عنوان المقالة
(التنمية البشرية المستدامة والأمن البشري)
م.د حيدر محمد زغير الكًريطي
تعد التنمية البشرية من العمليات والمظاهر التي تؤدي الى توسيع خيارات الناس – وهنا لا نقصد الخيارات بين الأنواع المختلفة من مساحيق الغسيل أو قنوات التلفزيون أو موديلات السيارات بل الخيارات التي تنشأ عن طريق توسيع القدرات البشرية والطريقة التي يعمل بها البشر، أي ما يفعله الناس أو ما يمكن أن يفعلوه في حياتهم، وعلى جميع مستويات التنمية توجد بضع قدرات تعتبر أساسية للتنمية البشرية لا تتاح بدونها خيارات كثيرة في الحياة، وهذه القدرات هي (أن يحيا المرء حياة مديدة وصحية وأن يكون عارفاً وأن يتمكن من الحصول على الموارد اللازمة لمستوى معيشة كريمة)، وهذه المؤشرات والقدرات تنعكس في دليل التنمية البشرية.
لكن هناك خيارات اضافية كثيرة يعطي لها الناس قيمة ومن بينها ( الحرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية- والاحساس بالجماعة – وفرص الابداع والانتاج واحترام الذات وحقوق الإنسان ) ومع ذلك فإن التنمية البشرية أكثر من مجرد وتحقيق هذه القدرات فهي أيضاُ عملية السعي الى تحقيقها على نحو عادل وقائم على المشاركة ومنتج مستدام.
والخيارات ستتغير بمرور الوقت وقد تكون من حيث المبدء بلا نهاية. مع ذلك فإن الخيارات التي لا نهاية لها وغير خاضعة لأي حدود أو قيود قد تصبح بلا معنى والحصول على دخل هو أحد الخيارات التي يود الناس أن ينعموا بها، وهو خيار هام لكنه أهم ليس أهم الخيارات على الإطلاق.
فالتنمية البشرية تشكل زيادة الدخل والثروة ولكنها تشمل ايضاً وأشياء أخرى كبيرة القيمة ويعطي لها الناس قيمة. فعلى سبيل المثال يكتشف المرء عند استطلاع أوليات الفقراء أنها كثيراً ما تكون مختلفة عما يقترضه الغرباء لهم فزيادة الدخل هي واحد فقط من الأشياء التي يرغب فيها الفقراء.
فعلى سبيل المثال يكتشف المرء عند استطلاع أوليات الفقراء أنها كثيراً ما تكون مختلفة ما يفترضه الغرباء لهم، فزيادة الدخل هي واحدة فقط من الأشياء التي يرغب فيها الفقراء فالتغذية الكافية ووجود مياه مأمونة في المتناول والخدمات الطبية الأفضل والتعليم المدرسي الأكثر والأفضل لإطفالهم والنقل الزهيد التكلفة والمأوى الناسب والعمالة المستمرة وسبل الرزق المضمونة الأعمال المنتجة والمجزية والمرضية هي أمور لا تظهر في ارتفاع نصيب الفرد من الدخل على الأقل لبعض الوقت.
فهناك فوائد أخرى غير مادية كثيراً ما يعطيها الفقراء قيمة أعلى من التحسينات المادية وبعض هذه الفوائد ينعكس في خصائص الحقوق بينما تنعكس فوائد أخرى في خصائص الحالة الذهنية. ومن بين هذة الظروف العمل الجيد المأمون وحرية إختيار العمل وسبيل الرزق وحرية التنقل والكلام والتحرر من القمع والعنف والاستغلال والأمن من الضطهاد والاعتقال التعسفي والحياة الأسرية المشبعة وتأكيد القيم الثقافية والدينية ووقت الفراغ الكافي وأشكال استخدامه المشبع والاحساس بالهدف في الحياة والعمل والتمتع بفرصة المشاركة في نشاط بأنشطة المجتمع المدني والإحساس بالانتماء فكثيراُ ما تعطى لهذه الأشياء قيمة أعلى من القيمة التي تعطى للدخل في حد ذاتها وكذلك كوسيلة للعمل المشبع والمنتج. وهي لا تنعكس في ارتفاع أرقام الدخل وليس بوسع أي من واضعي السياسات أن يضمن تحقيق جميع التطلعات أو حتى غاليبيتها ولكن السياسات يمكن أن تخلق فرص تحقيقها.
وفي ضوء ما تقدم فإنه هنالك اتفاق واسع الى حد ما بشأن بعض جوانب مفهوم التنمية البشرية ومنها: 1-يجب على التنمية البشرية أن تجعل الناس محور اهتماماتها. 2-وان الغرض من التنمية هو توسيع جميع خيارات الانسان وليس الدخل وحده ومن ثم يركز مفهوم التنمية البشرية على المجتمع بأكمله وليس على الاقتصاد فقط. 3- أن التنمية البشرية معنية بتوسع القدرات البشرية أو من خلال الاستثمار في الناس وبتأمين الاستخدام الكامل لهذه القدرات من خلال اطار تمكيني. 4-تقوم التنمية البشرية على اربعة أعمدة أساسية وهي الانتاجية والانصاف والقابلية للاستدامة والتمكين وهي تعتبر النمو الاقتصادي أساسياً ولكنها تؤثر على الحاجة الى ايلاء اهتمام لنوعيته وتوزيعه وتحلل باستفاضة صلته بحياة البشر كما انها تعالج الخيارات القابلة للاستدامة من جيل الى جيل.