التعبير القرآني في سورة الفتح (الأسماء انموذجا)  ، ج 2
ا.د. فلاح رسول حسين
  اختص هذا المقال بالايات (5-24) من  سورة الفتح المباركة.
قال تعالى: (( لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا *  وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا))  [الفتح : 5 -6].    نجده عز وجل ذكرَ (المؤمنات) ، ولا يخلو ذلك من فائدة ، فذكرَ بعضهم أن للنساء أثرا كبيرا مع الرجال ، ولأجل دفع توهم اختصاص الرجال ذكر تعالى (المؤمنات) : ((وذكر المؤمنات مع المؤمنين هنا لدفع توهم أن يكون الوعد بهذا الإدخال مختصاً بالرجال . وإذ كانت صيغة الجمع صيغة المذكر مع ما قد يؤكد هذا التوهم من وقوعه علة أو علةَ علةٍ للفتح وللنصر وللجنود وكلها من ملابسات الذكور ، وإنما كان للمؤمنات حظ في ذلك لأنهن لا يخلون من مشاركة في تلك الشدَائد ممن يقمن منهن على المرضى والجرحى وسقي الجيش وقت القتال ومن صبر بعضهنّ على الثُّكل أو التأيّم ، ومن صبرهن على غيبة الأزواج والأبناء وذوي القرابة  )) 
كذلك الحال مع ذكر المنافقات  : ((وعطف ( المنافقات ) نظير عطف ( المؤمنات ) [ الفتح : 5 ] المتقدم لأن نساء المنافقين يشاركنهم في أسرارهم ويحضون ما يبيتونه من الكيد ويهيئون لهم إيواء المشركين إذا زاروهم .)).
قال تعالى: (( وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا))[الفتح : 7]
لا شك في أن للسياق  أثرا في اختيار اسم دون آخر ففي الآية (عزيزا حكيما) ،في حين الآية التي سبقتها ختمت بـ (عليما حكيما)  وفي ذلك يقول ابن عاشور متحدثا عن الاية المباركة : ((هذا نظير ما تَقدم آنفاً إلا أن هذا أوثر بصفة عزيز دون عليم لأن المقصود من ذكر الجنود هنا الإنذار والوعيد بهزائم تحل بالمنافقين والمشركين فكما ذكر ( ولله جنود السماوات والأرض ) فيما تقدم للإشارة إلى أنّ نصر النبي (صلى الله عليه وسلم) يكون بجنود المؤمنين وغيرهما ذكر ما هنا للوعيد بالهزيمة فمناسبة صفة عزيز ، أي لا يغلبه غالب .)).
قال تعالى : (( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا*  لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا))   [الفتح : 8-9] .
    ولا ريب ان ذكر (رسوله) ليس عبثا ؛  يقول ابن عاشور: ((والخطاب يجوز أن يكون للنبيء صلى الله عليه وسلم مع أمة الدعوة … وأقحم ( ورسوله ) لأن الخطاب شامل للأمّة وهم مأمورون بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يؤمن بأنه رسول الله ولذلك كان يقول في تشهده : (( وأشهد أن محمداً عبده ورسوله )) … ويجوز أن يكون الخطاب للناس خاصة ولا إشكال في عطف  (ورسوله)  … )).
قال تعالى : (({بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا)) [الفتح : 12]
     ما فائدة ذكر لفظة(قوما)؟ هناك نكتة مهمة أُشير إليها بالقول : ((وإقحام كلمة (قوماً ) بين ( كنتم ) و ( بُوراً ) لإفادة أن البوار صار من مقوّمات قوميتهم لشدة تلبسه بجميع أفرادهم ))
قال تعالى: (( وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا)) [الفتح : 13]. 
      ما علة ذكر لفظة (الكافرين) ؟  قال بعضهم : ((وإظهار لفظ الكافرين في مقام أن يقال : اعتدنا لهم سعيراً ، لزيادة تقرير معنى ( من لم يؤمن بالله ورسوله) ))  وقال آخر للإشارة إلى علة الحكم : ((و قوله: “فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا” كان مقتضى الظاهر أن يقال: أعتدنا لهم فوضع الظاهر موضع الضمير للإشارة إلى علة الحكم بتعليقه على المشتق، و المعنى: أعتدنا و هيأنا لهم لكفرهم سعيرا أي نارا مسعرة مشتعلة  )).
     ونجد أيضا في الآية نفسها استعمال لفظة(سعيرا) نكرة ، واختلف في علة ذلك  ؛  قال الزمخشري : (( ونكر (سعيرا) لأنها نار مخصوصة ))، وذكر البيضاوي أن التنكير للتهويل أو لأنها نار مخصوصة ، وذكر الالوسي الوجهين مبينا سر التهويل : ((وتنكير سعير للتهويل لما فيه من الإشارة إلى أنها لا يمكن معرفتها واكتناه كنهها ، وقيل : لأنها نار مخصوصة فالتنكير للتنويع)).
قال تعالى : (( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)) [الفتح : 16]
    نجده تعالى كرر ذكرهم بهذا الاسم (المخلفين) ، يقول البيضاوي: ((كرر ذكرهم بهذا الاسم مبالغة في الذم وإشعارا بشناعة التخلف )) ، كأن الذم يتوالى عليهم كلما تكرر ذكرهم به ، ووسمهم بميسمه .
قال تعالى : (( وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)) [الفتح : 22]
     فلم يقل (قاتلوكم) وقال (قاتلكم الذين كفروا)  ((والمراد بالذين كفروا ما أريد بالناس في قوله : (( وكف أيدي الناس عنكم )). وكان مقتضى الظاهر الإتيان بضمير الناس بأن يقال : ولو قاتلوكم ، فعدل عنه إلى الاسم الظاهر لما في الصلة من الإيماء إلى وجه بناء الخبر وهو أن الكفر هو سبب تولية الإدبار في قتالهم للمسلمين)).فبيان العلة وراء هذا العدول الى هذه اللفظة تحديدا.
كما نجد ايضا  تنكير (وليا و نصيرا) ،  والتنكير للتعميم أي لا يجدون فرداً ما من الأولياء ( وَلاَ نَصِيراً ) ولا فرداً ما من الناصرين ينصرهم  .
قال تعالى: (( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)) [الفتح : 24]. 
     نرى ان الاية ختمت بلفظة (بصيرا) ، وفي الاية (11) ختمت بـ (خبيرا) ، قال تعالى : (( سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)) ، لأن الأولى في ذكر ما أسره المنافقون من نفاقهم ؛ لأنهم أضمروا خلاف ما أظهروا ، وطلبوا الاستغفار لهم ، ولا ارادة فيه منهم ، فكأنه قال : بل الله يخبر باطنكم والآية الثانية بعد قوله (كف ايديهم عنكم ) أي : بما قذف في قلوبهم من الرعب (وايديكم عنهم) بأن امركم بأن لاتحاربوهم ، فيفعل كلٌّ ما اراده الله منهم والله ابصر فعلكم وهذا ظاهر ، يوصف بأن الله تعالى يراه ،والذي في الاولى باطن يوصف بأن الله تعالى يخبره، فلذلك خصت الاولى بـ(خبير) والثانية بـ(بصير) .

شارك هذا الموضوع: