التراث هوية
أ.د.عدي حاتم المفرجي
جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الانسانية – قسم التاريخ
تعددت هويات المجتمعات وافضلها هوية التراث والاعتزاز به وهو خلاصة ما خلفته الأجيال السابقة للأجيال الحالية لكي يكون عبرةً من الماضي ونهجاً يستقي منه الأبناء الدروس ليَعبُروا بها من الحاضر إلى المستقبل. والتراث مهم للشعوب فهو بمثابة الجذور في الشجرة، فكلما غاصت وتفرعت الجذور كانت الشجرة أقوى وأثبت وأقدر على مواجهة تقلبات الزمان. والتراث هو اسم شيء متوارث من الماضي وهكذا فكل مجتمع من المجتمعات عليه ان يتثقف باتجاه المحافظة على التراث الغني بكل مكوناته وما يزخر به، وبالفعل هو كل مخلفات الماضي التي وصلتنا حتى الآن وواجب علينا الحفاظ عليها بكل ما استطعنا من إمكانيات، فهذا واجبنا الأخلاقي اتجاهه لأنه يربطنا بالماضي. وإنّ الحفاظ على التراث ضرورة أساسيّة للشعوب التي تسّعى لتحقيق ذاتها الحضاريّة، وإثبات هويتها في ماضّيها وحاضرها، والتراث الثقافي للأمم أيضاً منبع لا يجفّ من المعرفة، ومصّدر هام للإبداع المعاصر، يأخذ منه مفكّروها، وأدباؤها وشعراؤها، وفلاسّفتها، لتأخذ الإبداعات الجديدة مكانها في خارطة التراث الثقافي، ان إحياء التراث هو أن يخرُج قارئه ودارسه بروحٍ ايجابية يستمدها مما قرأ أو درس، ليبثها افكار وسلوك في المجتمع،من شأنها أن تَعقِد الأواصر بينه وبين السلف الذي أحيينا تراثه، حتى ولو وقف من مضمون إرثه موقف الناقد أو المُتشكِّك. والجيل الجديد المتأثر بالعولمة والافكار الغربية التي تريد قطع الشعوب عن ماضيها لكي تصبح نكره سهلة السيطرة عليها بعد سلب ارادتها فيتساءل هذا الجيل ما هي قيمة التراث وماذا نستفاد منه والجواب عن أهمية التراث هو ان الفرد المحافظ على تراثه يساهم في تعزيز شعوره بالانتماء والانتساب إلى الهوية الثقافية، ويعمل على نقل هذه الهوية من جيل إلى جيل وتحقيق التواصل بين الأجيال المختلفة، وتعزيز الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وهذا يساهم في بناء مجتمع يتمتع بالتفاهم والتلاحم.والخلاص من سلبيات التراكم التاريخي الذي لحق بالشعوب وهي عدوة التراث مثل امراض المجتمع ( رَكِيكٌ سُوقِيٌّ وضعيفٌ وعامِّيّ و فاشِلٌ و مُبْتَذَلٌ ومتخلف ورجعي) وهنا التراث يريد ان يحول المجتمع الى قيمة عليا وامة قوية ذات سلوك حضاري ثقافي مميز وهذا الامر لا يتحقق الاعن طريق حفظ الآثار وحفظ الفن المعماري وحفظ الأفلام وحفظ الفونوغراف والعناية بعلم التاريخ .ان لكل مدينة صور متعددة من الهويات الخاصة بها تنطلق من مقومات كثيرة وبشكل عام خير هوية للمجتمع هو التراث الجامع للإرث الحضاري ومن خلاله نتعرف على ماهية المجتمع وميوله واتجاهاته وقواعد انطلاقه لمعاني الرقي والنهضة وبخاصة تراث لحاضرة إسلامية مثل المدن المقدسة في العراق والذي التقى بها كل من الموروث الإنساني قديمه وحديثه ، مادي وفكري ، سماوي وحضاري ، رجال ومواقف، ومعاني خالدة لمستقبل زاهر ومن خلال الغوص في بحر هذا التراث وإخراج المكنونات السامية نتعرف على هوية المدن الزاخرة بالتراث مثل مدينة كربلاء الزاخرة بالتراث المادي والمعنوي وعلى كل باحث اكاديمي ومثقف أمانة الكشف عن هوية هذه المدينة والذي ضربت أسمها في صفحات التاريخ من ملحمة خالدة في واقعة الطف واستشهاد الامام الحسين عليه السلام و مدارس فكرية، وأرث العلماء الأماجد ،وحمل هموم العراق واسترداد حقوقه من السلطات الزمنية وفوق ذلك ديمومة شعلة الجهاد في سبيل الله .وهذا الامر لا يكون الا بعناوين كاشفة لهوية المجتمع الكربلائي في معرفة الماهية الثقافية والحضارية بتوثيق منارة المدرسة الأصولية الفكرية ، او تسليط الضوء على أحد شهداء المدينة التي دفنته المصادر التاريخية ولم تشر إليه سواء بقصد أو بغير قصد ، إلى توثيق الطابع العشائري الأصيل في عاداته وتقاليده الأصيلة ،وتبيان مواقف خالدة لعلماء الدين في كربلاء في استرداد المطالب المشروعة ، كذلك كربلاء في أدب الرحلات و تسليط الضوء على الحركة التعليمية والعلمية المعرفية ، و معرفة النخب البرلمانية الكربلائية في مجلس النواب العثماني او الملكي وغير ذلك من المهام بل عشرات المواضيع التي هي بحاجة للبحث والدرس .إن علاقة الناس المتحضرة بتراثهم تشبه علاقة الطفل بأمه . وليس الشرف الذي تأخذه معك بعد نهاية حياتك في هذه الدنيا بل ما قدمته من خدمة للأجيال.