الجانب الاجتماعي
    كان غالب سكان دوله الحيرة من العرب وقد غلبت عليهم القيم الاجتماعية العربية كالانتساب الى القبيلة والتعصب لها والاهتزاز بها، وصلت الرحم والتمسك بالفضائل العربية في مجالات الحياة كافة ، وكان الجانب الاجتماعي في الحيرة يتألف من ثلاث فئات رئيسيه هي اولا العباد وثانيا تنوخ وثالثا الاحلاف (١).
اولا العباد 
    هم الذين سكنوا الحيرة وابتنوا بها وهم الذين دانوا لاردشير وهذا يدل على ان العباد كانوا قوما متحضرين يعيشون حياه التمدن والاستقرار منذ زمن بعيد وكانوا قد خضعوا لحكم أرد شير ملك الفرس ربما كان هذا سبب تسميتهم بالعباد لان ملوك الفرس ونبلاءهم كانوا يعدون عامه الناس عبيدا (٢). ويذكر جواد علي انهم سموا بأسم العباد لأنه كان يعبدون الله او لكثره من تسمى منهم باسم عبد كعبد المسيح ، وبذلك أصبح اسم العباد صفه تطلق على نصارى الحيرة تميزهم عن غيرهم من سكان الحيرة (٣) .
    وكان العباديون هم أكثر اهل الحيرة ثقافه ، هذا قد عمل بعضهم في الصناعات ودرس بعضهم العلوم وفاق بعض اخر في اللغات فتحدث اللغة العربية وتعلم الفارسية ، وكانوا يتقنون في الغالب لغة بني ارام (الآرامية) بحكم تنصرهم واعتبار النصارى لها لغة مقدسه لأنها لغة الدين لذلك كان لهم وجه ومقام في الحيرة (٤).
ثانيا تنوخ 
      هم العرب الذين سكنوا الخيام وبيوت الشعر وكانوا يسكنون في غربي الفرات ما بين الحيرة والانبار وما فوقها وقد أطلق على هؤلاء اسم تنوخ لأنهم تحالفوا على التنوخ الى قام في هذه المنطقة للاشتغال في الزراعة او لراعي الإبل والمواشي فيها وقد نجحوا هؤلاء في اقامه كيان سياسي لهم في زمن مالك بن فهم، واخذ ملكهم يتوسع حتى أصبحوا ملوك الحيرة في عهد الأسرة اللخمية، وكانت تنوخ تضم ابناء قبائل العربية متعددة كاللخمين ومذحج وطيء وكلب وتميم وغيرهم ، واستندت الحيرة على القوة العسكرية لأبناء هذه القبائل  في كيانها وتوسيع نفوذها وسلطانها بين العرب (5).


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الملاح، هاشم يحيى، الوسيط في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط1، دار الكتب العلمية ـ بيروت، 2008، ص 234. 
(2) كرستنسن، إيران في عهد الساسانيين، ترجمة يحيى الخشاب، بيروت، 1982، ص 7. 
(3) علي، جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط2، بغداد، 1993، ص 157.
(4) المرجع نفسه، المفصل، ص 171.
(5) الملاح، الوسيط، ص 235.
 
ثالثاً الاحلاف
     هم القبائل العربية التي حالفت المناذرة واعترفت بسيادتهم وتجولت في أطراف الجزيرة او استقرت عندها ، وهم غير ثابتين فيتوقف عددهم على مدى امتداد حكم المناذرة وتجول القبائل ، وفي الغالب ان اهم الاحلاف هي قبيله تغلب التي هاجرت بعد حرب البسوس في ايام عمرو بن هند واستقرت على ضفاف الفرات شمال الحيرة وكذلك بكر وبني عجل وشيبان (1) .
الجانب الاقتصادي
اولا الزراعة والثروة الحيوانية 
     عمل اهل الحيرة بالزراعة والرعي ، وهما حرفتان املتهما طبيعة موقع المدينة في ارض السواد وعلى حافة الصحراء ما جعلها تجتمع بين حياه البداوة والاستقرار، وما كان فيها من النخل والبساتين والجنان والانهار وغيرها جعلتها تتمتع بمستوى جيد من الناحية الاقتصادية، فضلا عن الثروة الحيوانية وهي رعي الإبل وصيد الضباب والارانب وصيد السمك وغيرها، فأن هذه الثروات قد وفرت لأهل الحيرة مستوى رفيع من المعيشة وامنت لهم نوعا من الاكتفاء الذاتي من جميع الوجوه ووفرت هذه الاراضي الزراعية دخلا جيدا لأصحابها (2).
ثانيا التجارة 
      من أبرز النشاطات التجارية كان يمارسها سكان دوله الحيرة هي تجاره النقل، اي وكانوا يعملون على نقل البضائع التي تأتي من اقصى المشرق كالصين والهند عبر الخليج العربي الى سوريا وبلاد الشام واليونان، كما كانوا ينقلون منتجات العراق وما يرد اليه من سوريا وبلاد الروم من بضائع كالحديد والنحاس والقصدير الى سواحل الخليج العربي وافريقيا، ولم تكن ممارسه النشاط التجاري مقصوره على تجار الحيرة وغيرهم من سكان الحيرة، بل شاركهم في هذا المجال ملوك الحيرة أنفسهم، فقد ذكر ان النعمان بن المنذر كان على علاقة تجاريه ببلاد الشام وكان له يبعث في كل سنه قافله تجاريه الى سوق عكاظ في الحجاز فتباع ويشترى لها بثمنها الحرير والبرود من القصب والوشي وغيره (3).
    
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العلي، صالح احمد، محاضرات في تاريخ العرب، ط4، بغداد، 1967، ص 74-75.
(2) الملاح، الوسيط، ص 236. 
(3) غنيمة، يوسف رزق الله، الحيرة المدينة والمملكة العربية، ط1- بغداد، 1936، ص 91.
      ان دوله الحيرة كانت تثقل التجار بكثرة ما تفرضه عليهم من ضرائب ، وقد ساعد النشاط التجاري اهل الحيرة على اعتراف مهنه الصيرفة والتعامل بالعملات المختلفة كالدينار البيزنطي والدرهم الساساني وغيرها من العملات (1).
 
ثالثاً الصناعة 
    لم تذكر المصادر التاريخية معلومات مباشره عن الصناعة عند اهل الحيرة ، الا ما ورد من اشارات غير مباشره في الشعر خاص عن بعض السلع التي كما يستخدمها الناس في حياتهم اليومية، وكان من الصناعات التي وصلت درجه عالية من الجودة والاتقان عند اهل الحيرة هي صناعه النسيج فكانوا ينسجون القز والكنان والصوف ، وكان يوشون القماش احيانا بالقصب او بخيوط الذهب (2). كذلك كانوا يمتهنون الحدادة وكان يصنعون لوازم العمارة من الحديد كالباب الحديدي ، وكانوا يصنعون اشكال السلاح والسيوف النارية الشهيرة والسهام ونصاب الرماح وغيرها ، وكانت تستعمل هذه الأسلحة لكتائب الجيش (3).
     وقد عرف اهل الحيرة كثيرا من الصناعات التي تمت الحاجة اليها في حياتهم اليومية ومنها صناعة الاواني والخزف وصنع مختلف الاطعمة والاشربة، مما يدل على الرقي في حياتهم المدنية، ولقد بلغ اهل الحيرة درجه رفيعة من التقدم في صناعة الاسلحة وآلات القتال وان هذا التقدم في التقنية العسكرية هو الذي اثاره اهتمام الفرس بصوره خاصه وجعلهم يعملون على القضاء على دولة الحيرة (4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) غنيمة ، الحيرة  ،ص93.
(2) الملاح، الوسيط، ص 238.
(3) غنيمة، الحيرة، 84.
(4) الملاح، الوسيط، ص238.
 

شارك هذا الموضوع: