مقال من إعداد
م.م. أمير علي هادي
التخصص / علم الاجتماع
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الإنسانية/ قسم العلوم التربوية والنفسية
التنمّر الإلكتروني: وجه جديد للعنف الاجتماعي في الجامعات العراقية
مقدمة:
في السنوات الأخيرة، أصبح التنمّر الإلكتروني من أبرز التحديات التي تثير القلق في المجتمع الحديث. فبينما يتيح الإنترنت فرصة رائعة لربط الأفراد من مختلف أنحاء العالم وتبادل المعلومات والأفكار، إلا أنه في الوقت نفسه أدى إلى ظهور مشكلات اجتماعية خطيرة. فقد أصبح من السهل استخدام هذه المنصات للتنمر والإيذاء النفسي. ويختلف التنمّر الإلكتروني عن التنمّر التقليدي في كونه يحدث في بيئة رقمية، مما يجعل الضحايا عرضة للهجمات في أي وقت ومن أي مكان، مما يزيد من شعورهم بالعجز.
تعريف التنمّر الإلكتروني:
التنمّر الإلكتروني هو سلوك عدواني يُمارس عبر الإنترنت ووسائل التواصل الرقمية، حيث يتم استخدام هذه المنصات للإساءة إلى الآخرين. يتميز هذا النوع من التنمّر بإمكانية التمويه والاختباء خلف شاشات الكمبيوتر أو الهواتف المحمولة، مما يمنح المتنمّرين الفرصة لممارسة سلوكياتهم دون مواجهة العواقب الاجتماعية أو القانونية بشكل مباشر. ومع ذلك، فإن آثار هذا السلوك لا تنتهي بمجرد إغلاق الجهاز، بل تترك تأثيرات عميقة في حياة الضحية. من الصعب أن يتوقف التنمّر الإلكتروني، لأنه لا يرتبط بأوقات أو أماكن معينة، بل يمكن أن يلاحق الضحايا على مدار اليوم، سواء في العمل أو المدرسة أو حتى في منازلهم، من خلال هواتفهم الذكية أو حواسيبهم الشخصية.
أسباب التنمّر الإلكتروني:
1) الأسباب الشخصية: تتعلق ذلك بالسمات الشخصية للشخص المتنمر. فقد يعاني الشخص من شعور بالضعف أو العجز في حياته الشخصية وبالتالي يسعى للسيطرة أو ممارسة السلطة على الآخرين عبر الإنترنت. يلجأ بعض الأشخاص إلى التنمر الإلكتروني كوسيلة للتنفيس عن الضغوطات الداخلية أو التعويض عن الشعور بالنقص.
2) الأسباب العائلية: يمكن أن يكون لوجود أفراد الأسرة تأثير كبير على سلوك الفرد على الإنترنت. فقد ينشأ الشخص المتنمر في بيئة أسرية غير مستقرة أو قد يتعرض للإهمال أو المعاملة القاسية، مما قد يؤدي إلى سلوك عدواني طويل الأمد. وقد يتعلمون أيضًا من أفراد أسرهم كيفية معاملة الآخرين بشكل خاطئ، مما قد يؤدي بهم إلى استهداف الآخرين عبر الإنترنت.
3)الأسباب الاجتماعية: غالبًا ما تكون البيئة ووسائل التواصل الاجتماعي المحيطة بالشخص هي التي تشجعه على السلوك السلبي. قد يتأثرون بأقرانهم الذين ينخرطون في سلوكيات التنمر أو يقلدون ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي. كما يمكن أن يكون التنمر الإلكتروني موجهًا أيضًا إلى الأفراد الذين يشعر المتنمر أنهم ”مختلفون“ اجتماعيًا أو ثقافيًا.
4) الأسباب النفسية وتشمل المشاعر والأفكار الداخلية التي قد تحفز التنمر. قد يعاني الشخص من مشاكل نفسية مثل القلق أو الاكتئاب أو مشاكل في العلاقات. قد يكون هذا السلوك نتيجة الشعور بالعزلة في العالم الحقيقي أو صعوبة التواصل مع الآخرين، وقد يؤدي إلى سلوك عدواني عبر الإنترنت كوسيلة للتأثير على من حولهم أو لمجرد جذب الانتباه.
آثار التنمّر الإلكتروني:
  1. الآثار النفسية : من أبرز التأثيرات النفسية للتنمّر الإلكتروني على الضحايا القلق المستمر، والاكتئاب، والتوتر العصبي، والشعور بالعزلة الاجتماعية. في حالات متطرفة، قد يتطور التنمّر الإلكتروني إلى اضطرابات نفسية خطيرة، ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى الانتحار نتيجة لتراكم الصدمات النفسية الناجمة عن التعرض للإهانة والتهديد المستمر.
  2. التأثير على الأداء الأكاديمي والمهني:  عندما يتعرض الشخص للتنمّر الإلكتروني، يزداد الشعور بالعزلة ويقل الدافع لدى الضحية للمشاركة أو الاستمرار في الأنشطة الأكاديمية أو المهنية على سبيل المثال يمكن أن يفقد الطلاب القدرة على التركيز في دراستهم، مما يؤدي إلى تراجع الأداء الأكاديمي. أما في الحياة المهنية، فقد يسبب التنمّر تراجعًا في الإنتاجية، وصعوبة في تكوين علاقات عمل صحية.
  3. تدهور العلاقات الاجتماعية : يؤثر التنمّر الإلكتروني على الحياة الاجتماعية للضحية من خلال عزله عن الأصدقاء والعائلة. قد يواجه الشخص المنعزل صعوبة في بناء علاقات صحية، وقد يعاني من الشعور بالوحدة العميقة نتيجة لهذا العزل القسري. كما أن إن فقدان الثقة بالنفس يعد من أبرز العواقب التي يواجهها الضحايا، وهذه الضغوط النفسية المستمرة تجعل الشخص يشعر بعدم القدرة على التفاعل مع الآخرين بشكل طبيعي، ما ينعكس سلبًا على علاقاته الشخصية سواء في العائلة أو مع الأصدقاء ففي العديد من الحالات، ينسحب الضحايا من محيطهم الاجتماعي، ويبتعدون عن أصدقائهم بسبب شعورهم بعدم الأمان أو الخوف من أن يتم الإساءة إليهم مجددًا.
الآثار النفسية: تشمل أبرز الآثار النفسية للتنمر الإلكتروني على الضحايا القلق المستمر والاكتئاب والتهيج والعزلة الاجتماعية. في الحالات القصوى، يمك أن يتطور التنمر الإلكتروني إلى اضطراب نفسي خطير، وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى الانتحار نتيجة الصدمة النفسية المتراكمة من التعرض للإهانة والترهيب.
2)التأثير على الأداء الأكاديمي والمهني: يمكن أن يزيد التنمر الإلكتروني من الشعور بالعزلة ويقلل من الدافع للمشاركة والاستمرار في الأنشطة الأكاديمية والمهنية. على سبيل المثال، قد يجدون صعوبة في التركيز على دراستهم وقد يتراجع أداؤهم الأكاديمي. في الحياة المهنية، يمكن أن يقلل التنمر الإلكتروني أيضًا من الإنتاجية ويجعل من الصعب تطوير علاقات صحية.
3) تدهور العلاقات الاجتماعية: يؤثر التنمر الإلكتروني على الحياة الاجتماعية للضحية من خلال عزله عن أصدقائه وعائلته. قد يجد أولئك الذين يُجبرون على العزلة صعوبة في تطوير علاقات صحية وقد يشعرون بالوحدة العميقة. يعد فقدان الثقة بالنفس من أبرز العواقب التي يواجهها الضحايا، وهذا الضغط النفسي المستمر قد يجعلهم يشعرون بعدم القدرة على التفاعل بشكل طبيعي مع الآخرين، مما يؤثر سلباً على علاقاتهم الشخصية سواء مع العائلة أو الأصدقاء. في كثير من الأحيان، ينسحب الضحايا من الأوساط الاجتماعية ويبتعدون عن الأصدقاء لشعورهم بعدم الأمان أو خوفهم من التعرض للإساءة مرة أخرى.
التدابير الوقائية من التنمر الالكتروني
  1. التثقيف المستمر: من الضروري أن توفر المدارس والجامعات برامج تثقيفية تهدف إلى التوعية بمخاطر التنمر الإلكتروني وكيفية الوقاية منه والتعامل معه بشكل مناسب. ولا ينبغي أن يقتصر التثقيف على الطلاب، بل يجب أن يمتد ليشمل الأسر والمجتمع ككل حتى يدرك الجميع حجم المشكلة وأهمية الوقاية منها.
  2. تشريعات قوية: إن إنفاذ القوانين التي تجرم التنمر الإلكتروني هو مفتاح الحد من هذه الظاهرة. يجب أن تكون هذه القوانين واضحة وتتضمن عقوبات رادعة لمرتكبي التنمر الإلكتروني
  3. استخدام تكنولوجيا الأمن الإلكتروني: تقدم العديد من شركات البرمجيات أدوات للمساعدة في الحماية من التنمر الإلكتروني. وتشمل هذه الأدوات تكنولوجيا لحظر الرسائل المسيئة، وإعدادات الخصوصية على وسائل التواصل الاجتماعي والرقابة الأبوية على استخدام الإنترنت.
  4. الدعم العاطفي والنفسي: تزداد أهمية الدعم العاطفي من الأسرة والأصدقاء في حياة الضحايا. إن التأكيد على أهمية الحوار المفتوح وتوفير بيئة آمنة للتحدث عن المشاعر يمكن أن يساعد الضحايا في التغلب على آثار التنمر الإلكتروني.5
  5. دور الأسر والمجتمعات المحلية:  يجب على الآباء مراقبة سلوك أطفالهم على الإنترنت وتشجيعهم على مناقشة السلوك على الإنترنت بصراحة مع أطفالهم. إن التواصل الجيد بين الأسر والأطفال حول هذا الموضوع يمكن أن يمنع التنمر الإلكتروني قبل أن يبدأ.
  6. دور وسائل الإعلام:  تلعب وسائل الإعلام دوراً رئيسياً في تعزيز ثقافة الاحترام المتبادل عبر الإنترنت. يمكن أن تؤثر الصحافة ووسائل الإعلام الرقمية والشخصيات العامة بشكل إيجابي في حملة توعية كبيرة حول أضرار التنمر الإلكتروني.
في ختام هذا الحديث، نجد أن التنمّر الإلكتروني ليس مجرد سلوك عدواني عابر بل هو ظاهرة اجتماعية خطيرة تتطلب التعامل معها بحذر ووعي. يتعين على المجتمع بكافة أطيافه أن يلتزم بالتحرك من أجل الحد من هذه الظاهرة السلبية التي تؤثر على الأفراد والمجتمعات ككل من خلال التوعية المستمرة، ووضع قوانين صارمة، وتحفيز الحوار بين الأفراد، يمكننا جميعًا العمل على خلق بيئة رقمية أكثر أمانًا وصحة.
المصادر
 
– عياد، فاطمة مصطفى. )0422 .)الدور المجتمعي للجامعات في إطار المسؤولية المجتمعية. أطروحة دكتوراه غير
منشورة، جامعة عين شمس.
– القوس، سعود. )0427م(. دور وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الوعي الاجتماعي –دراسة ميدانية على عينة منا لشباب السعودي بمنطقة الرياض. مجلة جامعة الفيوم للعلوم التربوية والنفسية، 24(2،)2 -21.
– اللمسي، عادل حلمي أمين. )0402 .)دور المواطنة الرقمية في الحد من مشكلات التنمر الالكتروني لدى طالب الثانوية .020 -042 ،)12(2 ،التربوية المجلة. العامة
– محمد، ثناء هاشم. )0421 .)واقع ظاهرة التنمر الالكتروني لدى طالب المرحلة الثانوية في محافظة الفيوم وسبلمواجهتها )دراسة ميدانية(. مجلة جامعة الفيوم، 0(20 ،)272-002 .
– محمد، ثناء هاشم. )0421 .)واقع ظاهرة التنمر الالكتروني لدى طالب المرحلة الثانوية بمحافظة الفيوم وسبل مواجهتها
)دراسة ميدانية(. مجلة جامعة الفيوم للعلوم التربوية والنفسية 0(20 ،)272-002.
– محمد، وفا. )0404 .)التنمر الالكتروني لدى طالب التعليم ما قبل الجامعي مدمني مواقع التواصل الاجتماعي دراسة
ميدانية في مدينة سوهاج. مجلة علوم إلانسان والمجتمع، 1(3 ،)312 -023
 

شارك هذا الموضوع: