التمييز والتفرقة بين الريف والحضر
    تعد قضية التمييز والتفرقة بين الريف والحضر قضية متوارثة تشغل اهتمام العلماء والمنظرين مثلما تهم أيضا الساسة وصناع القرار في المجتمعات المعنية بالتنمية وتطوير حياة سكانها. ولقد طرحها واهتم بتحليلها كل من اهتم بالعمران البشري وعلى رأسهم عالم االجتماع العربي الأول ابن خلدون، والذي اهتم بها بعده علماء معاصرون وبالذات المعنيون بعلم الأنثروبولوجيا والاجتماع الريفي سواء لمبررات نظرية وأكاديمية أو لأسباب تطبيقية.                                                                                                  
    ولتحديد المناطق الريفية وتمييزها عن غيرها من أنواع التجمعات السكانية، فلقد طرح المهتمون من العلماء والممارسون للتنمية عدداً من الاطر النظرية التحليلية لتحديد الفروق الريفية الحضرية، ومرت هذه النظريات بمراحل تطور عديدة بدءاً بفكرة استخدام المعيار الواحد في التمييز بين الريف والحضر وامتداداً الى استخدام مجموعة من المعايير التي يمكن أن تعزى إلى فروق خاصة بالبناء الاجتماعي، فقد شاع استخدام حجم المجتمع (عدد سكانه) أو كثافة سكانه (عدد السكان لوحدة المساحة) كمعيار وحيد للتصنيف  والتمييز، وهو ما ينتمي إلى فكرة النموذج المثالي (الريف-الحضر) الذي يتم فيه تجريد خصائص الأشكال الطرفية                          
 لشكل التجمعات السكانية موضع الاهتمام وتحديد خصائصها النقية (مثال علاقات أولية تقوم على المواجهة والمعرفة الشخصية مقابل علاقات ثانوية لا تتحدد فيها الهوية الحقيقية لأطراف العلاقة) وذلك بهدف فهم العالم الواقعي وتحليل الأوضاع الواقعية بناءً على معايير معينة، إلى أن ظهرت فكرة النموذج الريفي-الحضري متعدد المراحل على يد عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي روبرت رديفيلد  وهو الأمر الذي ساعد الدارسين وأخصائيوا التنمية  وصانعو القرار في تبني نماذج مختلفة يتابعون فيها التغيرات التي تطرا وتتابع                             
 في شكل وبنية المجتمع باعتباره منطقة تفاعل وتداخل وإحلال واستبدال بين خصائص الريف وخصائص الحضر، ومن بين هذه التغيرات ً مثال التحول في أنماط استخدام الموارد الطبيعية خاصة الأراضي والمياه، وهل هي في اتجاه النضوب والتدهور أم التواصل والاستدامة؟ كما يمكن رصدها أيضا                      
 في نمط حياة السكان وطريقة استخدامهم للموارد والأصول المتاحة  الحيز العمراني الذي يقطنون فيه، وفي شكل علاقتهم وأنشطتهم في مناطق ذات خصائص بيئية تتعرض للتغير التدريجي بشكل يمكن أن يصف ويساعد في تفسير كيفية انتقال المجتمعات من شكل إلى آخر، وتبعات ذلك على تطور حياة الناس ومستوى رفاهيتهم في كل حالة.                                                                                   
يبدو أنه من المهم التأكيد على أن الكتابات التي تحاول التفرقة بين الريف والحضر بشكل عمومي وشامل و وخاصة المحاولات الأولى منها، كانت تتم غالباً على نحو افتراضي وجازي لحد بعيد،  لأنها تتعرض لظاهرة هي في حد ذاتها متباينة وفقاً للسياق الذي يضمها، حيث لم تعتمد تلك المحاولات على معايير موضوعية 
 تأخذ في الاعتبار أنماط الاستيطان السكاني، وطبوغرافية الموقع الجغرافي، وخصائص التجمع البشري وتاريخ التطور فيه، والذي يجعل هذه الكتابات دينامية بشكل كبير لطبيعة التباين في خصائص الظاهرة التي تتعلق بها، فالمدينة والقرية نشأتا في النهاية لتمثلا الشكلين الأساسيين الذين يتركز فيهما نشاط الأنسان، وليس هناك خطوط فاصلة بين الاثنين، بحيث يمكن أن نحدد بشكل نهائي أين تنتهي القرية؟ وأين تبدأ المدينة؟ فهي مسألة أجرائية أولاً وأخيراً، ولابد أن نعتبر أن الريف والمدينة هما شكلان من أشكال عملية تطور اقتصادي اجتماعي وثقافي، وأن المدينة غالبا هي مرحلة متقدمة ومتطورة من أصل ريفي في معظم الأحيان، وإن كان هناك خاصة في الحقبة المعاصرة  مدن أخرى نشأت إرادية ولأغراض محددة ليست امتداداً او تطور لمجتمع ريفي، وإن كانت الحضارة الصناعية الحضرية في أي مجتمع قد أخذت بالرغم من ذلك الكثير من خصائصها غالباً من التراث الاجتماعي والثقافي الذي عرفته المجتمعات الزراعية الريفية من قبل.                                                                                                    
ومن الشائع استخدام واحد أو أكثر من ثلاثة معايير شائعة (الإدارية والمهنية والاحصائية- أي العددية) لتمييز المناطق الريفية عن غيرها من المناطق الحضرية، فتستخدم بلدان كثيرة المعيار الإحصائي، مثل ما هو عليه الحال في الولايات المتحدة التي تعد المنطقة السكنية التي تتجاوز 2500نسمة منطقة حضرية وما
 دون ذلك فهي منطقة ريفية، على أن هذا المعيار يعد جائراً، كونه يستخدم قيمة واحدة للفصل بين القطاعين الريفي والحضري، وحيث أنه ليس من المعقول أن تتحول خصائص وصفات المجتمع لمجرد انتقال العدد من قيمة لأخرى، لذا يستخدم معيار آخر داعم ومتعدد الأبعاد لتحديد مستوى التحول لأي منطقة من نموذج لآخر ليتحدد تصنيفها وفق تلك الأوضاع، ومن ثم تسهم في النهاية في تحديد مسارات التخطيط المتاحة لمستقبل التنمية فيها.
 
د. بشائر فاضل جاسم
قسم الجغرافية التطبيقية




 لمجرد انتقال العدد من قيمة ألخرى؛ لذا يستخدم معيار آخر داعم ومتعدد األبعاد لتحديد مستوى التحول ألي منطقة من نموذج آلخر ليتحدد تصنيفها وفق تلك األوضاع، ومن ثم تسهم في النهاية في تحديد مسارات التخطيط املتاحة ملستقبل التنمية فيه




 تطرأ وتتتابع في شكل وبنية المجتمع باعتباره منطقة تفاعل وتداخل وإحالل واستبدال بين خصائص الريف وخصائص الحضر. ومن بين هذه التغيرات ً مثال التحول في أنماط استخدام الموارد الطبيعية خاصة األراضي والمياه، وهل هي في اتجاه النضوب والتدهور أم ً في نمط حياة السكان وطريقة استخدامهم للموارد واألصول المتاحة التواصل واالستدامة؟ كما يمكن رصدها أيضا في الحيز العمراني الذي يقطنون فيه، وفي شكل عالقاتهم وأنشطتهم في مناطق ذات خصائص بيئية تتعرض للتغير التدريجي بشكل يمكن أن يصف ويساعد في تفسير كيفية انتقال المجتمعات من شكل إلى آخر، وتبعات ذلك على تطور حياة الناس ومستوى رفاهيتهم في كل حالة.

شارك هذا الموضوع: