التنمية الريفية المستدامة
مفهوم التنمية الريفية المستدامة
تشير ادبيات التنمية الى أن الفكر التنموي منذ حقبة ما بعد الحرب العالمة الثانية وبدءاً من عقد الستينيات، قد قام على أساس ان التخلص من حالة الركود والدمار الاقتصادي في الدول التي تأثرت بالحرب بشكل مباشر، قان على أساس تكثيف النمو الاقتصادي المعتمد على تراكم رأس المال وتعزيز تطبيق المعرفة الفنية، والذ ستعم نتائجه على كل المجتمع في ظل ما عرف بالنموذج الرأسمالي والديمقراطية الليبرالية، ولقد أثر هذا النموذج الذي اصطلح على تسميته بالنموذج الغربي على الفكر التنموي في المجتمعات النامية التي كانت تسعى فور استقلال معظمها في بداية النصف الثاني من القرن الماضي من أشكال الاستعمار المختلفة للتخلص من حالة التخلف التي زادت معاناتها منها، وكان ذلك في مقابل النموذج الاشتراكي الذي عرف بالنموذج الشمولي الذي يقوم على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج وتحقيقها للنمو الاقتصادي على أساس التخطيط المركزي وليس ديناميات قوى السوق، مع السعي لمزيد من عدالة توزيع عوائد التنمية بين فئات المجمتع وليس توجيهها للمزيد من تراكم رأس المال لدى فئات معينة كأساس للنمو الاقتصادي، فالنمو الاقتصادي كان في حالة كل من النظامين هو حجر الزاوية للتخلص من حالة التخلف او الفجوة التنموية، وان اختلفت آليات تحقيق هذا التراكم او الأسس والقيم والمعايير والمبررات التي تحكم كيفية توزيع عوائد هذا النمو بين فئات المجتمع المختلفة، وفق النظام السياسي والأيدولوجيات المتبناة في المجتمع
لقد تطورت مفاهيم التنمية الاقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية عبر نماذج عديدة متأثرة بتطور السياق العالمي ومدارس الفكر التنموي في دول العالم المتطور والتي أثرت على نماذج التنمية في الدول النامية، فمرت عبر مفهوم التنمية المتكاملة ثم التنمية البشرية وتأثرت بالعولمة لتزدهر في النهاية مدرسة فكر التنمية المستدامة التي يتعاظم تأثيرها في الحقبة الراهنة، خاصة في ظل تفاقم آثار التغيرات المناخية التي تهدد التنمية في العالم كله، برغم التباين الشديد في دور الدول المسؤولة عن مصادر الخلل في النظام البيئي، والتي تعد فيه الدول النامية هي الضحية الأولى له، ولكن عليها أن تواجه آثاره التي تضر بشدة بمصالح وحياة فئات وقطاعات كبيرة من سكانها، خاصة سكان الريف والعاملين بالزراعة لمحدودية قدراتها التقنية والمادية
ويعرف مفهوم التنمية الريفية من وجهة النظر الفكرية والدينامية والشمولية هي التنمية الشاملة للمناطق الريفية التي تعنى بتحسين نوعية الحياة للسكان الريفيين، وهذا يعني انه مفهوم شامل متعدد الأبعاد، وتعرف التنمية الريفية ايضاً أنها أستراتيجية تمكين فئة معينة من الناس هم الرجال والنساء الريفيون الفقراء من الحصول لهم ولأطفالهم على المزيد مما يرغبون فيه ويحتاجون اليه، كما أنها تتضمن مساعدة الأشد فقراً من بين هؤلاء الذين ينشدون العيش في المناطق الريفية وفق طلبهم على التحكم بدرجة أكبر في المنافع التي يمكن أن تتحقق من التنمية الريفية، هذه الفئة تضم صغار المزارعين والأجراء من العمالة والمعدمين ، وهو تعريف يشير ضمناً لعدد من المفاهيم وأطر العمل التي ينتشر تداولها حديثاً عند التعرض لقضية التنمية عامة والتنمية الريفية خاصة، مثل الأستدامة بأبعادها الثلاث: الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والحوكمة، الشمول والتكامل، سبل العيش المستدام، ونوعية الحياة في الريف بأطاره الديناميكي ومكوناته جميعها.
د. بشائر فاضل جاسم
قسم الجغرافية التطبيقية