التوازن البيئي: مفهومه و اسبابه
يُعتبر التوازن البيئي من المفاهيم الحيوية التي تؤثر بشكل كبير على حياة الكائنات الحية على كوكب الأرض. فكما جاء في قوله تعالى: “وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ لَقَدِيرًا” (الفرقان: 2)، يؤكد هذا المبدأ على أن كل عنصر في البيئة له دوره المحدد الذي يساهم في الحفاظ على استقرار النظام البيئي.
الوعي البيئي في المجتمع Environmental awareness
المحافظة على البيئة مسئولية الجميع ويطلق العلماء لفظ البيئة على مجموع الظروف والعوامل الخارجية التي تعيش فيها الكائنات الحية وتؤثر في العمليات الحيوية التي تقوم بها . ويمكن تعريف علم البيئة بأنه (العلم الذي يهتم بدراسة التفاعلات المتبادلة بين الكائن الحي وعوامل الوسط الذي يعيش فيه).يعد الإنسان من مكونات البيئة فنجده يتفاعل مع مكوناتها حوله في الوسط الذي يعيش فيه يتأثر بها ويؤثر فيها، و هذا يتطلب من الإنسان – وهو العاقل الوحيد بين صور الحياة – أن يتعامل مع البيئة بحكمة واعتدال، يستثمرها دون إتلاف أو تدمير أو إسراف… ولعل الفهم الشامل لطبيعة مكونات البيئة والعلاقات المتبادلة فيما بينها يمكن الإنسان من أن يوجد ويطور ظروفاً بيئية أفضل لحياته وحياة أجياله من بعده.
١-مفهوم التوازن البيئي
يمكن تعريف التوازن البيئي بأنه بقاء مكونات وعناصر البيئة الطبيعية على حالتها الأصلية، دون تغيير جوهري يذكر. إن أي تدخل مدمر من قبل الإنسان يؤدي إلى اضطراب هذا التوازن، مما قد يسبب عواقب وخيمة على الحياة. فكما تشير الآية الكريمة: “وَالْأَرْضَ مَدَدْنَهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ موزون” (الحجر: 19)، فإن الجبال والمكونات الطبيعية الأخرى تعمل على الحفاظ على توازن الأرض. وهذا يعني بمثابة نظام دقيق حيث تتفاعل جميع المكونات مع بعضها البعض. فعلى سبيل المثال، الأكسجين يتم استهلاكه خلال عملية التنفس، ثم يعود إلى الجو نتيجة التركيب الضوئي الذي تقوم به النباتات. هذه الديناميكية تُظهر كيف أن النظام البيئي يسعى إلى الاستقرار والعودة إلى حالته الطبيعية بعد أي تغيير.
مسببات اختلال التوازن البيئي
إن أي نظام بيئي على جانب من التعقيد لما يحتويه من كائنات حية متنوعة وعلاقات متبادلة فيما بين الكائنات من جهة وبينها وبين الظروف البيئية من جهة أخرى ، ومعنى هذا وجود شبكة من العلاقات هي أساس التنظيم الذاتـي المتبادل بين الطبيعة والحياة . وهذا التعقيد هو أحد العوامل الأساسية في سلامة كل نظام بيئي ، إذ أنه يحد من أثر التغيرات البيئية ، أما إذا تتابعت التغيرات البيئية فإنها تحدث خلخلة في توازن النظام البيئي واستقراره.
إن التفاعل بين مكونات البيئة عملية مستمرة تؤدي في النهاية إلى احتفاظ البيئة بتوازنها ما لم ينشأ اختلال نتيجة لتغير بعض الظروف الطبيعية كالحرارة والأمطار أو نتيجة لتغير الظروف الحيوية أو نتيجة لتدخل الإنسان المباشر في تغير ظروف البيئة (Larryl. 2006).. فالتغير في الظروف الطبيعية يؤدي إلى اختفاء بعض الكائنات الحية وظهور كائنات أخرى، مما يؤدي إلى اختلال في التوازن البيئي والذي يأخذ فترة زمنية – قد تطول أو تقصر – حتى يحدث توازن جديد. ومن أهم مسببات اختلال التوازن البيئي ما يأتي:
١_ تغير الظروف الطبيعية: يعد تغير الظروف البيئية من أبرز مسببات اختلال التوازن البيئي وأكبر مثال على ذلك هو التغير الذي حدث خلال العصور الجيولوجية وما تبعه من اختفاء للعديد من النباتات والحيوانات السائدة في تلك العصور وظهور غيرها في الوقت الراهن. ففي كل مرة تتغير فيها الظروف الطبيعية يختل التوازن البيئي، ثم بعد فترة تطول أو تقصر يحدث توازن جديد في إطار الظروف الجديدة له وعندما تصاب مناطق معينة بالجفاف مثلاً فإن توازن بيئاتها يختل نتيجة للدمار الذي يلحق بالكساء النباتي الذي يغطي هذه المساحات وما يتبع ذلك من آثار ضارة على حيوانات البيئة ومكوناتها بشكل عام.
٢_ إدخال كائن حي في بيئة جديدة :إن إدخال كائن حي جديد في بيئة تتوفر فيها ظروف نموه وتكاثره وتقل أعداؤه الطبيعية، يؤدي إلى اختلال التوازن البيئي. وكثيراً من الآفات الزراعية غير المتوطنة أصلاً في بعض البلدان نقلت من غير قصد من موطنها الأصلي. وينتج عن هذا النقل أن تتكاثر الآفات في الموطن الجديد حتى تصل إلى مستوى ضار وذلك نتيجة غياب الأعداء الحيوية التي كانت تحد من تكاثر أعدادها في الموطن الأصلي أو نتيجة لعدم وجود مقاومة بيئية ولوجود ظروف ملائمة في الموطن الجديد.-التغيرات البيئية على مر العصور، شهدت الأرض العديد من التغيرات المناخية والجيولوجية. هذه التغيرات، مثل العصور الجليدية، كانت مرتبطة بأسباب طبيعية، مثل ميلان محور الأرض، مما يؤثر على درجة الحرارة وتوزيع الغطاء النباتي.
ومع ذلك، فإن التدخلات البشرية أدت إلى اختلال التوازن البيئي. على سبيل المثال، زيادة استهلاك الموارد الطبيعية بسبب النمو السكاني، وطرق الصيد غير المستدامة، وقطع الأشجار بشكل مفرط، كلها عوامل تؤدي إلى تدهور البيئة. هذه الأنشطة لم تقترن بممارسات لتعويض النقص، مما أدى إلى مشاكل مثل التصحر وانخفاض التنوع البيولوجي
لوحظ من خلال الأبحاث العلمية والدراسات الميدانية أن القضاء التام على بعض الكائنات الحية في البيئة يسبب اختلالاً لتوازن النظام البيئي فيها، فقد تكون هذه الكائنات صاحبة دور رئيس في بعض التفاعلات البيئية التي تتناول الأجسام غير الحية، وقد تكون حلقات في سلاسل غذائية. وخير مثال على ذلك ما حصل بعد أن اشتكى فلاحو إحدى الولايات الأمريكية من فتك الصقور والبوم بصغار أفراخهم، فاستجابت الحكومة لهذه الشكوى فشجعت صيد البوم والصقور نظير مكافأة مالية، فتم التخلص من 125 ألف طائر في 18 شهراً، وأحدث ذلك اختلالاً في توازن البيئة في تلك الولاية إذ انتشرت الفئران انتشاراً كبيراً بعد غياب هذه الطيور التي تعتبر عدواً طبيعياً لها حيث كانت تتغذى عليها، وتبع انتشار الفئران فتكها بالنبات والمحاصيل، وهكذا كانت الخسائر أكثر جسامة، فأعادت الحكومة تحريم صيد الصقور والبوم حفاظاً على توازن البيئة وتقليلاً للضرر. وعندما استخدمت المبيدات الحشرية، أدى ذلك إلى قتل كائنات حية تعتبر أعداءً طبيعية لبعض الحشرات التي انتشرت ومثلت آفة ذات ضرر كبير على المحاصيل وغير ذلك. ونشير في هذا المجال إلى رأي أحد أخصائي الطيور، فهو يرى أنه لو انعدمت الطيور من البيئة لأصبحت حياة البشر في هذه البيئة متعذرة بعد فترة قصيرة لا تزيد على عشر سنوات من اختفاء الطيور، فالطيور تتغذى على أعداد هائلة من الحشرات الضارة التي تهلك النبات .إن فهم التوازن البيئي وأهميته يعد أمرًا حيويًا للحفاظ على الحياة على كوكب الأرض. يتطلب الأمر وعيًا جماعيًا وإجراءات فعالة لحماية البيئة، لضمان بقاء النظام البيئي في حالة توازن. كما يتوجب علينا جميعًا العمل نحو استدامة الموارد الطبيعية، للحفاظ على هذا التوازن الذي نشأ بقدرة الله سبحانه وتعالى، والذي يجب أن نحافظ عليه للأجيال القادمة.
1-Steffen, W., et al. (2015). “Planetary boundaries: Guiding human development on a changing planet.” Science, vol. 347, no. 6223, pp. 1259855.
2. Millennium Ecosystem Assessment. (2005). Ecosystems and Human Well-being: Synthesis. Island Press.
3. United Nations Environment Programme. (2018). Global Environmental Outlook. Nairobi, Kenya: UNEP.
4. Intergovernmental Panel on Climate Change. (2014). Climate Change 2014: Synthesis Report. IPCC.