر كانون الثاني و كانت عادة النصارى يغمسون أولادهم في الماء في ذلك اليوم  وينزلون فيه بأجمعهم، ولا يكون ذلك  اليوم إلا في شدة البرد، وكانت ليلة الغطاس ذات شأن عظيم عند النصارى لا ينامون فيها وقد منعهم العزيز الفاطمي من ذلك وكذلك الحاكم بامر الله ولكن في عهد الظاهر(411-427هـ/1031-1036 م) أعاد الاحتفال بهذا اليوم.
   وكان لليهود اعياد منها عيد راس السنة، يعملونه في عيد رأس سنتهم ويسمونه عيد رأس هيشا، وهو اليوم الاول من تشرين الأول,ويكون عندهم بمنزلة عيد الأضحى عند المسلمين، ويقولون إن الله تعالى أمر إبراهيم (عليه السلام) بذبح إسماعيل ابنه في هذا اليوم وفداه الله تعالى بذبح عظيم  وهو عيد الحرية بعتق الأرقاء.
    وكذلك عيد الكبور وهو احد أعياد اليهود، ومعناه الاستغفار ويسمونه عيد صوماريا، وهو في اليوم العاشر من شهر تشرين الأول، ويقولون إن الله تعالى فرض عليهم صومه، وعيد المظلة و يكون الاحتفال بهذا العيد سبعة أيام ويبدأ الاحتفال في هذا العيد من الخامس عشر من تشرين الأول إلى اليوم الثاني والعشرين منه، ومن مظاهر هذا العيد يجلسون في هذه الأيام تحت ظلال من جريد النخل وأغصان الزيتون وسائر الشجر الذي لا ينتشر ورقه على الأرض، ويعتقدون أن في ذلك تذكار منهم لإظلال الله إياهم في التيه بالغمام، وأن لا يخرجون من بيوتهم كما هو العمل يوم السبت، وعيد الفاسح ويسمونه الفطير ويُعرف هذا اليوم عند النصارى بالفصح، وهو سبعة أيام  ويبدأ الخامس عشر من نيسان، فيأكلون فيها الفطير وينظفون بيوتهم، لان في هذه الأيام خرجوا من مصر مع نبي الله موسى بن عمران (ع).
       وهذه كانت مجمل الاعياد والمناسبات التي احتُفل بها ايام حكم الفاطميين لمصر وهذه تعد ابرز سمات هذا العصر الذي ميزه عن باقي الدول والممالك التي عاصرت الدولة الفاطمية، وحتى الدول التي اعقبت الفاطميين لم يكن لديها هذا الكم الكبير من الاحتفلات لذا تمييزت الدولة الفاطمية فقط في هذا الجانب.



المصادر والمراجع:
  1.  المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي (ت:845هـ)، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف، وضع حواشيه: خليل منصور، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990.
  2. القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي (ت:821هـ)، صبح الأعشى في صناعة الأنشا ، تحقيق: يوسف علي الطويل، ط1، دار الفكر، دمشق،1987.
  3. شبانه، محمد، مصر الإسلامية منذ الفتح وحتى نهاية الدولة الفاطمية(21-567هـ/641-1171م) دارالعالم العربي،القاهرة.
  4. الشيال، دراسات في التاريخ الإسلامي، مكتبة الثقافة الدينية ، الإسكندرية,2000.

شارك هذا الموضوع: