التعددية الدينية في الإسلام دراسة في النصوص الشرعية والتطبيق التاريخي
م .م محمد عاجل عطيه
كلية التربية للعوم الانسانية , جامعة كربلاء, العراق , كربلاء المقدسة
mohammed.ajel@uokerbala.edu.iq      07757044172
تشكل التعددية الدينية أحد المفاهيم المركزية في دراسة العلاقات بين الأديان، خاصة في ظل المجتمعات متعددة الثقافات. في الإسلام، تعتبر التعددية الدينية مبدأً أصيلاً يستند إلى نصوص شرعية واضحة وتطبيقات تاريخية متنوعة. 
النصوص الشرعية والتعددية الدينية
  1. القرآن الكريم 
 يعتبر القرآن الكريم المصدر الأول للتشريع الإسلامي، ويحتوي على العديد من الآيات التي تؤكد على مبدأ التعددية الدينية. من أبرز هذه الآيات قوله تعالى: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” (البقرة: 256). هذه الآية تشير إلى رفض الإكراه في الدين، مما يعني أن الإسلام يعترف بحرية الاعتقاد ويدعو إلى التعايش السلمي بين الأديان.  
 بالإضافة إلى ذلك، يذكر القرآن أن التنوع الديني جزء من إرادة الله: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ” (هود: 118). هذا يدل على أن الاختلاف في العقائد أمر طبيعي ويجب التعامل معه باحترام. كما يؤكد القرآن على ضرورة الحوار بين الأديان: “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ” (آل عمران: 64). هذه الآية تدعو إلى التعاون والتفاهم بين المسلمين وأهل الكتاب.
  1. السنة النبوية
تعامل النبي محمد (صلى الله عليه واله) مع غير المسلمين في المدينة المنورة بمنهجية تقوم على الاحترام المتبادل. وثيقة المدينة، التي أبرمها النبي مع اليهود والمشركين، تعتبر أول دستور في الإسلام ينظم العلاقة بين المسلمين وغيرهم. تضمنت الوثيقة بنودًا تنص على التعايش السلمي وحماية حقوق الجميع.
كما روى البخاري في صحيحه أن النبي (صلى الله عليه واله) قال: “من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقّه فأنا خصمه يوم القيامة” (صحيح البخاري، كتاب الجزية، باب إثم من ظلم معاهدًا). هذا الحديث يؤكد على أهمية حماية حقوق غير المسلمين في المجتمع الإسلامي. بالإضافة إلى ذلك، كان النبي (ص) يحترم دور العبادة لغير المسلمين، حيث منع هدم الكنائس والمعابد أثناء الفتوحات الإسلامية
التطبيق التاريخي للتعددية الدينية
  1. عهد الخلفاء الراشدين
في عهد الخليفة  الثاني عمر بن الخطاب، تم تأسيس نظام “أهل الذمة”، الذي منح غير المسلمين حقوقًا مدنية ودينية في مقابل دفع الجزية. وثيقة العهدة العمرية، التي أبرمها عمر مع أهل القدس، تعتبر نموذجًا للتسامح الديني، حيث ضمنت حماية كنائس المسيحيين وحرية ممارسة شعائرهم. يقول عمر في وثيقته: “هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان…” (الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج 2، ص 449). وفي عهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، تم تطبيق مبادئ التعددية الدينية بشكل واضح من خلال احترام حقوق غير المسلمين وضمان حريتهم الدينية. اذ كان عليه السلام يعامل أهل الذمة (غير المسلمين) بعدل ومساواة، حيث كان يؤكد على ضرورة حماية أموالهم وأعراضهم وحقوقهم المدنية. في إحدى الرسائل الموجهة إلى عامله على مصر، مالك الأشتر، أوصى علي بمعاملة غير المسلمين بعدل ورحمة، قائلاً: “فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق” (نهج البلاغة، الرسالة 53). هذا النهج يعكس التزام الإمام علي بمبادئ الإسلام في التعايش السلمي واحترام التعددية الدينية..اما في العصر العباسي، ازدهرت الترجمة والتفاعل الثقافي بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى، مما أدى إلى تطور العلوم والفلسفة في الحضارة الإسلامية. تم تعيين الطبيب المسيحي حنين بن إسحاق رئيسًا لبيت الحكمة في بغداد، حيث أشرف على ترجمة العديد من الكتب اليونانية والسريانية إلى العربية. كما تمتع اليهود بحرية ممارسة شعائرهم الدينية، حيث كانوا يعملون في التجارة والطب والعلوم. وفي العديد من الفترات التاريخية، تم تطبيق مبادئ التعددية الدينية بشكل يتوافق مع النصوص الشرعية، كما هو الحال في عهد النبي (صلى الله عليه واله) والخلفاء الراشدين. هذه الفترات تميزت بالعدالة والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين. ومع ذلك، فإن بعض الفترات شهدت انحرافات عن هذه المبادئ بسبب عوامل سياسية واجتماعية. على سبيل المثال، ففي اوقات متعددة تم فرض قيود على غير المسلمين، مما أدى إلى تراجع مفهوم التعددية في تلك الفترات. كما أن بعض الفقهاء المتشددين أساءوا تفسير بعض النصوص الشرعية، مما أدى إلى تقييد حقوق غير المسلمين في بعض الأحيان. تعتبر التعددية الدينية في الإسلام ليست مجرد فكرة نظرية، بل هي مبدأ عملي تم تطبيقه في العديد من الفترات التاريخية. النصوص الشرعية تؤكد على احترام التنوع الديني، والتاريخ الإسلامي يقدم نماذج رائعة للتعايش السلمي بين الأديان. ومع ذلك، فإن التحديات التي واجهت هذا المفهوم تذكرنا بأهمية العودة إلى المبادئ الأصلية للإسلام في التعامل مع الآخر.
المراجع  
  1. القرآن الكريم.  
  2. البخاري، محمد بن إسماعيل. (2002). صحيح البخاري . دار طوق النجاة.  
  3. الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير. (1967). تاريخ الرسل والملوك. دار التراث.  
  4. ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل. (1999). تفسير القرآن العظيم. دار طيبة.  
  5. الغزالي، محمد. (2005). التعددية الدينية في الإسلام. دار الشروق.  
  6. الصلابي، علي محمد. (2010). الخلفاء الراشدون: النظم السياسية والإدارية. دار المعرفة.  
  7. Lewis, Bernard. (1984). The Jews of Islam. Princeton University Press.  
  8. Hodgson, Marshall G.S. (1974). The Venture of Islam: Conscience and History in a World Civilization. University of Chicago Press.  

شارك هذا الموضوع: