يُعدُّ التقويم ركنًا أساسيًا من أركان العملية التعليمية، فهو يهدف إلى قياس مدى تحقيق الأهداف التربوية وتقديم تغذية راجعة لتحسين الأداء التعليمي، ومع ظهور طرائق التدريس الحديثة التي تركز على التعلم النشط والتفاعلي، تطورت أساليب التقويم لتتلاءم هذه التغيرات، ونحن التربويين ملزمون بالتعرف على هذا التطور الحاصل والاطلاع عليه وإدخاله إلى حيز التنفيذ في عمليات التدريس التي نقوم بها، على حدًّ سواء في عمليات التدريس الجامعي (المراحل الأولية والعُليا)، أو ما دون ذلك من مستويات التعليم. ولأكون أكثر صراحة معكم إذا ما أهملنا هذا الجانب -وأعني به- مواكبة التطور المعرفي ومنه التطور في مجال التعليم، فسنعيش غربة المعرفة التي تؤدي بنا إلى هاوية الجهل، وازدراء ممن حولنا بنا؛ إذن يتحتم علينا أن نزج أنفسنا إلى كل ما يمت للمعرفة والتطور المعرفي في المجالات كافة فضلا عن مجال التعليم وما يرتبط به من محتوى وطرائق واستراتيجيات وأنشطة وأساليب تقويم.
ويتسم الإنسان بطبيعته بالسعي المستمر لتقييم إنجازاته وتحديد ما تبقى منها لتحقيق أهدافه، وذلك من خلال الجهود التي يبذلها في مختلف جوانب الحياة. ويهدف تقييمه هذا إلى تحليل قيمة الأعمال المنجزة مقارنة بما تم استثماره من وقت وجهد وموارد ومع ذلك كله ، فإن الغاية لا تكمن في التقييم بحد ذاته، وإنما في استخدام نتائجه لتوجيه القرارات المستقبلية، إذ يسعى الفرد إلى تحديد ما إذا كان من الأنسب له الاستمرار في اتباع النهج ذاته لتحقيق الأهداف، أو تعديل الأساليب والاستراتيجيات المتبعة بغية تحقيق نتائج أكثر فعالية وكفاءة.
ويهدف هذا المقال إلى تعريف التقويم وبيان أهميته واستعراض أبرز أساليب التقويم في ضوء التدريس الحديث، مع مناقشة خصائصها ودورها في تحسين جودة التعليم.
تعريف التقويم: يعرف التقويم التربوي بأنه العملية المنظمة التي تهدف إلى جمع وتحليل بيانات حول تعلم الطلبة، بغية اتخاذ قرارات تعليمية فعالة، وهو وسيلة لتحديد الفجوات بين الوضع الراهن والمستوى المطلوب؛ مما يسهم في تحسين العملية التعليمية.
أو هو عملية تشخص الواقع بما يتضمنه من نواحي ضعف وقوة في ضوء معايير محددة بهدف وضع الحلول أو المعالجات المناسبة وإصدار الأحكام واتخاذ القرارات الصائبة.
أما التقويم التربوي: عملية منهجية منظمة لجمع البيانات وتفسير الأدلة بما يؤدي إلى إصدار أحكام تتعلق بالطلبة أو البرامج التعليمية؛ مما يساعد في توجيه العمل التربوي واتخاذ الإجراءات المناسبة في ضوء ذلك.
أهمية التقويم
تتضح أهمية التقويم التربوي باعتباره جزءًا أساسيًا في العملية التربوية ذاتها فيُجري التربويون عملية التقويم لمعرفة تفاصيل ما بدأوا به من عمل تربوي، ومدى تحقيق أهداف هذا العمل، وتفاصيله ليقوموه، وبناءً على هذا لابدَّ للتربوي اليوم يجب أن يكون على بيّنة من الأساليب التقويمية المختلفة؛ ليقرر أيهما أكثر ملاءمة لحاجاته التربوية وأن يكون مؤهلًا لتطبيق هذه الاساليب التقويمية بإعداد بنود الاختبارات التحصيلية وكيفية صياغتها وترتيبها.
ويمكن إيجاز أهمية القياس والتقويم في العملية التعليمية بما يأتي :-
معرفة مدى ما تحقق من أهداف العملية التعليمية.
تحسين مستوى التعلم.
التشخيص والعلاج.
التصنيف: أي تصنف الطلبة إلى تخصصات مختلفة علمي، أدبي، تجاري، صناعي وما إلى ذلك وبطبيعة الحال لا يكون هذا التصنيف ممكنا إلا بالاعتماد على نتائج الطلبة القائمة في الاختبارات التحصيلية .
التوجيه والإرشاد: تساعد عملية القياس والتقويم على مساعدة المرشد التربوي والطالب في الوصول إلى قرارات تربوية ومهنية تتعلق في اختبار المواد الدراسية أو النشاطات المختلفة أو اختيار المهنة المناسبة.
تزود المدرس والطالب بتغذية راجعة: عملية القياس والتقويم تزود الطالب بمدى تقدمه في التعلم كما إنها تزود المدارس بتغذية راجعة عن مدى كفاءة المواد الدراسية وأساليب التدريس التي استخدمها والنشاطات التربوية وكل ماله علاقة وتـأثيرات في العملية التربوية.
مبادئ القياس والتقويم
هناك مجموعة من المبادئ التي ينبغي مراعاتها عند تخطيط وتنفيذ عملية القياس والتقويم إذا أريد لهذه العملية النجاح في بلوغ أهدافها وهذه المبادئ هي :
الاتساق :مع الأهداف المراد تحقيقها ( تنويع في الوسيلة كي يتحقق الهدف) وأن مفهوم الاتساق مع الهدف المراد تحقيقه ينطوي على ميزتين هما :
مدى إمكانية تناسق المنهج لتحقيق الهدف.
مدى إمكانية التنوع في الوسائل المستخدمة لتحقيق هذا الهدف .
أما بالنسبة للموضوع الأول فإنه يجب أن يكون هذا الاتساق مع الفلسفة التي يقوم على أساسها المنهج الذي يتم من خلاله تحقيق الهدف ، وهذا يعني انه هناك تناسقًا وانسجامًا في المنهج يساعدان على تحقيق الهدف أما بالنسبة للنقطة الثانية وهي إمكانية تنويع في الوسائل والأساليب من أجل تحقيق الهدف فإنه يعد من المطال ب الأساسية في العملية التعليمية، فإذا الهدف معرفة مدى تحصيل الطالب فإن التدريسي يستخدم أسلوب الاختبارات بأنواعها ولكن إذا كان الهدف هو قياس ذكاء الطالب فإن استخدام التدريسي للاختبارات التحصيلية لا يكشف عن الهدف وكذلك الحال بالنسبة للميول والاتجاهات والعلاقات الاجتماعية ومن شأن ذلك أن يساعد التدريسي على تطوير خبراته بدلا من إتباع الروتين في استخدام الاختبارات مما يجعل العملية التربوية أكثر فعالية.
الشمول :
من المبادئ الرئيسية للقياس والتقويم أن يتميز التقويم بالشمولية بمعنى أن يشمل جميع جوانب الموضوع المراد تقييمه فمثلًا إذا أردنا تقييم المناهج ومدى نجاحه وأثر هذا المنهاج على الطالب فإن التقويم يجب أن يشمل كل الجوانب التي لها علاقة بالموضوع أما إذا كان الهدف تقويم العملية التربوية أو التعليمية بشكل عام فانه يظهر من خلال ما يأتي :
جميع أطراف وعناصر العملية التعليمية كالتدريسي والمساق الدراسي والقسم المعني وما فيه
من خدمات.
ب-جميع جوانب الموضوع المقيم وبما أن موضوع التقويم هنا لا يقتصر على النواحي المعرفية وإنما يجب أن يشمل كافة الجوانب الأخرى كالشخصية والنمو الانفعالي والجسمي والعقلي واللغوي والاتجاهات والميول.
3- التعاون :
يجب أن يتم القياس والتقويم بطريقة تعاونية يشارك فيها كل من يؤثر في العملية التربوية ويتأثر بها والمسؤولين في التربية وأفراد من البيئة كالخبراء ويجب أن تكون هناك فرص للتقويم الذاتي من جانب الطالب وكذلك من جانب التدريسي .
4- الاستمرارية :
يجب أن يكون القياس والتقويم عملية تقدير مستمرة لمدى ما يحققه البرنامج التربوي من الأهداف المرسومة لعملية التربية حتى يتم تصحيح مسار عملية التعلم باستمرار وهذا يعني أن تكون الملاحظة اليومية متواصلة على مدار العام الدراسي ولا تقتصر على فترة محددة منه أي يجب أن تكون مواكبة لعملية التعلم فتلازمه وتسير جانبًا إلى جنب معها .
5- التشخيص والعلاج :
يجب أن يكون القياس والتقويم تشخيصيا وعلاجيًا في الوقت نفسه بمعنى أن يصف نواحي القوة ونواحي الضعف في عمليات الأداء وفي نتائج هذا الأداء يقصد تعزيز نواحي القوة والإفادة منها والعمل على علاج نواحي الضعف وتلافيها أو التقليل من حدها، ويجب أن يميز القياس والتقويم بين مستويات الأداء المختلفة ويكشف عن الفروق الفردية والقدرات المتنوعة للطلبة.
6- مراعاة الناحية الإنسانية ومبدأ الديمقراطية :
يجب أن يراعي في القياس والتقويم الناحية الإنسانية بمعنى أن يترك أثرًا طيبًا في نفس الطالب فلا يشعر أنه نوع من العقاب أو وسيلة للتهديد به هذا من ناحية ومن ناحية ثانيه فإنه يجب مراعاة حرية الفرد في عملية التقويم ولا سيما فيما يتعلق بالوقت والزمن والمكان والنتائج في التخطيط لهذه النتائج كأن تكون بشكل سري أو علني.
7- الوظيفية :
يجب أن يكون القياس والتقويم وظيفيا بمعنى أن يستفاد منه في تحسين العملية التعليمية
وفي إحداث تغييرات إيجابية في جميع عناصرها لصالح الطالب ولا يخفى بأن مراعاة مبدأ الوظيفة
يستدعي أن ينظر إلى التقويم كوسيلة لتحسين العملية التربوية في ضوء الأهداف المنشودة منها
وليس كغاية في حد ذاته .
8- مراعاة الاقتصاد في الوقت والجهد والمال :
يجب أن يراعى في التقويم الاقتصاد في الوقت والجهد والتكلفة المالية وذلك للحيلولة دون إجهاد التدريسي والطالب وإرهاقهما.
9- مراعاة معايير معينة في إجرائه :
أن يسهل عملية التقويم الذاتي للفرد وتوجيهه في التعلم والتعليم .
أن يشمل كل هدف من الأهداف التي تضعها المؤسسة التربوية.
أن تنتج عنه سجلات مناسبة للأغراض المطلوبة.
أبرز أنواع التقويم التربوي في التدريس الحديث
أشرنا إلى أنَّ التقويم التربوي هو عملية مستمرة تهدف إلى جمع وتحليل البيانات المتعلقة بأداء الطلبة ومعرفة مدى تحقيق الأهداف التعليمية. في ضوء التطورات الحديثة في التعليم، ظهرت أنواع متعددة من التقويم التي تلبي احتياجات التعليم الحديث. فيما يلي أبرز هذه الأنواع والأساليب المتبعة في إجرائه:
التقويم التشخيصي
هذا النوع من التقويم يتم تنفيذه قبل بدء العملية التعليمية بهدف تحديد مستوى المعرفة والمهارات لدى الطلبة. يساعد هذا التقويم في تحديد نقاط القوة والضعف وتوجيه عملية التخطيط للتدريس.
أساليبه:
أسئلة مفتوحة لتقييم المعرفة السابقة.
تحليل نتائج الأنشطة الأولية.
اختبارات قصيرة للكشف عن المفاهيم المغلوطة.
التقويم التكويني
يُجرى هذا النوع من التقويم أثناء العملية التعليمية، ويهدف إلى تحسين التعلم من خلال تقديم تغذية راجعة مستمرة للطلاب والمعلمين. يساعد التقويم التكويني في تعديل طرق التدريس بناءً على احتياجات الطلبة.
أساليبه:
الاختبارات القصيرة المتكررة لقياس التقدم.
الأنشطة الصفية التفاعلية مثل المناقشات والعصف الذهني.
استخدام أدوات تقييم مثل البطاقات المصغرة (Exit Tickets) لجمع تعليقات الطلبة.
تقديم ملاحظات مستمرة من خلال المشاريع الجماعية أو الفردية.
التقويم الختامي
يتم إجراء هذا التقويم في نهاية فترة تعليمية معينة، مثل فصل دراسي أو وحدة تعليمية، بهدف قياس مدى تحقيق الأهداف التعليمية.
أساليبه:
الامتحانات النهائية التي تشمل أسئلة موضوعية ومقالية.
المشاريع الختامية التي تتطلب تطبيق المعرفة المكتسبة.
تقارير بحثية مفصلة.
تقديم عروض تقديمية تلخص ما تم تعلمه.
التقويم الذاتي
يشجع هذا النوع الطلبة على تقييم أدائهم بأنفسهم، مما يساعدهم على تطوير مهارات التفكير النقدي وتحمل المسؤولية عن تعلمهم.
أمثلة على أدواته:
قوائم المراجعة التي يستخدمها الطلبة لتقييم أدائهم.
كتابة اليوميات التعليمية لتعكس التعلم الشخصي.
إعداد تقارير التقدم التي توضح الإنجازات والتحديات.
أساليبه:
وضع معايير أداء واضحة للطلبة لتقييم أنفسهم بناءً عليها.
استخدام أسئلة موجهة لتأمل الذات.
تطبيق التقييم الذاتي على المشاريع والأنشطة.
التقويم المحكي
يركز هذا النوع على مقارنة أداء الطالب بمعايير محددة مسبقًا بدلاً من مقارنة أدائه بأداء زملائه. يتيح هذا التقويم تقييم مدى تحقيق الطالب للمعايير التعليمية.
أمثلة:
استخدام الروبرك (Rubric) لتقييم المشاريع بناءً على معايير محددة.
اختبارات المهارات المعيارية التي تحدد مدى الإتقان.
أساليبه:
وضع معايير دقيقة للأداء.
تقديم أمثلة توضيحية للمعايير.
مقارنة أداء الطلبة بالأهداف المرجوة.
التقويم الإلكتروني
مع تطور التكنولوجيا، أصبح التقويم الإلكتروني أحد أبرز أساليب التقويم الحديث. يستخدم أدوات إلكترونية لتقييم أداء الطلبة وتقديم التغذية الراجعة.
أدواته:
الاختبارات عبر الإنترنت باستخدام منصات تعليمية.
أنظمة إدارة التعلم مثل Google Classroom و Moodle لتتبع تقدم الطلبة.
تطبيقات تقييم تفاعلية مثل Kahoot وQuizizz لتحفيز التفاعل.
أساليبه:
إنشاء اختبارات تفاعلية تتكيف مع مستوى الطالب.
تحليل بيانات الأداء باستخدام البرمجيات.
توفير تقارير فورية للطلاب والمعلمين.
التقويم البديل
يركز هذا النوع على تقييم أداء الطلبة من خلال مهام حقيقية تعكس واقع الحياة. يعزز هذا التقويم من تطوير مهارات التفكير العليا لدى الطلبة.
أساليبه:
دراسات الحالة التي تطلب تحليل مشكلات حقيقية واقتراح حلول.
إنشاء محفظة أعمال (Portfolio) تحتوي على أعمال الطالب خلال فترة زمنية محددة.
تقديم عروض تقديمية تُظهر فهم الطالب لموضوع معين.
أداء مهام عملية مثل تصميم مشروع أو إنتاج عمل إبداعي.
خلاصة
وصفوة القول والمقال نلاحظ أنَّ التدريس الحديث يُظهر تطورًا كبيرًا في أساليب التقويم التربوي، إذ أصبحت الأنواع المختلفة تلبي احتياجات متنوعة للطلبة والمعلمين. يعد استخدام مزيج من هذه الأنواع أمرًا ضروريًا لتحقيق أهداف التعلم وتعزيز فعالية العملية التعليمية.
أبرز المصادر:
أحمد محمد إبراهيم (2018). التقويم التربوي وأثره في تحسين جودة التعليم. مجلة التربية الحديثة، العدد 25.
الخطيب نبيل (2021). دليل المعلم للتقويم التربوي. دار المسيرة للنشر والتوزيع.
عبد الرحمن عبد الله (2020). أساليب التقويم الحديثة في التربية. دار الفكر العربي.
عبد الوهاب سعيد (2019). التقويم التربوي: النظرية والتطبيق. دار الفكر.
منصور حسن علي (2020). التعليم الحديث وأدوات التقييم الإلكتروني. مجلة التعليم الرقمي، العدد 12