التخطيط الصناعي في الدول النامية.
م.د الاء حسين الخفاجي
في الإمكان تعريف التخطيط الصناعي ينفس مفهوم التخطيط الاقتصادي المنوه عنه سابقا، وذلك بكونه وسيلة علمية وعقلانية لتنظيم سلسلة من العمليات المترابطة والمتعاقبة ووضع الأولويات لها لبلوغ غايات وأهداف مقررة مسبقاً للقطاع الصناعي ضمن ستراتيجية معينة وخلال فترة زمنية محددة مع تحديد الوسائل الملائمة لبلوغ تلك الأهداف. وبهذا المعنى فإن التخطيط الصناعي لا يمكن أن ينظر إليه كغاية بحد ذاتها بل أنه وسيلة متكاملة وأداة عقلانية لبلوغ أهداف قابلة للتحقيق في ظل الظروف الموضوعية المتواجدة في الاقتصاد الوطني والقطاع الصناعي نفسه.
ان التقدم الصناعي الذي نشأ في أوربا خلال القرن الثامن عشر لم يكن مبنياً على اساس التخطيط الصناعي المسبق. بل ان علم الاقتصاد الحديث جاء نتيجة للتطور الاقتصادي والصناعي الذي احدثته الثورة الصناعية، فمن المعروف بان المذاهب الاقتصادية التي سبقت الثورة الصناعية كانت جزء من الفكر الفلسفي لقرون ما قبل الصناعة، وان التطور الاقتصادي في تلك الفترات حدث في غياب المفاهيم الاقتصادية المعاصرة، وليس في نيتنا مناقشة العوامل التي ادت الى نشأة التخطيط الصناعي كفكرة وكتطبيق فلاشك بأن المشاكل والأزمات التي رافقت الثورة الصناعية ادت تدريجيا الى ظهور الافكار والنظريات المعاصرة الداعية إلى الاعتماد على التحليل الاقتصادي ومن ثم أسلوب التخطيط من أجل ديمومة النمو الصناعي.
ومن المعروف بأن التقدم الاقتصادي في الوقت الحاضر لا يحدث بالمصادفة أو التلقائية بل أنه نتاج الفعاليات والنشاطات البشرية المعتمدة على التحليل الاقتصادي والاستنتاج الدقيق. ومن غير المحتمل حصول تنمية اقتصادية حقيقية ما لم يتم التنسيق والتوافق المنظم بين السياسات الاقتصادية والمشروعات الاستثمارية وجعلهما وحدة متكاملة يجري من خلالها تحسين كفاءة الاقتصاد وتحقيق التنمية وذلك عن طريق استخدام الأداة الأمثل وهي التخطيط الصناعي.
ان السمة الرئيسة لهذا النمط من التخطيط هي تخطيط الاستثمار الصناعي الذي تسعى اليه دول العالم الثالث او الدول النامية من خلال تطور تخطيط الاستثمار الصناعي لمعالجة المشاكل الكبيرة والمعقدة التي تواجه هذه الدول في اطار سعيها لتحقيق التنمية الصناعية والتصنيع ( Industrialization and Industrial of Development). لذلك فهي بحاجة الى حشد جهود ضخمة وخطط اقتصادية كفؤة.
وبعد التخطيط الصناعي (Industrial Planning ضرورة ملحة لها، وعليها اعتماده لتوجيه برامجها التنموية في الميدان الصناعي من اجل اختصار الزمن واستثمار الإمكانات بعقلانية، وفي هذا الإطار اعتمدت العديد من دول العالم النامي وربما اغليها أسلوبا ثالثا من التخطيط يمزج بين الاسلوبين السابقين استجابة للظروف الخاصة التي تتصف بها اقتصاداتها.
وفي هذا النمط من التخطيط تسعى الحكومات الى امتلاك الجزء الأكبر من وسائل الإنتاج الصناعي او الحلقات أو الفروع التي يتردد أو يعجز عن امتلاكها القطاع الخاص، فيما يكون للقطاع الخاص دور هام في امتلاك وإدارة وتشغيل وسائل أخرى للإنتاج الصناعي وفي قطاعات اقتصادية وخدمية أخرى.
كما ان الدولة قد تمتلك وتدير المنشآت الصناعية الضخمة والكبيرة فيما يدير القطاع الخاص الأنشطة الصناعية الثانوية والصغيرة والتكميلية، أو قد تتنافس الدولة مع القطاع الخاص او تختلط معه في قطاعات معينه، ويعني هذا ان المساحة المتروكة لعمل القطاع الخاص في الصناعة ليست واحدة في هذه الدول وانما تخضع للاجتهاد الذي تراه الدولة.

شارك هذا الموضوع: