التجارة في العصر الفاطمي:
الطالبة: رحاب خليل ذهب / ماجستير تاريخ اسلامي
كان للتجارة دور مهم في اقتصاد الدولة الفاطمية، حيث كانت مصر معبرا للتجار بين الشرق والغرب بحكم موقعها الجغرافي بالدرجة الاولى وبسبب الاضطرابات التي كانت تعاني منها الدولة العباسية، الامر الذي ادى الى ضعف التجارة عبر الخليج العربي واتجاهها الى اسوان، ومنها وعبر النيل الى الاسكندرية. لقد ازدهرت التجارة في العصر الفاطمي على الصعيدين الداخلي والخارجي واصبحت بعض المدن المصرية مراكز تجارية مهمة يفد اليها التجار وتقصدها المراكب، ، وتقام فيها الاسواق التجارية لبيع السلع فقط تمتعت مصر دوما بإمكانيات زراعية وصناعية وتجارية متميزة كانت تنمو تدريجيا منذ فتح المسلمين مصر وحتى استيلاء الفاطميين عليها، وجاء الفاطميون بنظام اقتصادي ساعد على الافادة من هذه الامكانيات وتنميتها. وعدت استراتيجية الفاطميين الشرقية ومحاولة قضائهم على العباسيين الى احكام سيطرتهم على الطرق التجارية المؤدية الى الهند سواء للانتعاش الاقتصادي او لنشر الدعوة الاسماعيلية على طول الطرق التجارية وذلك بالإضافة الى تجارتهم مع جنوب اوروبا وشمال افريقيا وبيزنطة في الشمال.
اما بالنسبة الى اهم المراكز التجارية في العصر الفاطمية فيمكن ان نتعرف عليها من خلال تقسيم التجارة داخلية وخارجية:
(١) التجارة الداخلية: ظل الاقتصاد المصري في العصر الفاطمي بشكل اساسي اقتصادا طبيعيا حتى القرن الثامن عشر الميلادي، وكان الفلاحون في الريف المصري يشكلون اهم القوى الضرورية اللازمة لمواصلة الحضارة وكانت المدن بالطبع محاطة بالحقول والبساتين والحدائق التي تخص اولاد البلد، والتي تلبي الحاجات اللازمة للمواد الغذائية والمواد الخام اللازمة للحرفيين وغيرها، وكان التبادل التجاري محدود بين المدينة والقرية من اجل تصريف الفائض من المنتوجات عن حاجة الاهالي.
وكان لابد من تيسير هذا التبادل التجاري عن طريق اسواق خاصة بكل مدينة وسوقها الخاص بها، فقضى نظام الاسواق في العصر الفاطمي ان يتقابل البائع والمشتري، وعن طريق هذه الاماكن تنظم التجارة بين الاهالي حتى لا يتحكم حامل السلع في اثمانها، لذا كان اهل القرى يأتون بما لديهم من السلع الى مكان معين وفي وقت معين ايضا، حتى يستفيد الجميع من عامل المنافسة. وكانت التجارة الداخلية في مصر قائمة على اساس امداد وتمويل العاصمة ومدن الشمال الساحلية، حيث كان يتم نقل الحبوب والفواكه بشكل رئيسي، وكان نهر النيل هو الطريق الرئيسي للتجارة داخل البلاد. اما اهم المراكز التجارية في مصر في العصر الفاطمي هي مدينة الفسطاط التي كانت العاصمة التجارية لمصر وكان يطلق عليها في اوراق الجنيزة (مِصْر)، بينما اطلق عليها في الوثائق الشرعية (فسطاط مصر) وهو مصطلح كان يستخدم لتمييزها عن المدينة الاخرى حديثة النشأة وهي( القاهرة) العاصمة السياسية، والفسطاط المدينة، وكل مدينة فسطاط وكذلك قيل مصر فسطاط.
وتأتي أهمية الفسطاط كمركز تجاري وذلك لتوسطها بين الوجهتين القبلي( مصر العليا وهو صعيد مصر) والوجه البحري (مصر السفلى) ، واتصالها بكافة البلاد المصرية عن طريق نهر النيل فضلا عن كونها نقطة انطلاق لطرق بريه تسير فيها القوافل التجارية متجهة نحو الحجاز وبلاد الشام والمغرب.
وظلت الفسطاط من اعظم المراكز التجارية في مصر بلا منازع، وقد تحالف الظروف كثيرة حتى اكسبتها هذا المركز التجاري الممتاز منها موقعها على النيل في مكان متوسط بين الوجهتين القبلي والبحري، وعلى مقربة من النقطة التي ينقسم فيها النيل الى فرعيه الرئيسيين (فرع رشيد- فرع دمياط)، كما انها متصلة بالنيل بكافه انحاء البلاد من اسوان حتى ساحل البحر المتوسط. وكان في هذه المدينة ما لا يقل عن عشرين ألف دكان، وبها من السفن اكثر مما في بغداد او البصرة، وبها العمارات الشاهقة التي بلغت(١٤) طابقا، وأنشات فيها الفنادق والقياسر والوكالات مما يدل على عظم النشاط التجاري بها.
أما المركز التجاري الثاني المهم فهو القاهرة التي اسست سنة ٣٥٨هـ لتكون حصنا تتحصن به الاسرة الفاطمية بعد انتقالها الى مصر وظلت القاهرة طوال القرن الفاطمي الاول مدينة خاصة لا يسمح لأفراد الشعب بدخولها إلا بأذن خاص، وقد ادت الازمة الاقتصادية الطاحنة والفوضى السياسية التي اجتاحت مصر في اواسط القرن الخامس الى خراب الفسطاط عندما احرقت في الحروب الصليبية بعد اخلاءها لكي لا يستولي عليها الصليبيون، فأدى ذلك الى زوال اهمية الفسطاط وزيادة اهمية القاهرة الجديدة.
وكانت الاسواق في القاهرة كثيرة ومنتشرة في جميع الاحياء، ولا سيما بقصبة القاهرة، التي كانت تضيق بالباعة فيجلسون على الارض على طول القصبة ويعرضون اطباق الارز والمواد الغذائية والسلع الاخرى، وكثيرا ما كان يمنعهم والي القاهرة من الجلوس في القصبة والشوارع الضيقة لعرقلة السير فيها، كما عرفت القاهرة منذ أيام الفاطميين الاسواق المتخصصة، اي كان لكل نوع من السلع سوق تجمعه فيه الحوانيت تبيع البضائع ذات الفصيلة الواحدة، وكانت الاسواق عبارة عن مجموعة من الحوانيت في بناء واحد يسمى (القيسارية) الذي يكون مسقفا، ومن اقدم الاسواق في القاهرة سوق الشرايحيين، وسوق الصيارفة، وسوق الشماعيين وغيرها. ويتوافد الناس الى الاسواق من الاماكن البعيدة وهم على ظهور الدواب وكذلك اصحاب الدكاكين، لذلك اتخذ بعض الاشخاص من ذلك وسيلة للكسب والعيش.
ومن المراكز التجارية الاخرى في مصر هي الإسكندرية التي كانت لا تقل في الأهمية عن الفسطاط والقاهرة وذلك لكثرة سكانها واشتغالهم بالصناعة، وادى اشتغالهم بالصناعة الى الحاجة للمواد الغذائية والأولية التي تحمل اليها من اغلب انحاء مصر, وكانت الإسكندرية تحصل على حاجتها من الحنطة من داخل البلاد ,حيث كانت اهم السلع للتبادل التجاري بين المدن هي الحبوب والفواكه وبعض المواد الأولية مثل الكتان, حيث ان التقدم الصناعي كان له اثر في نشاط حركة التجارة.
كذلك امتازت بعض المدن بمركز تجاري ورخاء عظيمين ,واشتهر اهلها بالثراء , اما لوقوعها وسط مناطق زراعية او صناعية هامة او لأنها على طريق المتاجر المحملة الى شمال البلاد وجنوبها مثل (فوة) التي كانت من المراكز الهامة التجارية, لوقوعها على الطريق المائي الهام بين ساحل البحر الابيض المتوسط والفسطاط ، كما انها على مقربة من الخليج الذي يخرج من النيل الى الإسكندرية, مما جعل لها قيمة من جانب الفاطميين لتسهيل التجارة الداخلية, وهناك ايضا مدينه (اسوان )ومدينه( قوص) التي قامت بها الاسواق الكبيرة, لوقوعها عند نهاية طريق القوافل بين البحر الاحمر والنيل . وهذه المراكز قد عظمت حركة التجارة الداخلية وكثرت فيها الاسواق التجارية وزاد عدد سكانه ممن يشتغلون بالتجارة .
(2) التجارة الخارجية:
ان قيام الدولة الفاطمية الجديدة كفل توافر عناصر مهمه منها الأمن والاستقرار داخل البلاد وهو عامل وثيق الصلة بالتقدم الاقتصادي ,كما ان مصر اصبحت دولة مستقلة تمام الاستقلال ولها حكومة ربطت مصلحتها بمصلحه البلاد، ورسمت لنفسها سياسه متشعبة النواحي مما ساعد ان تتخذ لنفسها خطه لتنمية علاقاتها التجارية مع مختلف الدول ,وفي الوقت نفسه تستطيع ان تضع لنفسها سياسة جمركية ثابتة تمكنها من انشاء العلاقات مع الدول التي ترجو من الاتصال بها نفعا كان تعمل على تخفيض الرسوم على التجارة مثلا وغيرها.
لقد اتسعت التجارة الخارجية للدولة الفاطمية مع البلاد الآسيوية والأوروبية, فكانت مصر تستورد الكثير من الغلات من الهند والصين، كما ان حاجتها الى المواد الخام كالخشب والحديد حملتها على استيرادها من بعض الدول الأوروبية وصارت الإسكندرية من المراكز الرئيسية للتجارة ,فتنقل منها البضائع الآسيوية الى اوروبا وترد اليها السفن الأوروبية محمله بالسلع اللازمة للصناعة المصرية, كما قامت بين مصر والدول الإيطالية وبخاصة جنوة والبندقية علاقات تجاريه فأخذت سفن البندقية تنقل الخشب والحديد الى الموانئ المصرية, كما اقدم تجار جنوة على التعامل مع الفاطميين في النصف الاخير من القرن الحادي عشر وصارت سفنهم تبحر الى الموانئ المصرية .
كما اقامت مصر بعض العلاقات التجارية مع اسبانيا( الاندلس) كما حمل التجار الاندلسيين في زمن الشدة العظمى في عهد المستنصر(٤٢٧-٤٨٧ هـ) القمح والشعير والجواهر ومن الاندلس كانوا يستوردون نوعا خاصا من الأقمشة الرقيقة والجلود والحرير الخام والكتان وغيرها. كما كان للدولة الفاطمية علاقات تجارية مع سوريا على الرغم من انقطاعها فتره الحروب الصليبية, وكذلك كانت لهم علاقات مع ايران ووسط اسيا وروسيا والبيزنطيين , كما ارتبطت مصر بالمغرب عن طريق القوافل وايضا عن طريق النهر.