الحدث بين النحو العربي واللسانيات المعاصرة
مصطلحٌ نحويٌّ متشعب، يستعمله أكثر النحويين للدلالة على المصدر، وبعضهم يخص به الفعل وما شابهه، وهو سمة من سمات الفعل، فأينما وجد الحدث بانَ أثر الفعل، يقول سيبويه: ((هذا باب الفاعل الذي لم يتعده فعله إلى مفعول آخر والمفعول الذي لم يتعد إليه فاعل ولم يتعدَّه فعلُه إلى مفعول آخر. والفاعل والمفعول في هذا سَواء، يَرتفع المفعول كما يرتفع الفاعل، لأنّك لم تَشْغَل الفعل بغيره وفرغته، كما فعلت ذلك بالفاعل. فأمَّا الفاعل الذي لا يَتعدّاه فعله فقولُك: ذَهَبَ زيدٌ وجَلَسَ عمرو. والمفعولُ الذي لم يتعدَّه فعله ولم يتعدَّ إليه فعلُ فاعلٍ فقولُك: ضُربَ زيدٌ ويُضْربُ عمرو. فالأسماء المحدَّثُ عنها، والأمثلةُ دليلةٌ على ما مضى وما لم يمض من المحدَّث به عن الأسماءِ، وهو الذَّهاب والجلوس والضّرْب، وليست الأمثلة بالأحداث ولا ما يكون منه الأحداثُ وهي الأسماء)) الكتاب: 1/ 23، فالأحداث ليست الأفعال التي يسميها الأمثلة ولا هي الأسماء المُحدَّث عنها، فهي غير ذلك كله، إنّما الأحداث ما يكون من الأسماء، أي هو فعل الفاعل، غير مقرون بزمن.
ويرى ابن السراج (ت: 316هـ) أنَّ الأحداث هي المصادر، وينسبه إلى النحويين بقوله: ((وجميع الأفعال مشتقة من الأسماء التي تسمى مصادر كالضرب والقتل والحمد, ألا ترى أنَّ حمدتُ مأخوذ من الحمد, و”ضربتُ” مأخوذ من الضرب, وإنما لقب النحويون هذه الأحداث مصادر؛ لأنَّ الأفعال كأنَّها صدرتْ عنها)) الأصول في النحو: 1/ 40، ويثير ما ذهب إليه ابن السراج تساؤلًا هو كيف تصدر الأفعال عنها، والأحداث هي ما يصدر عن الفاعل (الاسم)؟، لقد خلط ابن السراج في كلامه هذا بين الحدث بوصفه من سمات الأفعال والمصدر بوصفه لفظا مستقلا عن غيره، فإذا كانت الأفعال تصدر عن المصادر، فالمصادر سبب القيام بالفعل، ومن ثم لا يكون المصدر مستقلا بل هو تابع للفعل الذي يصدر عنه، وهذا محال لأن الحدث هو السمة المشتركة الموجودة في الفعل والمصدر، ولعل ابن السراج قصد من لفظ (الأحداث) مصطلحا آخر غير ما هو معروف من الحدث في الفعل، فالحدث الذي قصده يشمل المصطلح بشكل عام، لا بوصفه سمة معنوية في الفعل والمصدر، وإنما الحدث يكون من الفاعل لأنه هو من يقوم بالفعل، وما يكون منه، فإذا أردنا النفي، نفينا الحدث عن الفاعل لا عن الفعل نفسه، أي نفي ((نفس الحدث الذي يحدثه الفاعل من قيام أو قعود أو نحوهما)) شرح شذور الذهب، ابن هشام: 18، فمثلا في قولنا: (ما قام زيد)، نفينا نسبة القيام عن الفاعل (زيد)، ولم يكن النفي للفعل بشكل عام، لأنه يمكن أن يقال: (ما قام زيد بل عمرو)، ففعل القيام حاصل لكنه منفي عن زيد، ثابت لعمرو.
ويعد الحدث مكونًا مهمًّا في النظام النحوي لأي لغة إنسانية وتوصف اللغات السامية بأنّها لغات فعلية تعتمد على الفعل بمعناه الدلالي لا الاصطلاحي، ويتشكل الحدث في صيغ صرفية مختلفة منها الفعل والصفة (المشتقات) والمصدر المعروف في النظام النحوي العربي، ينظر: فقه اللغات السامية، بروكلمان: 209، وقد بين ذلك سيبويه بقوله: ((وأما الفعل فأمثلة أُخذتْ من لفظ أحداث الأسماء)) الكتاب: 1/ 12، فأحداث الأسماء إنما قصد بها المصادر.
وفي الدرس اللساني شكل الحدث عنصرًا مهمًّا في تحليل اللغة، إذ تظهر عناية اللغوي الفرنسي فرديناند برينو بالحدث حين يقرُّ ((بأن من أغراض اللغة التعبير عن الأعمال والهيئات، وبأنَّ أساس الجملة الصغرى هو حدثٌ من الأحداث لا كائن من الكائنات أو شيء من الأشياء، ذلك أن الفكر يبدو في أكثر أحواله قائمًا على أساس ماعني الوجود والضرورة والمناسبة والاكتفاء وما جرى مجراها، لا على أساس معاني الكائن والشيء وما إليهما ممَّا يفيده الاسم)) قضايا الحدث في اللسانيات وفلسفة اللغة: : 297، ويرى أنّ الحدث يمكن أن يتجسد في البنى النحوية عن طريق الاسم والصفة، ولكن يبقى الفعل الطريقة المثلى في التعبير عن المعنى الحدثي، ينظر: مقولة الحدث الدلالية في التفكير اللغوي: 89.
وربط لوسيان تانيار بين الفعل ومتعلقاته والأحداث وما تقتضيه من أطراف مسهمةٍ فيها وملابسات حافة بها على نحو يُبرِزُ ما قال به من التوازي بين المستوى البنيوي والمستوى الدلالي، وعرَّف العُقدة الفعلية التي تمثل قطب الرحى وواسطة العقد في أغلب الألسنة بأنها تعبر عن مقولة صغرى قائمة برأسها، وما يمكن ملاحظته من هذه الصورة التي تعبر عنها العُقدة الفعلية أنّ لوسيان يربط في هذا المستوى الحركي الوظيفي بين الفعل ودلالة على الحدث على نحو صريح، فالفعل في هذه العقدة يُناسب الحدث في المقولة التي هي صورة الواقع المنقول بواسطة اللغة، ويتضح هذا الربط في تقرير لوسيان أنَّ الفعل يفيدُ الحدث، وعلى هذا فإن الحدث في قولنا: (ضرب زيدٌ عمرًا) يعبَّر عن الفعل (ضرب)، ينظر: قضايا الحدث في اللسانيات وفلسفة اللغة: : 337- 338.
ويرى هاليداي أنَّ الحدثَ داخل في المكونات الدلالية للمقولة الصغرى، أنَّه قطب هذه الدلالة ومركزها، ويقارب ما ذهب إليه لوسيان في حديثه عن العُقدة الفعلية، ويعرض هاليداي لأثر الفعل في بنية الجملة والوظائف الدلالية، ويربط بين حدث الفعل والعمل، إذ يقتضي هذا الحدث من جهة الوظائف الدلالة مشارِكًا ضروريًّا يُسمَّى فاعلًا حقيقيًّا، وقد يقتضي مشارِكًا ثانيًا يسمى مفعولُا به حقيقيًّا، إذا كان الفعل متعديًّا، ينظر: مقولة الحدث الدلالية في التفكير اللغوي: 107- 108، أي إن الحدث هو المسؤول عن تكوين المقولة النحوية، فهو الذي يستدعي الفاعل والمفعول، وعليه فهو السبب الأساس في العمل.