البدايات الأولى للمعارف في العراق خلال الحكم العثماني1534-1896
مقالة بعنوان
البدايات الأولى للمعارف في العراق خلال الحكم العثماني
1534-1896
ا.م.د. فلاح حسن كزار:- جامعة كربلاء/ كلية التربية للعلوم الإنسانية/قسم التاريخ
اميل : falah72.a@uokerbala.edu.iq
موبايل: 07711911040
2024
يعد التعليم احد الركائز الرئيسة -بالإضافة إلى ركيزتي (الصحة والقضاء)- لقياس مدى تقدم وتطور المجتمعات والدول, فمهمته لا تقتصر على خلق أجيال مزودة بسلاح العلم والثقافة والمعرفة فحسب, بل انه يُعد الجهة الرئيسة إن لم تكن الوحيدة المسؤولة عن رفد جميع المؤسسات والدوائر الرسمية وغير الرسمية بالكوادر الوظيفية المؤهلة والمتخصصة في تلك المجتمعات والدول, وبقدر تعلق الموضوع بركيزة التعليم في العراق , فانه لابد لنا ان نتعرف على أسس تطوره ,والتي تعود إلى حقبة الاحتلال العثماني له حيث دامت حوالي أربعة قرون (1534- 1914), وعليه يمكن عد السيطرة العثمانية عليه خلال تلك الحقبة التاريخية البدايات الأولى لنشوء المعارف ومجالسها فيه, اذ سعت تلك الدولة إلى تطويره – نوعا ما- من اجل تحقيق عدد من أهدافها ومصالحها والتي يعد من أبرزها, ( كسب الرأي العام العراقي والظهور له بمظهر المصلح أولا, ومحاولة منها لإصلاح مؤسستها العسكرية التي تراجعت كثيرا -قياسا بالمؤسسة العسكرية الأوربية- وإدراكها بان ذلك الإصلاح لا يمكن ان يتم دون إصلاح المؤسسة التعليمية برمتها ثانيا).
ارتبطت تسمية المعارف بالعلوم والفنون العربية القديمة والآثار الإسلامية التي كانت من المراكز العلمية الكبيرة آنذاك بالشكل الذي جعلها محورا للمفاهيم والأفكار الإنسانية، الأمر الذي دفع بعض أفاضل الأمة الإسلامية على العمل من اجل أعلاء تلك المعارف عن طريق جمع الكتب العربية القديمة وصيانتها وحمايتها من الضياع والتلف، وتأسيس جمعية علمية حملت ذلك الاسم والمعنى(المعارف) ،أخذت على عاتقها طبع بعض الكتب العربية القديمة وجاءت الكتب الدينية في المقدمة منها، فضلا عن طباعة بعض الآيات القرآنية والكتب ذات الصلة بأصول النحو، وبعض الكتب العربية الفكرية، وهذا يشير إلى أن كلمة( معارف) من حيث الاصطلاح جاءت الدلالة على العلوم العربية ونشرها والإفادة منها .
بعد الاحتلال العثماني للعراق عام 1534 من قبل السلطان العثماني سليمان القانوني ، عمل السلطان على وضع أسس جديدة للنظام الإداري فيه ، إلا أن واقع الحال أكد غير ذلك إذ عانت تلك الإدارة من الفوضى والإرباك، وافتقرت إلى نظام ووسائل اتصال مقبولة، فضلا عن ذلك ضعف نظام التعليم ومؤسساته ، الذي لم توله الدولة الاهتمام المطلوب اذ اقتصرت أماكن التعليم على )الكتاتيب) والتكايا والربط المجاورة للمساجد أو البيوت الخاصة، التي لم تلق هي الأخرى الدعم المطلوب من الدولة ولم تشترط المؤهلات الأساسية في إعداد المعلمين فيها وفي الجهة المخولة في إدارتها والإشراف عليها ، وعليه اقتصرت إدارة تلك الأماكن (التعليمية) على شخص يدعى (المُلا) .
لقد اثر انحدار المستوى التعليمي في الدولة العثمانية في تراجع نفوذها وقوتها العسكرية مقارنة بقوة الغرب المتنامية ، وأدرك سلاطينها تلك الحقيقة وشعروا بالحاجة الماسة لإصلاح أوضاع الدولة داخليا ،لاسيما بعد الخسائر العسكرية الكبيرة التي منيت بها قواتهم أمام قوات الدول الغربية ،الأمر الذي دفعهم الى التوجه السريع تجاه إصلاح المؤسسة العسكرية ونظمها والتي تطلب إصلاحها بطبيعة الحال إصلاح المؤسسة التعليمية.
فضلا عن ذلك ان شعور الدولة العثمانية بخطورة البعثات الأوربية التبشيرية التي تمكنت من افتتاح مدارس لها في عددا من ولايات الدولة العثمانية لاسيما في ولاية العراق ، قد أثارت مخاوفها من منافسة أوربية لها في ولاياتها وشكل عامل ضغط آخر من اجل الإسراع في إصلاح التعليم ومؤسساته ،فأنشأ السلطان سليم الثالث بعض المدارس العسكرية على النمط والطراز الأوربيين واستقدم إليها مدرسين فرنسيين، كما عمل السلطان عبد المجيد الأول على تنظيم شؤون التعليم ومؤسساته، فتم إصدار مرسوما إصلاحي عام 1839 باسم (خط شريف كلخانة) ،الذي أكد على ضرورة تحمل الدولة العثمانية جميع تكاليف ونفقات التعليم ، كما تشكلت عام 1864 لجنة خاصة لدراسة الواقع التعليمي في الدولة العثمانية وولاياتها وتقديم المقترحات اللازمة للنهوض بيه ، وقد قامت اللجنة بتقديم توصيات تم على ضوئها تشكيل مجلس (ديوان) عالٍ للمعارف مقره في العاصمة استانبول يتولى مهمة الإشراف على شؤون التعليم مع لجنة استشارية .
عد ذلك المجلس النواة الأولى لأول إدارة تعليمية تولت رسم السياسة التعليمية في الدولة العثمانية ، وأشرفت على تنفيذها بدلا من رجال الدين، ومن حيث ارتباطه الإداري أصبح هذا المجلس تحت إشراف نظارة (وزارة) الخارجية في أول الأمر، ثم اُلحق (بنظارة المعارف) التي تأسست عام 1847 .
على الرغم من ذلك فان الواقع التعليمي لم يتطور بالشكل المطلوب، الأمر الذي دفع السلطان عبد المجيد الأول إلى إصدار مرسوم إصلاحي جديد عرف باسم ( خط همايون) وذلك في شباط عام 1856، الذي أكد فيه على الإصلاحات السابقة وضرورة وضع تشكيلات جديدة للمعارف وإنشاء مكاتب أهلية للمعارف على أن يراعى في ذلك طرائق التدريس واختيار المعلمين فيها من اختصاص ومهام مجلس المعارف.
وعليه يمكننا القول أن الدولة العثمانية لم تكن راغبة بالقيام بإصلاحات حقيقية تعالج جذور المشكلة وإيجاد الحلول الفعلية لها ، بل أشارت إلى قشورها وسعت لإيجاد حلول سطحية لها بالشكل الذي يخدم مصالحها ويحافظ على بقاء نفوذها في الولايات الخاضعة لسيطرتها، عن طريق امتصاص نقمة شعوب تلك الولايات والظهور لهم بمظهر المصلح أولا، وتعزيز ارتباطها إداريا مع مركز الدولة ذاتها بصيغة علمية وأدبية ثانيا.
استمرت إصلاحات الدولة العثمانية في الجانب التعليمي حتى إصدار (نظام المعارف العمومية- معارف عمومي نظامنامة سي) في العشرون من أيلول عام 1869، الذي عد اول نظام مدني تشريعي للتعليم الجديد في الدولة العثمانية، وقد كان هذا النظام متأثرا بشكل كبير بنظام التعليم الفرنسي.
تضمن نظام التعليم الجديد مائة وثمانية وتسعون مادة، تطرقت الى شؤون التعليم المختلفة وإدارته ومؤسساته، كما أشار إلى أن إدارة التعليم في الولايات سوف تناط بمجلس معارف كل ولاية والذي سيتشكل لهذا الغرض، وعد المجلس السلطة الإدارية الرسمية للتعليم في الولاية ، بحيث يكون بمثابة شعبة تابعة لمجلس المعارف الأعلى الموجود في العاصمة استانبول ،كما نص على تشكيل مديريات للمعارف برئاسة رئيس مجلس معارف الولاية، على ان تتولى نظارة المعارف العمومية مسؤولية تعينه وتعيين كبار موظفي مجلس معارف الولاية.
كما نص النظام ان يكون بعض موظفي مجلس معارف كل ولاية من الشخصيات المحلية التي تختارها إدارة الولاية، اما الإدارة التعليمية في السناجق(الاقضية) التابعة للولاية فتناط بشخصين من موظفي مجلس معارف الولاية يطلق عليهم اسم (المفتشين) (، فضلا عن ذلك حدد النظام المذكور مهام مجالس معارف الولايات بما يأتي :-
تنفيذ تعليمات و أوامر نظارة المعارف.
صرف الإعانات المالية التي تقدم لمعارف الولاية في أماكنها الصحيحة.
الإشراف على بناء المدارس والمكتبات العامة والمطابع.
تنظيم الميزانية السنوية للمدارس الحكومية.
مراقبة سير التدريس في مدارس الولاية ورفع تقرير سنوي الى نظارة المعارف العمومية ومجلس الولاية عن أوضاع ومشاكل التعليم.
اختيار وتعيين المعلمين للمدارس الحكومية وإصدار أوامر الفصل بحقهم إذا اقتضت الضرورة.
منح رئيس مجلس المعارف في كل ولاية صلاحية صرف مخصصات المعارف في الأبواب المخصصة لها .
كما نص أيضا على تولي المجلس المحلي في كل ولاية وصندوق المعارف فيها مسؤولية الصرف على المؤسسات التعليمية الحكومية.
تزامنت تلك الإصلاحات مع تعيين مدحت باشا واليا لبغداد عام 1869، الذي أولى بدوره هو الآخر التعليم اهتماما يذكر، حيث أشار بالقول(( الاهلون لائقون لكل تعليم، وأنهم يستطيعون أكثر من غيرهم التقدم عند توفر الفرصة)) ، وكجزء من سياسته الإصلاحية المتعلقة بالتعليم وضع نظام المعارف النظام الصادر في العشرين من أيلول عام 1869 موضع التطبيق،فانشأ عددا من المدارس فضلا عن إنشائه المؤسسة التي تشرف عليها.
وقدر تعلق الأمر بالنظام التعليمي الذي أقرته الدولة العثمانية، وما تضمن من تعليمات وتوصيات فالمؤكد أن الاهتمام بالتعليم وشؤونه لم يحظ بالأهمية اللازمة إذ بقي حبرا على ورق، وارتبط ذلك بعدم جدية السلطات العثمانية في نشر التعليم من جهة، وافتقارها للإمكانات المادية والملاكان المتخصصة الكفوءة من جهة ثانية، لاسيما إذا ما علمنا بان تلك الإصلاحات لم تتعد إصدار التشريعات القانونية وإرسال بعض الأشخاص لتولي إدارة تلك المجالس أو الإيعاز بفتح بعض المدارس .
في عام 1871 أصدرت الدولة العثمانية (نظام الولايات العثمانية) والذي أصبح العراق بموجبه مقسما إلى ثلاث ولايات(الموصل،بغداد، البصرة) بعد أن كان ولاية واحدة، وقد فرض هذا النظام تقسيم الولاية الواحدة إلى عدد من الوحدات الإدارية تتولى مسؤولية إدارتها مجالس إدارية تضم عددا من الأعضاء المنتخبين وآخرين معينين من قبل الولاة ، كما أناطت بعض مواده مسؤولية التعليم وإدارة شؤونه بالمجالس الإدارية ذاتها، أما وظائف مديري المعارف ، فقد تحددت برئاسة مجالس المعارف في ولاياتهم والإشراف المباشر على أعمال إدارات المعارف فيها.
على ضوء ذلك تم تشكيل أول مجلس للمعارف في ولاية بغداد عام 1872،إلا أن هذا المجلس فشل في أداء أعماله نتيجة عدم تنظيم أعماله و عدم وجود الكوادر المتخصصة من جانب، وانعدام الرغبة الجادة للإدارة العثمانية في إحداث الإصلاحات الفعلية في الولايات التابعة لها من جانب آخر، ولا أدل من ذلك قيامها بعزل الوالي مدحت باشا عن ولاية بغداد في العام ذاته وذلك لخشيتها من أن تؤدي إصلاحاته إلى التأثير بشكل سلبي على وجودها في العراق ، فضلا عن قلة المدارس وقلة الموارد المالية المخصصة لها .
بعد تولي عبد الحميد الثاني عرش السلطة عام 1876، بدأت مرحلة جديدة من الإصلاحات التعليمية لاسيما بعد إعلانه الدستور في الثالث والعشرين من كانون الأول من العام ذاته، والذي أشار الى إنشاء قسما للرقابة في (نظارة المعارف العمومية) تكون مهمته تطبيق قوانين الصحافة والمطبوعات (، والإشراف على الحركة التعليمية في البلاد،إلا أن حدوث الاضطرابات المشاكل الداخلية والخارجية التي رافقت عهده حالت دون ذلك.
لم يستمر الوضع على هذا الحال، ففي عام 1880 عادت الدولة العثمانية للاهتمام بالتعليم والمؤسسات القائمة عليه من جديد، فتم إعادة هيكلة مجالس المعارف في الولايات والتي أصبحت تضم مديرا للمعارف وعدد من الموظفين بضمنهم المحاسب والكاتب، فضلا عن استحداث تشكيل لجان للمعارف في بعض الألوية والسناجق، وبهدف تفعيل عمل تلك المجالس في الولايات، صدرت إرادة سلطانية في الرابع من شباط عام 1882 نصت على تشكيل مجالس للمعارف في كل الولايات العثمانية وفق ما نص عليه نظام المعارف العمومية السابق ، وتبعا لذلك تم عام 1884 إعادة تنظيم مجلس معارف بغداد حيث ضم رئيسا وستة أعضاء نصفهم من موظفي المعارف الذين أرسلتهم نظارة المعارف العمومية وهم من الأتراك ،أما النصف الأخر فاقتصر على الشخصيات البارزة من أبناء الولاية ، مع الإشارة إلى أن جميع الأعضاء كان يتم استبدالهم بين عام وآخر .
كما ضم المجلس دائرتين خصصت أحداهما للكادر الوظيفي ومهمتها الإشراف على شؤون التعليم في الولاية ، فيما خصصت الدائرة الثانية للأعضاء المحليين ومهمتها مناقشة شؤون التعليمية في الولاية، والعمل على تطويره وحل المشاكل التي تواجهه واختيار المدرسين للمدارس ، وبقصد تميز عمل كل دائرة منهما أطلق على الدائرة الأولى تسمية (قلم المعارف) وعدت جهة تنفيذية ، فيما سميت الثانية (بمجلس معارف الولاية) وعدت جهة استشارية ، هذا وقد عملت الدائرتين معا تحت مسمى( هيئة مجلس المعارف) حتى عام 1892.
فضلا عن ذلك تقرر إنشاء مجلسين آخرين في كلا من ولايتي الموصل والبصرة ، وتم تشكيل هيئة مجلس المعارف التي ضمت ثلاثة عشر عضوا بإدارة جميل زادة محمد ، وأصبح في كل ولاية مديرية للمعارف ضمت مديرا وعددا من الموظفين، كما تألفت لجان للمعارف في بعض السناجق ، مع التأكيد على ارتباط عمل جميع تلك التشكيلات بديوان نظارة المعارف العمومية الذي كان يتألف من دائرة التحريرات ودائرة المحاسبة وأربع مديريات ومجلسين للمعارف أطلق على الأول منه اسم (مجلس المعارف الأعلى) الذي كانت مهمته متابعة الأمور الإدارية وشؤون التعليم في الدولة وولاياتها ، والثاني أطلق عليه اسم ( مجلس المفتشين) الذي حددت مهمته تدقيق الكتب المدرسية وتفتيش المدارس.
في عام 1893 صدر نظام جديد لتشكيل مجالس المعارف في الولايات، غير انه لم يختلف عن سابقه ، فتم تشكيل مجلس جديد للمعارف في ولاية بغداد برئاسة حكمت بك وذلك عام 1894.
كانت تلك المجالس متشابهة بصورة كبيرة من حيث الشكل والمضمون، اذ أنها لم تؤدِ إلى تطوير شؤون المعارف في الولايات ، ولم تكن لها إرادة جادة في ذلك ، بل على العكس من ذلك حيث انيطت إدارتها بموظفين صغار لا يمتلكون الخبرة والكفاءة المطلوبتين، فضلا عن ان بعضا منهم كان جاهلا بشؤون التعليم لاسيما الأتراك منهم ، وليس أدل على ذلك من وصف بعض الشعراء لدوائر المعارف حينما انشد احدهم قائلا:-
الجهل اجمعه بدا ئرة المعارف مستدير
أعضاؤها ورئيسها في الجهل ليس لهم نظير
وافى النذير بعزلهم ياحبذا ذاك النذير
لما أتى أرخت لا رجعت ولا رجع الحمير
فضلا عن ذلك ،فان اغلب الشخصيات المحلية – من الوجهاء ورجال الدين- المنتسبون لتلك المجالس لم تكن لهم أي علاقة بشؤون التعليم، مما اوجد فجوة واسعة بين النظام التعليمي والمؤسسات المشرفة عليه، كما أن نظارة المعارف العمومية هي الأخرى كانت تستبدل مدراء مجالس المعارف في الولايات بين الحين والأخر ودون أن تأتي بالأفضل منهم ،الأمر الذي أكده الشاعر معروف عبد الغني الرصافي عندما استقبل احد مدراء مجالس المعارف الجدد قائلا:-
معارف بغداد قد جاءها مدير من الطيش في مسرح
حمار ولكنه ناطق صبي ولكنه ملتحي
فيا أيها العلم ارتحل ويا أيها الجهل فيها أسلح .
أما في ولاية الموصل فقد تشكل مجلس للمعارف فيها عام 1890 على غرار ما تشكل في ولاية بغداد ، إلا أن الذي لوحظ في ذلك أن مجلس معارف الموصل ضم مجلسين، الأول اختص في شؤون التعليم الابتدائي وكان برئاسة الوالي نفسه وعضوية سبعة أعضاء أربعة منهم من وجهاء الولاية ، أما المجلس الثاني فكان برئاسة مدير المعارف وعضوية خمسة أشخاص ثلاثة منهم من وجهاء الموصل واثنان من مدراء المدارس ، أما مجلس معارف البصرة والذي تشكل في العام ذاته، فقد ضم ستة أعضاء جميعهم من وجهاء الولاية وانيطت رئاسته بأحدهم ، كما تشكلت في السناجق التابعة للولايات (هيئة للمعارف) ، التي اقتصرت مهمتها على تقديم المشورة لإدارات المدارس الحكومية في السنجق المرتبط من الناحية الإدارية بإدارة المعارف في مركز الولاية، وقد ارتبطت هذه المجالس جميعها بمجلس المعارف الأعلى الذي أشرفت عليه نظارة المعارف العمومية في العاصمة استانبول ، التي أخذت على عاتقها إصدار كتابا سنويا توضح من خلاله ما تم انجازه في السنة الماضية من بناء أو فتح مدارس أو ازدياد عدد الطلاب وكل ما يختص بالشؤون التعليمية وإداراتها ، فعلى سبيل المثال لا الحصر نشرت إحدى السالنامات العثمانية إحصائية بعدد المدارس الرسمية الموجودة في ولاية بغداد عام 1896 بإحدى وعشرون مدرسة، ونشرت سالنامة أخرى إحصائية بعدد الطلبة الدارسين في المدارس الرسمية وأعضاء إدارة المعارف في الولاية ذاتها بخمسة آلاف وثلاثمائة وعشرون طالبا من مجموع عدد سكان الولاية الكلي البالغ مائة واثنان وتسعون ألفا وستة، وبذلك شكلت ما نسبته (1: 36) أي انه من بين كل ستة وثلاثون شخصا هنالك شخصا واحدا متعلما، وتعد تلك نسبة ضئيلة جدا إن لم تكن معدومة في مستوى نشر التعليم بين عامة الناس آنذاك ،وهو مؤشر رسمي على فشل سياسة الدولة العثمانية في ذلك الجانب.