((الانتخابات في العراق خلال عهد الاحتلال العثماني عام 1908 وتعديل القانون الانتخابي))


ا. د.  فلاح حسن كزار:- جامعة كربلاء/ كلية التربية للعلوم الإنسانية/قسم التاريخ
 
اميل : falah72.a@uokerbala.edu.iq
موبايل:       07711911040
2025
اولا:-انتخابات عام 1908 
  بعد تدهور الأوضاع الداخلية والخارجية للدولة العثمانية واندلاع  ثورة  داخلية ضد حكم  السلطان عبد الحميد الثاني في تموز عام 1908 قادتها (جمعية الاتحاد والترقي) ،  التي أرغمت السلطان عبد الحميد الثاني على إصدار إرادة سنية بإعادة العمل  بالقانون الأساسي (المشروطية الثانية) ، وإعادة العمل بقانون انتخاب أعضاء هيئة المبعوثان السابق، حيث أنشأت الجمعية حزبا سياسيا خاصا بها حمل الاسم ذاته، وفتح فروعا له في مختلف الولايات العراقية بهدف تهيئة قوى انتخابية تعضد مرشحيه لعضوية هيئة المبعوثان المرتقب.
   في الرابع والعشرين من تموز عام 1908 صدرت إرادة سنية تدعو الى إجراء انتخابات هيئة المبعوثان، ولما كان عدد الأهالي الذين يعرفون أصول الانتخابات  قليل قياسا بعدد السكان ، باشرت بعض الجرائد بنشر وشرح  تلك الأصول الانتخابية  ، وفي العشرين من أيلول من العام ذاته أعيد نشر قانون الانتخابات السابق مع إضافة بعض التعديلات عليه، حيث اعتبر كل لواء دائرة انتخابية بنسبة تمثيل نائب واحد لكل خمسون ألفا من الذكور العثمانيين الذين يدفعون ضريبة لخزينة الدولة سواء كانت قليلة أم كثيرة، وفي حالة كان عدد الذكور في اللواء اقل من ذلك وأكثر من خمسة وعشرون ألفا فتبقى نسبة تمثيلهم كما هي أي نائب واحد، أما إذا زاد عدد ذكور اللواء عن خمسة وسبعون ألفا فتكون نسبة تمثيلهم نائبان، واذا زاد عدد الذكور عن مائة وخمسة وعشرون ألفا فتكون نسبة تمثيلهم ثلاث نواب،على أن تجري الانتخابات على درجتين ، ينتخب في الدرجة الأولى الذكور الذين أكملوا سن الخامسة والعشرون من العمر ، ثم يقوم هؤلاء المنتخبون بانتخاب نواب اللواء من بين مرشحي الحكومة.
  لقد اوجب القانون الانتخابي تنظيم سجلات بأسماء الذكور العثمانيين مع ذكر تاريخ ولادتهم، على ان يبدأ تنظيمها في الأول من شهر ايار وينتهي في أواخر شهر حزيران، ومنحت دوائر البلدية و مختاري المحلات الذين يتبعونها بطبيعة الحال دورا في الإعداد لتلك الانتخابات  من خلال نشر قوائم الناخبين وتبليغهم بالأوامر الصادرة عن طريق المختارين، فضلا عن ترأس مدير البلدية للهيئة التفتيشية الانتخابية التي تقوم بتدقيق القوائم الانتخابية ومراقبة سير الانتخابات ، كما منح الرؤساء الروحانيين للطوائف الدينية الثلاث(الإسلامية، واليهودية، والمسيحية) دورا في عملية ضبط وتدقيق سجلات الناخبين ، هذا وتقرر منح أجورا يومية لأعضاء  اللجان التفتيشية.
       أما الترشيح للمبعوثية فيكون وفق إحدى الطرق الآتية:-
  • ان يرشح الشخص نفسه بعريضة يقدمها الى الوالي.
  •  ان يتم ترشيحه من قبل جمهور من الأهالي بعريضة موقعة من قبل (300) رجل او أكثر.
  • ان يتم ترشيحه من قبل الحزب الذي ينتمي إليه.
  بموجب هذا القانون أصبحت الانتخابات تجري على مرحلتين، في الأولى يقوم الذكور المسموح لهم بالانتخاب باختيار شخصيات  معينة حددت لهم من قبل الجهات الحكومية  بعد ان يتم تشكيل هيئة  تفتيشية انتخابية تكون تحت إشراف موظف مختص وعضوية رئيس مجلس إدارة الناحية ورؤسائها الروحانيين للإشراف على الانتخابات ، و يتم تقسيم الفائزين على شكل مجموعات بحيث لا يتجاوز عدد المجموعة الواحدة ثلاثمائة شخص، ثم يحدد لهم موعد لإجراء الانتخابات حيث يقوموا بتدوين أسماء الشخصيات الراغبين بانتخابهم على ورق خاص مختوم يتم وضعه في صندوق خاص(وهؤلاء يطلق عليهم اسم المنتخبون الأولون)، بعدها يتم فرز الأصوات  و يحصل الفائزون على مضبطة من الهيئة  التفتيشية الانتخابية  المشرفة على تلك الانتخابات تؤيد فوزهم لغرض إرسالها لنظيرتها في القضاء لتحديد موعد إجراء انتخاب الشخصيات التي ستكون أعضاء في هيئة المبعوثان (وهؤلاء الناخبون يطلق عليهم تسمية الناخبون الثانويين)، اذ سيتم منح الفائزين مضابط مصدقة من المجالس الإدارية في الأولية لغرض عرضها على هيئة المبعوثان عند عقد اجتماعها.
 اما في مجال العقوبات فقد توعد القانون المخالفين بعقوبات مختلفة حسب نوع الخرق القانوني، فحددت عقوبة المرشح الثانوي الذي يقدم رشوة لناخبيه او وعدهم بمنصب معين  في حالة فوزه بغرامة تتراوح مابين عشرة الى خمسون ليرة عثمانية وحبسه لمدة تتراوح ما بين شهرين وعاما ونصف، وكذلك تطبق هذه العقوبة على  المنتخب المرتشي، أما اذا كان المرتشي موظفا فيضاف لتلك العقوبة عقوبة طرده من الوظيفة، اما عقوبة سارق صناديق الاقتراع او قيامه بإتلاف أوراق الاقتراع فتكون السجن لفترة تتراوح ما بين عاما الى ثلاثة أعوام مع فرض غرامة مالية مقدارها  من عشرة الى مائة ليرة عثمانية، اما عقوبة من يكرر اسمه أكثر من مرة لغرض ممارسة تكرار الانتخاب فتكون السجن لمدة تتراوح من أسبوع الى شهر، كا حددت عقوبة الشخص الي يستغل عدم معرفة الناخب للقراءة والكتابة ودون اسم شخصا مرشح غير الذي اراده الناخب بالسجن لفترة تتراوح بين شهر الى ستة أشهر مع غرامة مالية مقدارها يتراوح مابين ليرة واحدة الى عشر ليرات، كما حددت عقوبة كل من يهدد احد المرشحين او المنتخبين او عوائلهم او ممتلكاتهم بالسجن لفترة تتراوح مابين شهر الى عام، مع غرامة مالية يتراوح مقدارها مابين خمس الى عشرون ليرة عثمانية، كذلك حددت عقوبة من يحاول تعكير جو الانتخابات وبث الدعايات ضدها او ضد احد المرشحين بالسجن من شهر الى عام مع غرامة مالية تتراوح مابين ليرة واحدة الى أربعون ليرة عثمانية، كما حددت عقوبة الشخص الذي يعتدي على أعضاء الهيئة التفتيشية الانتخابية بالسجن لفترة تتراوح مابين ثلاثة الى خمسة أعوام  واذا ثبت تعاونه مع جماعات في مناطق أخرى للقيام بالإعمال ذاتها فتزداد عقوبته لتصل الى خمسة عشر عاما.
بدأت الانتخابات في  شهر تشرين الثاني عام 1908 وانتهت في شهر كانون الأول  من السنة ذاتها في عموم ولايات الدولة العثمانية ، وفي السابع عشر من كانون الأول من العام ذاته عقد المجلس العمومي أولى جلساته بحضور مائتان وستون عضوا، منهم مائة وتسعة عشر عضوا تركيا واثنان وسبعون  عضوا عربيا ، منهم سبعة عشر مبعوثا عن الولايات العراقية الثلاث(الموصل وبغداد والبصرة) ، وهم كل من :-
ت
              الاسم
ممثل عن
الديانة
                    الطبقة الاجتماعية
1
محمد علي فاضل آل عبد الحافظ
الموصل
مسلم
رئيس كتاب المحكمة الشرعية بالموصل
2
داود يوسفاني
الموصل
مسيحي/ كلداني
عضو محكمة استئناف الموصل
3
الحاج ملا سعيد كركوكلي زاده
السليمانية
مسلم 
عضو مجلس إدارة لواء السليمانية
4
محمد علي مصطفى قيردار
كركوك
مسلم
عضو مجلس إدارة لواء كركوك 
5
الحاج عبد المهدي الحافظ
كربلاء
مسلم
من الوجهاء وكليدار الحضرة العباسية
6
عبد المحسن السعدون
العمارة
مسلم
من الوجهاء وكبار ملاكي الأراضي
7
عبد المجيد الشاوي
العمارة
مسلم
من الوجهاء
8
إسماعيل حقي بابان
بغداد
مسلم
من الوجهاء
9
ساسون حسقيل
بغداد
يهودي
من كبار موظفي اليهود ومتخصص بالسياسات المالية
10
علي علاء الدين الالوسي
بغداد
مسلم
عضو المجلس الإداري لولاية بغداد
11
شوكت باشا ابن رفعت بك(والد ناجي)
الديوانية
مسلم
من الوجهاء
12
السيد مصطفى نور الدين ال واعظ (والد ابراهيم)
الديوانية
مسلم
من الوجهاء
13
طالب باشا النقيب
البصرة
مسلم
من طبقة الأعيان وملاكي الأراضي
14
عبد الله احمد باشا الزهير
البصرة
مسلم
من الوجهاء وصاحب جريدة الدستور
15
رأفت السنوي(والد نشأت)
المنتفك
مسلم
من أصول تركية
16
خضر لطفي
المنتفك
مسلم
عضو محكمة بداءة المنتفك ومن اصول تركية
17
صالح باشا النفطه جي
كركوك
مسلم
من فئة كبار موظفي الدولة  حيث تسنم منصب متصرف الحلة
 
الملاحظ على أعضاء  هيئة المبعوثان بأنه  ضمت شخصا شيعيا عن لواء كربلاء ، وآخر يهوديا عن لواء بغداد  وتعيين شخصين من القومية التركية ضمن عضوية لواء المنتفك ، وذلك كي توصل جماعة الاتحاد والترقي رسالة لعامة الرعايا العثمانيين بانهم بدأوا عهدا جديدا لا تفرقة فيه بين الناس على أساس المذهب او الدين، لكن لوحظ أيضا بان جميع الأعضاء تم تعينهم من قبل الحكومة بما يتلائم مع رغباتها وينسجم مع سياستها ولم يتم اختيارهم من قبل عامة الناس، وقد انعكس ذلك سلبا على أدائهم السياسي ،فبدل ان يكونوا في خدمة أبناء بلدهم  ويطالبوا بإصلاح أوضاعهم كافة ،تحولوا في خدمة الحكومة العثمانية  وتحقيق سياساتها وأهدافها العامة ،وذلك للحفاظ على مصالحهم الشخصية  وامتيازاتهم المالية والمعنوية وقد وصف الشاعر معروف عبد الغني الرصافي عودة العمل بالدستور العثماني بعدد من أبيات الشعر التي جاء منها قوله:-
يا أهل بغداد متى ينجلي       هذا العمى عنكم وهذا الفتور
قد اعلن الدستور ولكنكم       لم تظفروا منه ولا بالقشور
يقول من شاهد مبعوثكم    سبحان من يبعث من في القبور.
   مع ذلك فقد اقر المجلس العمومي بشكل عام وهيئة المبعوثان فيه بشكل خاص ،العديد من اللوائح القانونية بضمنها قانون الاجتماعات العمومية و تعديل القانون الأساسي وقانون الانتخاب، فضلا عن قراره المتخذ في السابع والعشرين من نيسان عام 1909 والقاضي بخلع السلطان عبد الحميد الثاني.





ثانيا:-  تعديل بعض مواد القانون الانتخابي العثماني
            شمل تعديل القانون الأساسي المواد الآتية:-
  • المادتين( 7، 27)، واللتان كانتا تعطيان للسلطان العثماني الحق في تعيين وإقالة جميع الوزراء، فأقتصر بموجب التعديل حق السل السلطان تعيين وإقالة الصدر الأعظم وشيخ الإسلام ،وأصبح تعيين الوزراء من حق الصدر الأعظم على ان يصادق السلطان على تعيينهم.
  • المادة(30) بموجب تعديلها أصبح لهيئة المبعوثان الحق في مسائلة ومحاسبة الوزراء المقصرين في أداء أعمالهم.
  • المادة(35) وبموجب تعديلها تم حرمان السلطان العثماني من حق حل هيئة المبعوثان او مجلس الوزراء في حالة حدوث خلاف بينهما حول قضية ما او مشروع قانون معين،بل تم تحديد حق السلطان في حل هيئة المبعوثان في حالة تقديم الهيئة ذاتها  لاستقالة أعضائها ومصادقة هيئة الأعيان على تلك الاستقالة ، على ان تجري الانتخابات الجديدة في موعد أقصاه ثلاثة أشهر من تاريخ حل الهيئة بدلا من ستة أشهر وفق القانون السابق.
  • المادة (43)،أصبح بموجب تعديلها الحق للمجلس العمومي  عقد اجتماعاته دون الحاجة لدعوة السلطان لذلك.
  • المادة(44)،وبموجب تعديلها أصبحت مسألة عقد جلسة استثنائية للمجلس العمومي ،او تمديد عمل المجلس يتم من خلال تصويت أكثرية أعضاء المجلس ،حيث سحبت تلك الصلاحية من يد السلطان، مع الإشارة الى انه تم إلغاء مسألة إنقاص مدة عقد جلسات  المجلس نهائيا.
  • المادة (53) أعطى التعديل الحق لكل وزير او عضو هيئة أعيان او مبعوثان اقتراح سن القوانين او تقديم مشروعات القوانين، والتي كانت  سابقا من صلاحيات مجلس الوزراء(هيئة الوكلاء)، وموافقة السلطان العثماني حصرا.
  • المادة(54) قبل تعديل هذه المادة كانت مشاريع القوانين التي يصادق عليها المجلس العمومي لا تعد دستورا الا بعد مصادقة السلطان العثماني عليها، وبموجب التعديل أصبحت مشاريع  القوانين التي يقرها المجلس  يتم رفعها للسلطان العثماني لغرض المصادقة  ،وفي حال تأخر تصديقها او امتنع السلطان العثماني عن المصادقة عليها خلال مدة شهرين ،فيتم إرجاعها للمجلس العمومي  بهدف المصادقة عليها على ان تحظى بأكثرية ثلثي أعضاء المجلس.
  • المادة (60) كانت هذه المادة تؤكد على وجوب تعيين  رئيس وأعضاء هيئة الأعيان من قبل السلطان العثماني  مدى الحياة ،على ان لا يتجاوز عددهم ثلث أعضاء هيئة المبعوثان،و بموجب التعديل تم تحديد صلاحية السلطان العثماني في تعيين اؤلئك الأعيان الى ثلث الثلث لمدى الحياة ، أما الثلثان الآخران فيتم تعينهم من قبل أعضاء هيئة المبعوثان  لمدة تسع سنوات فقط.
  • المادة(77) وبموجبها تم سحب يد السلطان العثماني في تعيين رئيس هيئة المبعوثان ونائبيه،وأصبح ذلك من صلاحية أعضاء الهيئة ذاتها ، ويتم إعلان السلطان فقط بالرئيس ونائبيه.
 

شارك هذا الموضوع: