الاندماج الأخلاقي في المجتمع
     تعد الأخلاق من الركائز النفسية المحددة للسلوك الإنساني في المواقف المختلفة ؛ فهي تدفع الفرد لإظهار جوانب شخصيته والأخلاق هي أسمى هدف من أهداف التربية إذ إنها تنظم حياة الأفراد والمجتمعات ؛ فهناك أنماط سلوكية مقبولة في المجتمع وأخرى مرفوضة ، بحيث اصبح هدف التربية والتعليم تنمية تلك السلوكيات المقبولة ورفض المرفوضة منها، سعياً وراء تكوين منظومة قيمية أخلاقية والأخلاق شيء ضروري في حياة الأفراد والمجتمعات ، فهي أساس اتزان شخصية الفرد وتكاملها ، وتنمية الإرادة لديه في مواجهة متطلبات الحياة واتخاذ القرارات الصعبة  فالأخلاق ضابط من ضوابط استقراره وأمنه ورقيه وأن وجود فجوة أخلاقية تؤدي لأزمات نفسية واجتماعية وتربوية . 
   وقد تناول الفلاسفة اليونان القيم الاخلاقية حيث اشار اليها افلاطون في حديثه عن الحقّ والخير والجمال والفضيلة فكان يرى ان الفضيلة هي سبيل الانسان لبلوغ السعادة , وان العقل هو المرجع , حيث ان الاخلاق لدى الاغريق تعتمد على العقل في الجوانب المختلفة , يرى اصحاب الاتجاه المثالي وعلى راسهم افلاطون ان السلوك الاخلاقي مبني على الحكمة والممارسة وان الفعل والاخلاق هما قمة المعرفة , وتعد الاخلاق سلوكًا قبل ان تكون علماً ولا يكفي للسلوك الاخلاقي ان يحدث مرة او مرتين اذ لابّد ان يتكرر حتى يصبح عادة وخلقاً راسخاً. 
 ويركز علم النفس الاخلاقي في طياته على المفاهيم الاخلاقي بشكل مفصل ومتعمق اذ استخدم مصطلح علم النفس الأخلاقي سابقاً على نطاق ضيق نسبيًا للإشارة إلى دراسة التطورات الأخلاقية لكن في الآونة الأخير، أصبح المصطلح يستخدم للإشارة إلى موضوعات متنوعة وشمولية على نطاق واسع، وتجمع هذه الموضوعات بين الأخلاق وعلم النفس وفلسفة العقل, فمنذ ان بدأ علم النفس ينفصل عن الفلسفة، توسع علم النفس الأخلاقي كي يتضمن تصور المخاطر والتخليق والأخلاق المتعلقة بالممارسات والسلوكيات والنشاطات اليومية، ومفاهيم مثل تقدير الذات ودور العاطفة عند تحليل الهوية الأخلاقية للأفراد ، ولذلك اصبح علم النفس الأخلاقي يعد مجالًا مزدهرًا من الأبحاث يمتد إلى العديد من التخصصات والهيئات الرئيسية التي تبحث في الأساس البيولوجي والمعرفي والثقافي والنفسي والاجتماعي للحكم والسلوك الأخلاقي بالإضافة إلى مجموعة متزايدة من البحوث حول الحكم الأخلاقي في سياق المجالات الحياتية المختلفة .   
   و يؤكد مفهوم الاندماج الاخلاقي الى انتقال الافراد من التركيز على الاهتمام بالذات الى الاهتمام بالأخرين(الطيبة) اعتماداً على الالتزام بأفراد بعينهم وعلاقات معينة, ومن ثم ينتقلون الى اعلى مستوى من المستويات الاخلاقية اعتماداً على مبدأ الرعاية والاهتمام بالذات والأخرين (الحقيقة) أي ايجاد توازن ما بين الاهتمام بالذات والاهتمام بالآخرين فبهذا المستوى يندمجون اخلاقياً مع الحياة الاجتماعية فالاندماج الاخلاقي هو السلوك المتطابق مع القانون الاخلاقي للجماعة .
    ويرى كوتشانسكا (2002 Kochanska, ) ان مع نمو الأطفال يتطور الفهم والوعي الأخلاقي من خلال المشاركة والاندماج اخلاقياً في الحياة ، ويؤكد كونر , 2002) Konner) على ان الاندماج ألاخلاقي او ما يسمى باخلاقيات المشاركة تتعلق بمشاعر الحميمية والوئام بين الأشخاص في اللحظة الحالية ، مما يعني أن الدماغ الأيمن يسيطر على التجربة  فالاندماج الاخلاقي باعتباره “انسجام الأخلاق” هو ارتباط الحب , والرعاية , والتعلق ,والتعزيز ,والسمعة  ,والتدفق مع القيم والمبادئ، والتواصل مع الآخرين في الوقت الحالي .
    و ترتبط الاحكام الاخلاقية للفرد بإدراكه المتصور لنسبية القيم الاجتماعية والحاجات الفردية , وهذا يرتبط بادراك القانون كعقد اجتماعي وهذا العقد يتضمن القواعد المتفق عليها , ويتحدد الفعل الصائب في هذه المرحلة على ضوء الحقوق العامة للأفراد , والمعايير المتفق عليها بواسطة المجتمع ككل , اذ ينظر الى الالتزام الاخلاقي من منظور التعاقد الاجتماعي . ويتحدد الواجب في هذه المرحلة على اساس التعاقد مع الاخذ بنظر الاعتبار عدم التعدي على حقوق الاخرين وارادتهم.
 وفي هذه المرحلة توجد رغبة لدى الافراد في المحافظة على النظام الاجتماعي , وتجدر الاشارة الى انه ليس بالضرورة ان كل مجتمع يعمل وفق نظام يكون مجتمعا جيدا , فالمجتمع الديكتاتوري قد يكون جيد التنظيم لكنه ليس بالضرورة ان يكون مجتمع مثالي اخلاقي . وفي هذه المرحلة يبدأ الافراد بالتساؤل حول مايحققه المجتمع الصحيح, ويبدأون في التفكير بطريقة تجعلهم يتخطون مجتمعهم الخاص واضعين في الاعتبار القيم , والحقوق , والمبادئ التي يجب ان يقوم المجتمع عليها , ثم يحكمون على المجتمع القائم على ضوء هذه الاعتبارات السابقة


شارك هذا الموضوع: