التمييز على أساس اللهجات واللغات: أداة خفية للإقصاء الاجتماعي

يُعد التمييز اللغوي، أو ما يُعرف بالتمييز القائم على أساس اللغة أو اللهجة، أحد الأشكال الخفية للتمييز العنصري والاجتماعي، التي غالبًا ما تُمارس بطرق غير مباشرة، لكنها تؤدي إلى نتائج عميقة التأثير على الأفراد والمجتمعات. لا يقتصر التمييز على لون البشرة أو الأصل العرقي، بل يمتد ليشمل طريقة الكلام، ونوع اللغة أو اللهجة المستخدمة، بوصفها عناصر تُعبّر عن الانتماء الطبقي، أو الجغرافي، أو الثقافي.

في كثير من الدول، تُربط اللغة الفصحى أو اللغة الأجنبية بمفاهيم الرقي، والتحضر، والتعليم، بينما يُنظر إلى اللهجات المحلية أو الإقليمية بوصفها أقل شأنًا، أو مرتبطة بالجهل والتخلّف. هذا التصنيف القائم على اللغة يُرسّخ التفاوتات الاجتماعية، ويخلق بيئات غير متكافئة من حيث الفرص، لا سيما في مجالات التعليم، وسوق العمل، والإعلام.

على سبيل المثال، في بعض الدول العربية، يُعامل الأشخاص الذين يتحدثون بلهجات ريفية أو بدوية أو جنوبية معاملة مختلفة عن أولئك الذين يستخدمون لهجات حضرية أو “قريبة من الفصحى”. هذا التمييز قد يظهر في مقابلات العمل، حيث يُفضل المتحدثون بلهجة معيّنة على غيرهم، أو في المؤسسات التعليمية، حيث يُنظر إلى بعض الطلاب على أنهم أقل ذكاءً أو جدارة فقط بسبب نطقهم المختلف. بل وقد يُطلب من بعض الأفراد تغيير طريقتهم في الحديث أو “تهذيب لهجتهم” ليُنظر إليهم باعتبارهم مؤهلين أو محترمين.

أما في السياقات متعددة اللغات، فإن التمييز يأخذ شكلاً آخر، إذ تُهمّش لغات الأقليات أو تُقصى من المناهج الدراسية، ومن وسائل الإعلام، ومن الحياة السياسية. في المغرب مثلًا، كانت اللغة الأمازيغية مهمشة لسنوات طويلة لصالح اللغة العربية، رغم أنها لغة أُمّ لملايين المواطنين. وفي الهند، تُهيمن لغات معينة مثل الهندية والإنجليزية على حساب لغات محلية أخرى، مما يعمّق الشعور بالإقصاء الثقافي لدى بعض الجماعات.

التمييز اللغوي لا يُعد مجرد مسألة تواصل، بل هو انعكاس لعلاقات القوة في المجتمع. فاللغة ليست فقط وسيلة لنقل المعاني، بل أيضًا وسيلة لتحديد من يملك السلطة، ومن يُنظر إليه بوصفه “متحضرًا” أو “متأخرًا”. ولهذا فإن محاربة هذا النوع من التمييز تتطلب تغييرًا ثقافيًا عميقًا، يبدأ من التعليم، ويمتد إلى الإعلام والسياسات العامة.

إن الاعتراف باللهجات واللغات المحلية بوصفها جزءًا من التراث الثقافي والهوية الجمعية أمر بالغ الأهمية. وينبغي أن تُعامل كل اللهجات واللغات باحترام ومساواة، سواء في المنابر الرسمية أو غير الرسمية. كما يُفترض أن تُدرّس هذه المسائل في المؤسسات التعليمية لتوعية الأجيال القادمة بخطورة التحيز اللغوي، وتعزيز قيم التعدد والعدالة الثقافية.

في الختام، فإن التمييز على أساس اللغة أو اللهجة لا يقل خطورة عن أي شكل آخر من أشكال العنصرية. إنه يُقصي، ويهمّش، ويمنع الكثيرين من تحقيق إمكاناتهم فقط لأنهم يتحدثون بطريقة مختلفة. ولذا، فإن محاربته تمثل خطوة ضرورية نحو بناء مجتمعات أكثر عدالة وتنوعًا واحتواءً.
 

شارك هذا الموضوع: