الافتراضُ الصَّرفيُّ ضرورة علمية أم ترف فكري؟
هديل عبد الأمير حسوني / قسم اللغة العربيّة – دكتوراه – الشّعبة اللغويّة  
قبل أن نبدأ الإجابة عن هذا السّؤال لا بدَّ لنا أن نتعرّف على مفهوم (الافتراض) لغةً واصطلاحاً ، فالافتراضُ لغةً: من الفعل الثلاثي (فرضَ)، وهو في اللغة: الحزّ في الشيء، وجاء في اللسان: الافتراض بمعنى الوجوب، وهو لفظ مشترك بين الوجوب، كما في قوله : ((فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسٌ صَلَوَاتِ في يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ))، أي: أوجب  وفرضت الشيء أوجبته وفرض بيّن وسنَّ والفرض القراءة ()
واصطلاحا: ضرب من أضرب القياس الذي يعتمد على فكرة الأصل والفرع بحمل الفرع على الأصل بالعلة التي علق عليها الحكم في ذلك الأصل ، فهو عبارة عن: افتراض شيء لم يرد استعماله عن العرب ثم التماس حكم له قياساً على ما ورد عنهم من أشباهه .
والافتراض الصرفي: أن يؤخذ من الكلمة المنطوقة المستعملة لفظ غير منطوق على وزن الكلمة المنطوقة ثم يُعمل في هذا اللفظ ما يقتضيه القياس من إعلال وإبدال وإدغام ، أو هو “تصوّر ذهني تقديريّ اجتهادي يلجأ إليه الصّرفيون لتفسير الظواهر المتعلّقة ببنية الكلمة واستقامة صنعتهم وتقعيد القواعد وتعليلها”() ، وهذا المفهوم سمِّي عند القدماءِ بالتصريف()، وفيما بعد سمِّي بمسائل التمرين والرياضة () . 
وإذ يتضح مفهوم الافتراض الصرفي من هذه الإشارة يتوجّب علينا أن نذكر أن المذاهب إزاء المفترضات المتخيّلة ثلاثة ((أولها مذهب مَنْ لم يجوّز ذلك ويرى أنها على سبيل فيما لو جاء فكيف يكون حكمه والثاني من لم يجوّز على حال والثالث مذهب مَنْ فرق بين ما اطّرد في كلام العرب وتكلّمت بمثله فجوّزه وبين ما لم يطّرد مثله فلم يجوّزه)) () .
وأرى أن الافتراض حاضر ليس في مسائل التمرين والرياضة فحسب، بل في نشوء اللغة، ففي اختيار (ف ، ع ، ل) بكونه وزناً يُمثّلُ افتراضاً ، من دون النظر إلى تأويلات الاختيار لهذه الأحرف، وسيتبيّن أن الافتراض الصرفي ليس بدعة معتمدة على العشوائية، بل هو ضربٌ من أضرب القياس الذي يعتمد على فكرة الأصل والفرع بحمل الفرع على الأصل بالعلّة التي علق عليها الحكم في ذلك الأصل، ويهدف عند الخليل وسيبويه إلى غرض تعليميّ تطبيقيّ، وقد أكثر سيبويه منه في التمارين الصرفية خاصة()، وبهذا يمكن إطلاق مصطلح الفرضيات على المظنونات، وهي آراء يقع التصديق بها لا على الثبوت، بل يخطر إمكان وجود نقيض لها في البال، ولكن الذهن يكون إليها أميل، فيُسلم فيها العالِم أول البحث؛ لاستخراج جملة من القضايا؛ لكونه غير متأكد من صدق فرضيته أو كذبها وتصبح حقيقة عندما يتبيّن صدقها في العلم الذي يتناوله فتكون أصلاً لاستخراج ما يرمي الوصولَ إليه من النتائج .
وعند تتبّعنا لمنهج العلماء القدماء في التأليف الصرفي نراه قائماً على فكرة الأصل المقدّر في البنية العربية، فكل الكلمات المتقاربة في اللفظ، والتي تعتمد على جذر ثلاثي واحد مثلا إنما أصلها واحد مثلاً: قال، يقول، قولاً، قائل، مقول … أصلها مأخوذ من القول، على أن الشكل المجرد في اللغة ليس شكلاً مجردًا افتراضيّاً بمعنى التخمين أو الظَّنَّ ولكنه شكل افتراضي (تخيليّ) يستند إلى ظواهر لغوية لا تخفى على الكثيرين، فنجد (قول) التي تعد الصيغة المجردة للفعل (قال) صيغة مجردة افتراضية ؛ لأن النحاة في فهمهم لمسألة الأفعال ردوا هذه الأخيرة إلى صيغة افتراضية واحدة هي (فعَل) بالفتح أو (فعِل) بالكسر أو (فعُل) بالضم ، والواو في قول ليست اعتباطية طالما نجدها في صيغة أخرى نحو (قَوَل) و (قَوْل) و (أقوال) ، فنرى أن (قال) ليست صيغة افتراضية لكون العرب نطقتها على هذه الشاكلة، ولكن يرجع افتراضها إلى اشتقاقها : لكون الواو موجودة في الاشتقاق كما أن الاشتقاق يعدُّ من وسائل معرفة أصل الألفاظ ، وقد ذهب اللغويون إلى الافتراض والتقدير والتأويل؛ لأن هذا نابع من اعتقادهم أن اللغة ثلاثية الحروف وأنها ثابتة لا تتغير، وأن الصيغ التي وردت ثنائية الأصوات ، فلابد أن يكون هناك تقدير للحرف الثالث، وقد يحذف هذا الحرف لعلة ، ففي (يد) مثلا قالوا: إن أصلها يدي بدليل جمعها أيدي ، وقد حذفت الياء لثقل التنوين والدّال ، وكذلك (أب) و (أخ) وأضرابهما ، على وزن (فعَل) ؛ لأن أصلهما (أبو) و (أخو )() وهذا دأب العلماء القدماء في تأصيلهم لعلم الصرف، وهذه رؤية أهل الصرف في بيان معيارهم اللغوي، وهذا المعيار موجود بدءًا من كتاب سيبويه فيقول: «اعلم أن التضعيف يثقل على ألسنتهم، وإن اختلاف الحروف أخف عليهم من أن يكون من موضع واحد. ألا ترى أنهم لم يجيئوا بشيء من الثلاثة على مثال الخمسة نحو ضربين ولم يجيء فَعَلّلٌ ولا فَعُلّلٌ إلا قليلا، “فإن هكذا أمثال لا توجد لكراهة الاستثقال كونها واقعا استعمالياً  لكن هذا لا يمنع من الإتيان به للتدريب اللغوي والتمرين بدليل قوله: (إلا قليلا)، فالصرفيون أخذوا هذا القليل في قالبٍ افتراضي ونسجوا منه نسجاً أضحى لهم تفردًا ، يظهرون  من خلاله براعةً  وذكاء ودقةً في صنيعهم.
الهدف المنشود من الافتراض الصرفي عند اللغويين القدماء هو الرياضة أولاً، والتدريب ثانيا، وإصلاح الطبع ثالثا كما يراه ابن جني في باب (الغرض من مسائل التصريف) فجعل الغرض منها ضربين الأول: الإدخال لما تبنيه في كلام العرب والإلحاق له به، والآخر: التماسك الرياضة به والتدرب بالصنعة فيه ويكون هذا مفهوما ومقبولاً، لأن أصحاب اللغة يحتاجون دائماً – إلى صياغة كلمات تسد الحاجة التعبيرية المتجددة وهم في هذه الصياغة الدائمة إنما ينظرون إلى طرائق اللغة في بناء الألفاظ، وعلى وفق الهدف المنشود نفسه من الافتراض (الرياضة والتمرين) يفرد ابن الحاجب في شافيته باباً  بعنوان (مسائل التمرين) يقول فيه :”معنى قولهم :كيف تبنى من كذا مثل كذا أي :إذا ركّبت منها زنتها وعملت ما يقتضيه القياس فكيف تنطق به”.
فيتبيّن بعد هذه النصوص : أن القدماء كانوا مدركين للتطور اللغوي فأسسوا لنا مجموعة من القواعد والافتراضات نسير عليها حفاظا على لغتنا الغراء، فاللغة بحاجة دوما إلى التجديد، وإلى توليد الألفاظ وفقا للحاجات التعبيرية المتجددة بما يسد حاجة المجتمع، ورغم ذلك وما يعلمه المحدثون من أنّنا نعاني كثيرا في عصرنا الحاضر من مشكلة تعريب ألفاظ الحضارة مثلا، والسبب في ذلك عدم اتصالنا بالعربية اتصالاً وثيقا، وليس لأن العربية عاجزة عن استيعاب هذه الألفاظ ، فالعربية استطاعت في حقبةٍ مبكّرة من تاريخها أن تستوعب من هذا القبيل ما هو أكبر في زمانها ممّا هو في زماننا، ولقد كان ذلك ميسوراً لدى العلماء العرب؛ لأنهم كانوا يعرفون خصائص لغتهم، فمثل هذه الافتراضات التي كان يصنعها ابن جني كانت تعين هؤلاء العلماء على تصور طرائق الصياغة ،رغم ذلك فهم يرون أن القدماء وضعوا افتراضات لا داعي لها، ومن الممكن أن تكون لنا رؤيا توافق فيها بين ما يراه القدماء والمحدثون، إذ إنه من الممكن أن تكون هذه الافتراضات درسا ومنهجا للمختصين في مجال اللغة العربية والمتقدمين فيها؛ لغرض المحافظة على التراث اللغوي، ومعرفة المتجدد من الألفاظ إذا كان يخضع للنظام الصرفي من عدمه، والصرف الخالي من الافتراضات العامة الناس بوصفهِ نوعاً من أنواع التيسير الصرفي.
ومن مصادر الافتراض  في الدرس الصرفي  والذي يدل على حاجتنا اليه وكما وضحنا سابقا في تعريفه ، ظاهرتا الإعلال  والابدال ويدخل الافتراض في الإعلال عبر تصور الأصول قبله مثلا تفسيرهم قلب الواو والياء في (سماو) و (قضاي) الى همزة  على أنها قلبت أولاً ألفاً في  اللفظين ، فصارتا (سماا) و (قضاا)، وهذا ما يتعذر نطقه، فقلبت الألف الثانية فيها واواً في الأولى وياء في الثانية وللمحدثين تفسير يقوم على صعوبة الوقوف على المقطع المفتوح فأبدلت الواو والياء همزة ،ومن ذلك قولهم في فاعل، من جئت (جايءٍ)، أبدلت الياء؛ لأن ما قبلها مكسور فأبدلت مكانها الحرف الذي منه الحركة التي قبلها كما فعلت ذلك بالهمزة الساكنة حين خففت ،فاسم الفاعل من جاء هو جائيء ويتحول (جائي) بوزن فالع ثم جاء بوزن فال ، أو ليس هذا رقيًّا لفكر اللغة في أهان صرفييها فهذه افتراضات وليس أدل على وجود الافتراض إلا هذه الأمثلة في جريانها على السنة محلليها لاناطقيها المتكلمين بها استعمالاً.
ومن مصاديق الافتراض في الإبدال ما جاء في صيغة (افتعل) في إبدال الطاء من التاء إذا جاءت بعد الصاد في مثل:  (اصطبر) أبدلت التاء بصوت يشاركها في المخرج وكان المحتمل أن يكون الدال مثلاً لأنه من مخرجها لكنه لم يقبل لأن المبدل يجب أن يشارك ما قبله في الصفة ولما كانت الضاد مطبقة جيء بالطاء بدل التاء وتحقق بذلك الانسجام الصوتي في السياق الداخلي للصيغة الانفرادية. فتحقيق هذا الانسجام الصوتي ، إنما هو ضرب من التخيل لقبلية النطق عند الأعرابي 
واخيرًا الافتراض ضرورة علمية بلحاظ المقايسة ،وترف فكري بلحاظ منافع بعض النحاة الذين يبتغون المناصب والوصول الى السلطة فيأتون بإشكالات فيها افتراض ليس لها واقع استعمالي واذا لاحظنا قول الاخفش حينما يقول انا وضعت كتبي ليس مبتغيا منها غير التكسب فجعلتها مبهمة ،وابن  جني يصرح بأن العربي حينما يستعمل اسم الفاعل من جاء لا يذكر ان هذا الفعل يمر بأطوار حتى يصل الى وزن فاعل فيقول إن العربي نطقه مباشرة لكن اللغويين افترضوا الخطوات التي أوصلته إلى الصوغ على وزن فاعل.

شارك هذا الموضوع: