طالبة الماجستير : عذراء ناظم عبيد
*عنوان المقالة: الانتحار الرقمي : عندما تتحول الشبكة العنكبوتية إلى خطرٍ يهدد الحياة**
المقدمة
في عصر التكنولوجيا الرقمية، حيث أصبح العالم الافتراضي امتدادًا للواقع، برزت ظاهرة خطيرة تُهدد حياة الشباب والمراهقين تحديدًا، وهي ما يُعرف بـ **”الانتحار الرقمي”**. يشير هذا المصطلح إلى انتحار الأفراد نتيجة تعرضهم لضغوط نفسية ناتجة عن تفاعلات سلبية عبر الإنترنت، مثل التنمر الإلكتروني (Cyberbullying)، أو التهديد، أو التحرش، أو حتى انتشار المحتوى المؤذي الذي يُروج لفكرة إنهاء الحياة. تتعمق هذه المقالة في أسباب هذه الظاهرة، تداعياتها النفسية، وسبل المواجهة.
—
١- ما هو الانتحار الرقمي؟
لا يقتصر “الانتحار الرقمي” على محاولة إنهاء الحياة جسديًا فحسب، بل يشمل أيضًا محو الهوية الرقمية للفرد (مثل حذف الحسابات أو نشر رسائل وداع)، لكن الجانب الأخطر يرتبط بارتفاع حالات الانتحار الفعلي بين المراهقين بسبب تعرضهم لاعتداءات مستمرة عبر المنصات الرقمية. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يُعد الانتحار **ثاني سبب رئيسي للوفاة بين الشباب** (15–29 عامًا)، وتساهم البيئة الرقمية السامة في تفاقم هذه الأزمة.
—
٢. الأسباب: من التنمر إلى “ثقافة الإلغاء”**
*أ. التنمر الإلكتروني (Cyberbullying)
يُعد السبب الرئيسي للانتحار الرقمي، حيث يتعرض الضحايا لسيل من الإهانات أو التهديدات أو نشر المحتوى المُحرج. على سبيل المثال، في عام 2022، أقدمت مراهقة أمريكية على الانتحار بعد تداول مقطع فيديو يُظهر تعرضها للتحرش، مما دفعها إلى العزلة وفقدان الأمل.
ب. تأثير المحتوى المؤذي
انتشار منصات تروّج لـ “تحديات الانتحار” أو تقدم نصائح حول طرق إنهاء الحياة، مثل ما حدث في لعبة **الحوت الأزرق** التي انتشرت عام 2016 وتسببت في وفاة عشرات المراهقين حول العالم.
ج. الإقصاء الاجتماعي الرقمي
تُساهم “ثقافة الإلغاء” (Cancel Culture) في شعور الأفراد بالعزلة، خاصةً إذا تعرضوا لهجمات جماعية بسبب آرائهم أو أخطاء سابقة، مما يدفع بعضهم إلى اليأس.
—
٣. التداعيات النفسية: من القلق إلى فقدان الهوية**
– **القلق والاكتئاب**: تؤدي الهجمات الرقمية المستمرة إلى اضطرابات نفسية، كالشعور بالدونية وفقدان الثقة.
– **تشويه الهوية الرقمية**: قد يفقد الضحايا إحساسهم بالذات إذا ارتبط اسمهم بمحتوى مُشين يصعب إزالته.
– **التأثير الجسدي**: تظهر أعراض مثل الأرق، اضطرابات الأكل، أو حتى إيذاء الذات.
—
٤. دراسات حالة: عندما تتحول الشاشات إلى كابوس**
– **قصة أمينة**: مراهقة مغربية انتحرت عام 2021 بعد تداول صورها الخاصة عبر واتساب، حيث تعرضت لانتقادات لاذعة من مجتمعها المحافظ.
– **ظاهرة “الانتحار المباشر” (Live Stream Suicide)**: في اليابان، بثّ شاب يبلغ 21 عامًا لحظة انتحاره عبر منصة **تيك توك**، مما أثار جدلًا حول دور المنصات في مراقبة المحتوى.
—
٥. سبل المواجهة: بين التكنولوجيا والتوعية**
أ. دور الحكومات والمنصات الرقمية**
– تطوير خوارزميات ذكاء اصطناعي لاكتشاف المحتوى الضار أو التنبيه عن كلمات مفتاحية مثل “أريد أن أموت”.
– تشريع قوانين تجرِّم التنمر الإلكتروني، كما فعلت فرنسا بقانون “Schiappa” عام 2018.
*ب. التربية الرقمية للأسر والمدارس**
– توعية المراهقين بآليات حماية الخصوصية والإبلاغ عن المحتوى المسيء.
– تعزيز مهارات المواجهة النفسية، مثل تقديم جلسات دعم نفسي في المدارس.
*ج. دعم الضحايا نفسيًا**
– تشجيع الضحايا على طلب المساعدة دون خوف من الوصمة.
الخاتمة**
الانتحار الرقمي ليس مجرد خطر افتراضي، بل هو قضية إنسانية تحتاج إلى تضافر جهود الأفراد والمجتمعات والتكنولوجيا نفسها. بينما تُسهل التكنولوجيا التواصل، فإنها تحمل في طياتها سلاحًا ذا حدين، مما يستدعي بناء وعي جماعي بأخلاقيات الاستخدام الرقمي، وتعزيز التعاطف حتى في العالم الافتراضي. فالحياة ليست تغريدة يمكن حذفها، ولا تعليقًا يُمكن إخفاؤه.