((التداولية ومفهومها عند الدارسين العرب))
أ.د جاسم عبد الواحد راهي
 كلية التربية الانسانية ـــ جامعة كربلاء
Jasem.Abdalwahid@uokerbala.edu.iq
الحمدُ للهِ رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد الرسول الامين  وسيد المرسلينَ، وعلى آله الطاهرين.
وبعد:
إذا كانت اللغة جمموعة من القوانين التي يجمعها نظام واحد ونتيجة لذلك شهدت الساحة الفكرية بروز نظرية لسانية جديدة ولدت من رحم الفلسفة التحليلية هي اللسانيات التداولية قد اهتمت التداولية في بدايتها بالخطاب العادي ثم توسع  مجال اهتمامها ليشمل الخطاب الأدبي وعملت على تطوير مفاهيمها النظرية وأدواتها التحليلية في النصوص المختلفة وبحسب أغراض المتكلمين والمخاطبين.
تشكل التداولية اليوم قطبُ رحى العلوم اللسانية، إذ انصب اهتمام الباحثين واللسانيين عليها خصوصا بعد وصول نظريات سابقة للتحليل اللساني إلى الطريق المسدود فعلقوا عليها آمالاً عظيمةً طامعين أن يفكوا بها ألغازهم وأسئلتهم التي لم يجدوا لها تفسرياً فيما مضى من العلوم، وتعد التداولية مصب اهتمام الكثير من العلوم التي تهتم بالإنسان وفكره اللغوي، كعلم الإجتماع، وعلم النفس، والفلسفة واللسانيات وغيرها من التخصصات، كونها من العلوم اللسانية التي جاءت لتجمع بين التركيب والدلالة والسياق، بعدما شهدت الدراسات السابقة قصوراً واضحاً في إجراءاتها و نتائجها
لقد اختلفت وجهات النظر بين الباحثين حول مفهوم التداولية، والقيمة العلمية للبحوث. التداولية ومدى فائدتها إلا أن أغلبهم يقرُّ بأن التداولية تهدف إلى إيجاد القوانيين الكلية للاستعمال اللغوي والتعرف على قدرة التواصل اللغوي بين المتكلم والمخاطب ؛ فتعددت تعريفات التداولية لارتباطها بالمواضيع الكثيرة الاجتماعية منها والفلسفية واللغوية؛  فالباحثون يُعرفونها وفق دراستهم لهذه الموضوعات .
فالتداولية مصطلح يكتنفه الكثير من الغموض والسبب في ذلك ارتباطها بكثير من القضايا المثارة من قبل كثير من الحقول المعرفية؛ ولذلك جاءت مفاهيمهم مختلفة تبعاً لاختلاف المنطلقات الفكرية (عمر بو قمرة 2018).وبالرغم من تعدد تعريفات التداولية إلا أنها اتفقت على عدم الاكتفاء بدراسة النص بعلم النحو والصرف والتحليل الداخلي للكلمات داخل النص بل معرفة مقاصد المتكلم ومدى فهم المخاطب وتقبله الرسالة ومعرفة الظواهر البلاغية المتولدة عن التواصل اللغوي مثل الحجاج والاستلزام الحواري والاقتضاء وهي ظواهر تفرض نفسها وتطفو على السطح أثناء التخاطب البشري(جواد خاتم:2016)
إنَّ مفهوم التداولية في الغة مأخوذةٌ من الفعل الثلاثي (دول” الدال والواو واللام : أحدهما يدل على تحوّل شيء من مكان إلى مكان, والاخر يدل على ضعف واسترخاء فأما الأول فقال أهل اللغة اندال القوم إذا تحولوا من مكان إلى مكان ومن هذا الباب تداول القوم الشيء بينهم: إذا صار من بعضهم إلى بعض) (معجم مقاييس اللغة 2/314).
من أول تعريفات التداولية، أنها (دراسة العلاقة بين العلامات ومفسريها, وبما أن كل مفسري العلامات كائنات حية, فمن الصواب القول إنها تهتم بعملية إنتاج اللغة, وبمنتجيها وليس فقط بالنتاج نفسه أي اللغة) (شظايا لسانية. شارلز موريس: 2008). وعرفها الدكتور محمود أحمد نحلة بأنها (دراسة اللغة في الاستعمال أو في التواصل؛ لأنه يشير إلى أن المعنى ليس متأصلاً في الكلمات) ، ويرى الدكتور محمود أحمد نحلة أن مصطلح التداولية مصطلح عام لا يختص اللغة فقط, إذ يقول وهي كذلك لا تنضوي تحت علم من العلوم التي لها علاقة للغة بالرغم من أنها تتداخل معها في بعض جوانب الدرس. (فاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر(2002):14).
لقد استعار بعض الباحثين العرب تسميات تراثية ذات أبعاد اسلامية لمصلح التداولية مثل “علم المقاصد” أو “المقاصدية ” و”علم الذرائع “أو “الذرائعية” وأطلق الدكتور طه عبد الرحمن مصطلح “نظرية المقاصد” أو “علم المقاصد” على التداولية وهي عنده تبحث في المضامين القيمية للخطاب الشرعي في علم الاصول الفقه (جديد المنهج في تقويم التراث:98) وذهب الدكتور محمود عكاشة إلى أن ترجمتها (البرجماتية اللسانية) لأن أصلها مأخوذ من اللفظ اليوناني القديم” Pragma براجما) ويعني العمل وأول من استعمل لفظة (البراجماتية ) الفيلسوف والمنطقي الرياضي (تشارلز ساندر يرس) والفيلسوف الألماني إيمانويل كانت) . ((النظرية البرجماتية اللسانية. محمود عكاشة:9 ــ 15).
لقد دعا الدكتور مسعود صحراوي إلى البحث في صلة (التداولية بوصفه علمٌ تواصلي جديد باللسانيات وبغير اللسانيات من الحقول المعرفية فاللسانيات هي أقرب حقل عرفي إلى التداولية (التداولية عند العلماء العرب:15)
لقد أصبحت التداولية متعددة الحقول المعرفية لما يميزها عن باقي النظريات باحتوائها جميع جوانب الدرس
اللغوي، إذ لا تقتصر على جانب محدد من جوانب اللغة بل من الممكن أن تستوعبها جميعاً، وليس لها أنماط تجريدية ولاوحدات تحليل بل تقوم على دراسة الاستعمال اللغوي. فهي مشروع شامل يستدعي الخطابات بأنواعها، وينهض باللغة استعمالاً، وتصنف الخطابات حسب حقولها المعرفية، و يوظفها توظيفا يتجاوب مع الحدث الذي يستدعي لغة الخطاب. 

شارك هذا الموضوع: